معزوفة القيم والملمح الإيقاعى في "العصفورة الكسلانة"

مسرحيات السيد جلال للأطفال اعتنت بمجموعة مهمة من القيم، كان أظهرها فكرة الدور البطولي المقدم للطفل.
تأسيس مسرح الطفل أتى كوسيلة تربوية في الأساس، كتعليم الطفل وإرشاده
الناحية المضمونية تشغل أهمية كبرى في أدب الطفل بطبيعة المستهدف غرسه من قيم نبيلة في وجدان الطفل

صدرت مؤخرا المجموعة المسرحية المعنونة "العصفورة الكسلانة" بقلم الشاعر السيد جلال، وهذا اللون من الأداء التعبيري يحتل مكانته الخاصة في الأنواع الأدبية، يكفى أن نطالع مقولة مارك توين: "مسرح الطفل هو أعظم الإختراعات في القرن العشرين"، ووصفه بأنه أقوى معلم للأخلاق، وخير دافع للطفل إلى السلوك الطيب. وبطبيعة تكوين هذا النوع الأدبي يجب أن يحوز السمات الجمالية لأدب الطفل بعامة من حيث ثنائيات المزج بين العقل والعاطفة، والواقع والخيال، وتصوير المعنى وبث المعلومات فتنتعش عاطفة الطفل، وتثمر القيم النبيله في سلوكه، إضافة إلى الناحية التعليمية والتثقيفية بإمداد الطفل بالمعرفة المفيدة.
وقد برع شعراء عرب في كتابة مسرحية الطفل منهم: أنس داود، وأحمد زرزور، وأحمد الحوتي، وانضم لطائفة هؤلاء الشعراء الشاعر السيد جلال، وانعكس هذا في التدفق الإيقاعي بمجموعته المسرحية، نموذجًا: المقطوعة الختامية بمسرحية "ثورة الحديقة" والتي تحمل الخلاصة والعظة السلوكية المهمة للطفل: "يرى البستاني طفلًا يتسلل إلى حوض الزهور، مسرعًا: أيا غلام لا تقطف الزهور حولك / دعها على الغصون تحيا الحياة مثلك / وانظر جمالها الآن ثم بعد فعلك / ولا تكن محبًا للنفس دون غيرك / فالكائنات أهل للود مثل أهلك". وهذا الملمح الإيقاعي يحقق شغف الطفل ويضفى المتعه لديه لدى تلقيه العمل المسرحى.
وإذا كان تأسيس مسرح الطفل أتى كوسيلة تربوية في الأساس، كتعليم الطفل وإرشاده، لهذا يحتل المضمون التعليمي مكانة مقدرة في ظلال مسرح الطفل، واتضح هذا المنحى في المجموعة المسرحية، فنجد التقسيم الشبيه بالتقسيم المدرسي في المادة التعليمية التاريخية المقدمة للطفل، ففي قصة "ثورة الحديقة" نجد التقسيم أولًا: أسباب الثورة، ثم ثانيًا: الثورة ومظاهرها، والقسم الأخير: ثالثًا: نتائج الثورة. 

الجانب البيئي يحتل جانبا من المجموعة خاصة في قصة "العصفورة الكسلانة" في دفن العصفور الصغير "فرفور"، وفي الدخان الذي لوث الهواء نتيجة إشعال الآدميين القمامة

والناحية المضمونية تشغل أهمية كبرى في أدب الطفل بطبيعة المستهدف غرسه من قيم نبيلة في وجدان الطفل، وقد اعتنت المجموعة المسرحية بمجموعة مهمة من القيم، كان أظهرها فكرة الدور البطولي المقدم للطفل، حيث البطولة في الأدب المعاصر لم تعد البطولة المطلقة للفرد، بل تطور إلى البطل غير البطولي، بتقديم الشخصيات العادية في صراعها مع ذواتها، ومع الآخر، وفي ظلال ما تعانيه من ضغوط ومحن يومية. 
وفي أدب الطفل تحتل بطولة "المبدأ" أهمية خاصة، فقدمت المجموعة البطولة الجماعية من خلال أكثر من مسار، الأول إيضاح دور المجتمع في التقويم، فالطيور بزعامة الغراب تتجه لنصيحة العصفورة الكسلانة بالتبكير لإجتناء رزقها، لكن العصفورة تقاوم التغيير، فانتقلت المجموعة لمسار آخر في التقويم عبر وسيلة التأديب من خلال إخفاء أولادها الصغار للعناية بهم من ناحية بعد إهمال الأم الكسول، ولتحفيز الأم لتغيير سلوكها من ناحية أخرى، ثم تعود الجماعة للمسار الأول فتقوم الطيور بمعاونة العصفورة في البحث عن أولادها بعد وعدها لهم أن تترك الكسل. وتتضح بطولة المجموع بشكل جلي في مسرحية "ثورة الحديقة" عبر فكرة أن الإنتصار على الظالم لا يأتى خبط عشواء، بل لا بد من الإتحاد والتكافل والتراحم بين فئات الثوار، مثل تعاطف النحل والطيور مع الزهور المظلومة ضد ظلم البساني الذى يعمد لحرمان الزهور من النور، وقطافها من الأغصان قبل الآوان، فيتم عقد هذا الإجتماع الموسع برئاسة ملكة النحل للتباحث في تحليل الموقف، ودراسة طريقة الفعل الثوري لدفع الظلم.
ويحتل الجانب البيئي جانبا من المجموعة خاصة في قصة "العصفورة الكسلانة" في دفن العصفور الصغير "فرفور"، وفي الدخان الذي لوث الهواء نتيجة إشعال الآدميين القمامة. ونبعت من هذه المحنة لشخصيات القصة قيمة التفكير العلمي لحل المشكلة، بدراسة اتجاهات الربح وبناء أكثر من عش تحتمي به الطيور من الدخان طبقا لاتجاهات الريح.
أما القيمة الوطنية، قيمة البحث عن الحرية، وهي القيمة المقدرة في تقسيم وايت المطور للقيم المقدمة للطفل، ويضم التقسيم أكثر من 47 قيمة، تحتل القيمة الوطنية المركز الأول من بينها، وتتقدم عن مجموعات القيم الآخرى. فتشغل هذه القيمة الوطنية مسرحية "ثورة الحديقة" في أكثر من موطن وعبر حبكتها ومضمونها الحكائي: "الحديقة هي الوطن والعرض / والحر فينا لا يرضى أبدًا بذل / ولا نرضى أن يهون أو يقل". وصدحت أصوات الثورة عبر صرخة الزهرة المنحورة في وجه البستاني الظالم: "رميت بذور إحيائي وربك من تخالفه / تولى بعثها زهرًا وأنت الآن تتلفه".
وقدمت مسرحية "ثورة الحديقة" مسارات للفعل في المسألة الوطنية، منها تقديم فكرة الحجاج مع الظالم أي دفع الثائر عن حقه وتلقينه حجته، وتنمية ملكته للدفاع عن حقه المهدور، يقول البستاني: "ففي الأفراح أنزعها / وفي الأحزان أنزعها / ولست كما يرى الناس بظلام وحساد"، فتدفع "زهرة" حجته: "تقتلنا ومن بعد / تنصب نفسك القاضي / وتعلم أنك الباغي / وتعلم أنك البادي".
ومن مسارات الفعل الثوري أيضا المقدمة للطفل، فكرة الإعداد والتخطيط لتأديب الظالم، يقول الطائر الثائر: "لا يجب طلب الحق ورد الإعتبار من موقف ضعف، لأن الضعف يولد ضعفا"، حيث الطيور تأكل غلة الحقل لمضايقة البستاني، والنحل يلسعه ويموت شهيدًا، وهنا الإحتفاء والفخر بالشهداء قيمة الوطنية العليا بالتناص مع القرآن الكريم بأن النحل الشهداء أحياء عن ربهم يرزقون. 
ومن هنا نبعت فكرة تقديم مجموعة من الفضائل الإدارية للطفل، مثل مبدأ "تقسيم العمل"، ففي الفعل الثوري، قسم يحرس الزهور، وقسم آخر يدور حول الأشجار المثمرة، وقسم من النحل الفدائي يلسع الظالم وهكذا.
ومن محتوى القيمة الوطنية في المجموعة تحرير مجموعة من المفاهيم وتقديمها للطفل، منها تحرير فكرة التدافع والثورة وتقريبها للطفل، حيث الصراع بين الكائنات الجميلة من جانب والوحوش والجوارح والكواسر من جانب آخر: "طائر 1: أيتها الملكة / نحن لا نرضى بالتعدي والإهانة، ونحن معك. طائر 2: نحن لا نطلب الإنتقام لحب الإنتقام / ولكن لكي لا يعتدى أحد على حريتنا وحريات الآخرين بمناسبة وبدون مناسبة".
وفي إطار تحرير المفاهيم للطفل، تحرير مفهوم الحرية ونقيضه الفوضى: "الفراشة 1: يجب أن يستمتع كل مخلوق / بالحياة ويسعد بالجمال / دون أن يحاول امتلاكه ليحرم الآخرين منه والإستمتاع به. زهرة 3: نعم .. نعم .. الحياة تتسع للجميع لو تخلى كل منا عن أنانيته". 

children's literature
الألوان الناصعة في الشخصيات

ومن القيم المهمة أيضا في المجموعة أن المصير نتيجة الفعل، حيث يخاطب النحل البستاني الظالم: "لو حفظتنا لرعيناك / لو صنتنا مالسعناك"، وحيث تجوع العصفورة الكسلانة لأنها لا تعمل.
وتقدم المجموعة المسرحية بعض المعلومات للطفل لكنها محدودة مقارنة بحشد القيم الكبير موضع عناية المسرح، مثل معلومة أن النحلة إذا لسعت بذبنها ماتت، وأيضا الفرق بين الوردة والزهرة، ومنها حقيقة أن الكائنات مسبحة: "اليمامة: وقلبى يصلي لرب الضياء"، وفي موطن آخر: "الهدهد: يا رافع السماوات / يا خالق الأكوان / يا رازق الكائنات / ومبدع الأفنان".
ومن الجوانب الفنية بالمجموعة المسرحية تقدير قيمة الحكي للطفل بظهور عنصر الراوي أساسيًا في كل مسرحية، والجدة التي تقوم بالحكي، وهو صورة ممكنة في مدركات الطفل، كما كان في الإعداد المسرحي من حيث نفي الحواجز المادية بين قسمي المسرح قسم الراوي وقسم عرض المشاهد، وأيضا الإظلام التدريجى والإنتقال بالتناوب بين قسم الراوي، ومعه مجموعة من الأطفال، والقسم الآخر للمشاهد، بما يمنح التقدير لقيمة الراوي الفنية في وعي الطفل وأنه وسيط الحكاية. 
كما جاء الاستعانة بالشرائح الفيلمية لتغيير الديكور وتعدد المشاهد، منح قيمة الحركة المهمة في أدب الطفل بما يدفع الملل عن الطفل المشاهد، ويجعل المسرحية مشوقة وممتعة له. كما جاء التنويع في عرض الظاهرة من أكثر من وجهة، مثل عرض تنويعات مظاهر الكسل، فالعصفورة تكسل عن التبكير في الخروج للبحث عن طعامها وطعام أولادها، وحبها للنوم، بما يؤدي لعدم النظافة: "أنت كسولة ولا تنظفين العش / ولا تغيري لنا هذا الفرش / مع أنه فقط قش".
ومن الأمور الفنية المهمة تلك الألوان الناصعة في الشخصيات، وإنتمائها لفريق محدد بين فريقين من الأخيار والأشرار، وهذا التحديد ضروري للطفل، فالعصفورة الكسلانة وضدها النحلة التي تبدو نشيطة ترفرف بجناحيها، لكن تأتي ناحية مناقضة شعور الأمومة في مسرحية العصفورة الكسلانة لدرجة هزال ووفاة ابنها "فرفور" العصفور الصغير، فالأم لا تكسل عن أولادها في وعي الطفل، وهي التي تقدم له الحنان والرعاية ووجوه الخير كلها، لكن حدثت الموازنة عندما طببت العصفورة ابنها العصفور الآخر وأنقذته من الموت بعد أن أصبحت نشيطة في خاتمة المسرحية.
وظهرت هذه الإشكالية أيضا في مسرحية "ثورة الحديقة" فالبستاني الظالم الذي ملأ الحديقة بالحزن والألم يبرر فعلته بقطف الزهور في ثلاث مواطن بالمسرحية، بأنه يفعل ذلك لإطعام أولاده، وتسميد الحديقة، وهنا تبرير يناقض حدية الشخصيات، بمعنى أن الطفل قد يتعاطف مع البستاني، لأن الطفل يرى أباه يعمل ليجلب له ما يحب، وهذا يناقض قصدية فكرة المسرحية من غرس القيمة السياسية لدى الطفل، وحاولت المسرحية تحقيق التوازن من وعد البستاني للثورة في نهاية المسرحية بأنه لن يقطف الزهور قبل أوانها، وكنت أرى أن يأتي التنويه مبكرا في المسرحية بأن جريمة البستاني هي قطاف الزهور قبل أوانها، فلا يؤثر تبرير البستاني بعد ذلك في نصوع الشخصيات المهم في أدب الطفل.