معركة الوعي الوطني في مصر

بعد كل القتل والترويع الذي يمارسه التشدد بحق الجيش والأمن، ما هي مبررات التعاطف معه؟

ذهني على وشك الاستعداد والتهيؤ بأن الأعمال الخسيسة والقذرة وحوادث القتل العمدي صوب جنودنا البواسل ليست من أجل تقويض الوطن الذي هو أغلى وأنظف وأشرف من أولئك الفجرة الذين لا يعرف الدين الحنيف لقلوبهم طريقاً وهم أنفسهم لا يفطنون أن ما يرتكبوه تجاه جنودنا الأبرار يخالف شريعة الإسلام السمحة.

وهذا الاستعداد والتهيؤ حالة مفادها سبر أغوار فكر هؤلاء الخونة الذين ربما تربوا على أرض مصر القاهرة الطاهرة الساحرة، وربما كثرت التحليلات السياسية وأفاض خبراء ومتخصصون شئون التيارات الدينية أو فصائل الإسلام السياسي أو السياسة المتأسلمة في عرض أسباب وعوامل هذه الحوادث التي لا يقبلها قلب مؤمن سليم.

باختصار، كل حوادث الماضي القريب تحديدا منذ سقوط نظام المعزول الفقير سياسيا وإداريا محمد مرسي بتوقيعات ورقية كدليل دامغ على ضعفه وضعف تنظيمه السياسي الذي جعله مندوبا له في حكم مصر الكبيرة العصية على المراس والترويض والاستلاب تؤكد ثمة حقائق تحتاج إلى توضيح وتفسير. أبرزها لماذا هذا الإصرار المستميت على أن قتل الجنود هو تعويض أو ثأر لعزل محمد مرسي من الحكم رغم أن العزل والانتفاضة الشعبية التي امتدت لشهر يونيو بالكامل حتى جاء يوم الغضب الأحمر في الثلاثين منه.

وكثيرا ما أحاول تأمل موقفهم لاسيما وأنا أرصد فترة حكم محمد مرسي التي يتباكى عليها بعض المتهوكين بل أراهم اليوم على صفحات الفيس بوك ينعتون أيامنا بالكابوس على اعتبار أن أيام حكم تنظيم حسن البنا لمصر كان خيرا وفيضا وقبسا من النور. ففترة حكم مندوب التنظيم كانت فترة قلق وانفعال ديني بغير اجتهاد مقبول أو طرح ديني وسياسي يمكن الاسترشاد به، ولربما هؤلاء الذين اعتصموا في رابعة العدوية وميدان النهضة وبعض الميادين الأخرى بالمحافظات يرون أشياء أخرى تميز فترة حكمه وامتداد نفوذ تنظيمه.

وهؤلاء وحماس في فلسطين المكلومة وتركيا المريضة سياسيا منذ مطلع القرن الماضي أبان كان يطلق عليها الرجل المريض حتى صار أردوغان نفسه مريضا سياسيا بمرض مزمن اسمه مصر وقطر الدويلة التي بدأت أن تستفيق لوضعها التاريخي والجغرافي ومكانتها السياسية وهي تقف وجها لوجه أمام أمة تسمى مصر، كل هذا فاتهم حقيقة أن مصر بطبيعتها ولادة، وأن شعبها استحال أكثر وعياً وإدراكاً لخطورة المرحلة وإذا كان الشعب قد أخطأ مرة واحدة حينما قرر طواعية أن يسلم حكم البلاد والعباد بيد مرتزقة دين وسياسة لا نزال نعاني من أفعالهم الصبيانية المريضة فإن اليوم قد بات واضحا للشعب الثقافة السياسية والأخلاق التي يتمتع بها أنصار وأقطاب ومريدي تنظيم البنا.

ولأنني للتو انتهيت قبل الشروع في كتابة هذه السطور من معركة كلامية وسجال لم يكن باهتا بيني وبين أحد المتعاطفين أو الأنصار أو ما شئت فقل عنه، المهم أن بقلبه هوى للتنظيم الإرهابي متعدد الأسماء بين جماعة الإخوان أو أنصار بيت المقدس رغم أن بيت المقدس هناك بفلسطين وليس بسيناء لكن تبا لضعف البصر والبصيرة، أو بعض أطياف داعش بمصر وكل هؤلاء يصرون على حرق مصر وقلبها وأدركت كم القسوة وحجمها بقلوبهم والتي تمثلت بحق في حادثة سيناء. إنهم يصفون مصر اليوم بأبشع الصفات ولطالما وددت أن الوطن إذا لم يكن على هواهم فليغادروا الآن وموضع ومكان مطار القاهرة معروف وهو ليس بمنأى.

ولربما يسعى أولئك المتربصون بمصر العزيزة من أجل إجبارنا على عدم عقد مؤتمر القمة الاقتصادية في مارس المقبل إن شاء الله وترويج فكرة أن مصر بلد غير آمن ولا يمكنها استضافة مؤتمر اقتصادي عالمي، وهذا ما يؤكد الشكوك حول حرص الفصائل والدويلات المعادية لنظام مصر السياسي الحالي في إحراجه وتقليص فرص توفير الأمن والأمان.

إن مصر كلها بشرفائها المخلصين الوطنيين فقط تصلي من أجل شهدائها الأبرار من قواتنا المسلحة، وتصلي من أجل أن يحفظ الله مصر وأهلها من كل سوء ومكر يحيط بها، وهناك ثمة حقائق ترتبط بهذا الوطن العريق أهمها وأولها أن شعبها طويل النفس بنوا الأهرام وشيدوا المعابد وأقاموا أروع مساجد في العالم وحفروا للسويس قناتين وبنوا السد العالي وحاربوا الكيان الصهيوني وانتصروا في معركتي الحرب والسلام. هذه هي مصر العتيدة التي لا يفطنها المتهوكون، وهذه مصر التي ستنتصر في النهاية رغم حقد الحاقدين عليها، سيذهب الحقد والغل والكراهية جفاء، وستمكث مصر بأهلها المخلصين.

ولو أنك شاهدت صور الحوادث البشعة التي ترتكب بحق جنودنا وضباطنا البواسل لصرخت كما فعلت وفعل غيري بعبارة تبا لهذه القسوة التي بقلوبكم، لم ترحموا صغيرا أو كبيرا، إنكم قتلتم جنونا المرابطين الذين يحمون الديار والبلاد والعباد، وبقدر قسوتكم أكرهكم، وبحجم حماقتكم أكرهكم، وبمساحات الفتنة التي تنشروها أكرهكم، وبقدر عدم فهمكم لشرف البدلة العسكرية التي كان يرتديها أهلي من الجنود أكرهكم.. هي قسوة وتلك كراهية، وتبقى مصر لتحيا.