مقالات مصطفى عبدالله في "ميو" في أطروحة دكتوراه

مروة ياقوت تحصل على دكتوراه الفلسفة في الآداب من جامعة الإسكندرية عن مقالات الكاتب الصحفي مصطفى عبدالله.
يوسف نوفل مؤكدًا: دراسة مروة ياقوت تكذب مقولة "المعاصرة حجاب"
سحر شريف تصف الأطروحة بالعمل القيم البكر لأن موضوعها لم يُبحث من قبل في الجامعات المصرية

الإسكندرية ـ من قسم اللغة العربية وآدابها بكلية الآداب بجامعة الإسكندرية، نالت الباحثة السكندرية مروة ياقوت، ظهر السبت 8 فبراير/ شباط 2020، درجة دكتوراه الفلسفة في الآداب مع مرتبة الشرف الأولى عن أطروحتها التي عنوانها: "تطور المقال الأدبي في مصر في النصف الثاني من القرن العشرين، مقالات مصطفى عبدالله نموذجًا"، وذلك بعد أن ناقشتها لجنة علمية ضمت: الدكتور فوزي عيسى، "مشرفًا ورئيسًا"، والدكتور يوسف نوفل، والدكتورة سحر شريف، "مناقشين".
وعلى امتداد ثلاث ساعات كانت المناقشة، وعرض المشرف لأهمية هذه الرسالة، ومكانة الكاتب والناقد مصطفى عبدالله الذي كانت أعماله موضوعًا لهذه الدراسة، منذ التحق بمؤسسة "أخبار اليوم" بالقاهرة محررًا تحت التمرين بمجلة "آخر ساعة"، ثم محررًا بالقسم الأدبي بجريدة "الأخبار" إلى أن أصبح رئيسًا لهذا القسم، ثم مشرفًا على صفحتها الأدبية لسنوات سبقت توليه رئاسة تحرير جريدة "أخبار الأدب" في 17 يناير/كانون الثاني 2011، وتطرَّق الدكتور فوزي عيسى، الأستاذ بكلية الآداب بجامعة الإسكندرية إلى حضور مصطفى عبدالله في الساحتين الثقافية والصحفية في الوطن العربي على امتداد أكثر من أربعين عامًا، وكيف أنه يعتبر من أهم الكتاب الصحفيين القاهريين الذين لعبوا دورًا، خطط له بعناية، لتقديم أجيال من المبدعين والأكاديميين السكندريين للقراء عبر منابره الصحفية المتعددة، وضرب أمثلة بمقالاته التي نشرها في "ميدل إيست أونلاين" والتي اعتبرتها الباحثة من أنضج مقالاته، وتناولت الكثير منها بالدرس والتحليل على امتداد صفحات أطروحتها التي تربو على 250 صفحة.
 وبدوره أكد الدكتور يوسف نوفل، أستاذ الأدب والنقد بكلية البنات بجامعة عين شمس، على أن هذه الرسالة تحطم قاعدة لا يؤمن بها ترى أن "المعاصرة حجاب"، موضحًا أن هذه القاعدة كانت تطبق في الجامعات المصرية إلى وقت قريب. وقد تسببت في ألا يتمكن هو شخصيًا من اختيار موضوعه لنيل الدكتوراه عن شخصية معاصرة مثل الأديب محمد عبدالحليم عبدالله، فهو لم يتمكن من تسجيل موضوع أطروحته عنه إلا بعد نشر خبر وفاة محمد عبدالحليم عبدالله.
وأكد أن المعاصرة أتاحت للباحثة أن تعايش مصطفى عبدالله وتحصل منه على الكثير من الوثائق والمسودات التي أعانتها على إعداد دراستها عنه، وأشار الدكتور يوسف نوفل إلى اختلاف أنماط مقالات الكاتب موضوع الدراسة بين الصحف اليومية والأسبوعية والمجلات الثقافية الشهرية أو الفصلية التي التقى بقرائه عبر صفحاتها، ومن أبرزها: "المصري اليوم، و"الشارقة الثقافية"، و"المجلة العربية"، و"القاهرة"،  وقبلها: "دبي الثقافية" التي نشر مقاله الشهري بها منذ عددها الأول إلى أن احتجبت عن الصدور، و"العربي"، و"الجسرة الثقافية" التي أسندت إليه مهمة تحديثها وتطويرها والإشراف العام على تحريرها. وعشرات من الصحف والمجلات الأدبية الأخرى في الوطن والمهاجر.

مصطفى عبدالله يعد من أنصار الاتجاه الفكري المعتدل، الذي يجمع بين الأصالة والمعاصرة؛ فلقد آمن بالفكر الغربي واعتبره مثلًا يحتذى به، ولكنه التفت إلى مواطن القوة في الماضي العربي والإسلامي

وقد أثنى الدكتور يوسف نوفل على منهج الرسالة وعلى أسلوب الباحثة، وطالبها بنشرها في كتاب بعد إضافة صفحات عن مصطفى عبدالله كمرجع فيما أسماه "علم الرجال"، بما لديه من مخزون من المعلومات والذكريات عن رموز الثقافة العربية التي جاورها، وتعرف عليها عن قرب خلال  أسفاره معها في مئات المناسبات الثقافية الدولية.
وإذا كان الدكتور نوفل طالب الباحثة بضرورة إعادة ترتيب مصادر الرسالة ومراجعها وفق الترتيب الأبجدي والضبط الببليوجرافي المتبع في الدراسات العربية، فإن الدكتورة سحر شريف، الأستاذة بقسم اللغة العربية ووكيل كلية آداب الإسكندرية، طالبت الباحثة بجعل عنوان أطروحتها مباشرة "المقال الأدبي عند مصطفى عبدالله"، وتكثيف الأجزاء النظرية التي تنصب على نشأة المقال الأدبي؛ لغة واصطلاحًا، وتطور فن المقال. كما طالبتها بتغيير كلمة "المحور" بالمبحث. وكذلك حذف الإشارة إلى كتاب محمد عوض محمد "مقالات عن فن المقالة الأدبية" على اعتبار أنه مرجع مدرسي لا جديد فيه.
كما علقت على استخدام الباحثة لتعبير "الخيال الخلاق" باعتبارها ضرورة من الضرورات التي يجب توافرها في المقال الأدبي، وأوضحت الدكتورة سحر أن "الخبال الخلاق" يناسب الإبداع الشعري أو القصصي أكثر من كتابة المقال الأدبي أو النقدي.
لكن هذ لم يمنع الدكتورة سحر شريف أن تصف هذه الأطروحة بالعمل القيم البكر لأن موضوعها لم يُبحث من قبل في الجامعات المصرية، كما ذكرت أن خطة البحث محكمة وهذا يحسب للمشرف الدكتور فوزي عيسى، وقد اتضحت شخصية الباحثة في تنايا العمل. 
وقد خلصت الباحثة من خلال أطروحتها إلى عدة نتائج وعدد من التوصيات منها:
أن مصطفى عبدالله يعد من أنصار الاتجاه الفكري المعتدل، الذي يجمع بين الأصالة والمعاصرة؛ فلقد آمن بالفكر الغربي واعتبره مثلًا يحتذى به، ولكنه التفت إلى مواطن القوة في الماضي العربي والإسلامي، وبذلك جمع بين الثقافتين العربية والغربية، مما ظهر جليًّا في مقالاته. 
- ولعل أكثر ما يميزه أنه لا يسند إليه عمل من الأعمال، إلا ميز نفسه فيه، ونظر إليه بعين المصلح، الذي يحاول جهد طاقته أن يستخرج منه أكبر قدر ممكن من النفع للناس. فما اتصل بعمل من الأعمال إلا ونفخ فيه روحًا قويًّا، وأدخل عليه إضافة جديدة قيمة، فلقد كان معينًا لا ينضب من التجديد والابتكار، ومن ورائه عزيمة قوية لا تعرف التردد.
- أدى مصطفى عبدالله ما عليه من واجب لوطنه العربي، ولبلده، كما أنه ما زال يؤدي بمؤلفاته ومقالاته، وما بها من أفكار وآراء وقضايا، الواجب نفسه حتى الآن فلقد استطاع أن ينير الطريق الثقافي للأجيال التي جاءت بعده من خلال هذه المؤلفات والمقالات الأدبية المتنوعة؛ لتبني على مجهوداته، ولتكمل المسيرة.
- حرصه التام على استقلاله الفكري؛ فهو حر الفكر إلى أبعد حدود الحرية، لا يقول إلا ما يعتقد، ولا يحفل إلا بالحق، لا يهمه مصانعة ذوي السلطان، أو تملق الجماهير.
- نقل مصطفى عبدالله التراث العربي وأدبه، الذي كان يظن أنه مادة للتدريس، في المدارس والكتب الخاصة، إلى جماهير جديدة، فأصبح يقرأ في الصحف اليومية، وفي المجلات. وقدم التراث بروح جديدة.
 - له أسلوبه وطابعه المميز، وجاذبيته القوية. تقرأه فلا تروعك منه الصور البيانية، وإنما تروعك المعاني المبتكرة الطريفة، والآراء الجريئة، والشخصية القوية المهيمنة.
- تشهد مؤلفاته – جميعًا – بما يوليه من اهتمام بالقضايا العامة، التي أثيرت في عصره، حتى مقالاته التي تناولت قضايا بالغة الحيوية تتصل بأمور البحث العلمي، كانت لا تخلو من إشارات تكشف عن آرائه المبنية على سعة ثقافته ودرايته بالموضوع المتخصص الذي يكتب فيه، أو وجهة نظره الخاصة في هذه القضايا.

- كانت مقالاته الاجتماعية انعكاسًا لمجتمعه، أو بمعنى آخر انعكاسًا للمشكلات والقضايا، التي كانت سائدة في مجتمعه.
- اتخذ في مقالاته المتصلة بالترجمة الغيرية أسلوبًا سلسلًا تركز على موضع نبوغ من ترجم له، ليجعل منه قدوة تصلح القراء وتوجههم.
- مكمن نبوغ مصطفى عبدالله يبدو في التجديد والابتكار، الشمول، والاستقلال وبالتالي في تفرد ما ينشره. وقد حفر دربه في مسالك الفكر والإبداع، بكثير من الجهد والإخلاص، حتى وصل إلى ما وصل إليه، إذ سخَّر قلمه لخدمة مجتمعه، وصار أحد أعمدة النهضة الفكرية الحديثة، وعلمًا من أعلامها في وطننا العربي.
- يدرك القارئ المدقق لمقالاته بغير عناء أن هناك ترابطًا وثيقًا بين أجزاء المقال كله، مما يحقق الوحدة الموضوعية تحقيقًا مثاليًّا وثيقًا بين أجزائه. 
- شملت مضامين مقالاته اتجاهات عدة منها: الاتجاه القومي، والوطني، والأدبي والاجتماعي، وقد استطاع أن يعرض الأحداث الثقافية التي مرت بها تلك الفترة (1970 حتى الآن) شعرًا ونثرًا وإصدارات جديدة وحملات ثقافية، ومن ثم يعد ما نشره تأريخًا لتلك الفترة لما شهدته من انتصارات وانتكاسات هزت كيان الأمة العربية، وكانت مضامين بعض موضوعاته تتناول القضايا الإنسانية والأخلاقية، وكذلك الاتجاه التأملي والغزلي عند الشعراء والرواة، حيث ظهرت بوضوح من خلال عرضه لأعمالهم الأدبية.
- اعتنت الدراسة ببحث الجوانب اللغوية والأسلوبية عند مصطفى عبدالله، حيث جاءت الألفاظ والتراكيب الصحفية معبرة عن عاطفة الكاتب تجاه القضية التي يتناولها، وقد اعتمد الكاتب على استلهام التراث أحيانًا والتاريخ في سرد المقالات، ودارت الألفاظ بين السهولة والوضوح بعيدًا عن الرمز.
- استخدم في تلك المقالات ألفاظًا وتراكيب تتسم بالوضوح، وتبعد عن الغرابة والغموض والالتواء؛ ليضمن لتلك المقالات وضوح المعاني وسهولتها، حتى وإن دعاه ذلك إلى استخدام بعض التعبيرات والألفاظ العامية، زيادة في الإفهام والوضوح للقارئ العادي.
- استعان في مقالاته، على توضيح فكرته وتقريرها في ذهن القارئ، بالإكثار من النصوص، والاستشهادات المتنوعة، التي تدل على ثقافة واسعة.
- استخدم أساليب العربية التي تناسب القارئ العام، بعيدًا عن الزخرف والألفاظ القديمة، التي تصعب على القارئ، وبذلك يمكن القول: إن مصطفى عبدالله هو أحد المسهمين في صناعة لغة الصحافة على امتداد قرابة نصف قرن.
- كانت محسناته البديعية، في كل مقالاته بعيدة عن التكلف والصنعة اللفظية، مما يجعلها أشبه بالنثر المرسل الذي يكاد يخلو من الصنعة.
- ومن ناحية نقد الرواية كتب عن مجموعة ليست بالقليلة من الإصدارات في الرواية، وبشر بموهية العديد من الروائيين مثل ناصر عراق الذي كان السبب في نشر روايانه ذائعة الصيت "العاطل" لدى الدار المصرية اللبنانية، وسرعان ما وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر للرواية العربية، كما فازت روايته "الأزبكية" الصادرة عن الدار ذااتها بالمركز الأول لجائزة كتارا، وشريف مليكة الذي بشر به في روايته "مريم والرجال" كما كتب مقدمة مجموعته القصصية "سحر الحياة" الصادرة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب وأشرف الخمايسي الذي أفرد له كتابًا بأكمله بعنولن "هدير السرد.. الخمايسي في السبنسة" الذي صدر في العام 2014 عن دار الصدى في دبي، وجاءت آراؤه متميزة فيهم جميعًا؛ إذ لم تجد الباحثة أية مبالغة فيما كتبه عن أي مدع فيهم.
ولأن كتابات مصطفى عبدالله وغيره من كتّاب عصره أوضحت العلاقة الوطيدة بين الإعلام والأدب، لذلك فإن الباحثة أوصت بدراسة طبيعة العلاقة بين الإعلام والأدب في الماضي، وما آلت إليه هذه العلاقة من تدهور في ظل الثورة الرقمية، وما يجب أن تكون عليه هذه العلاقة في المستقبل القرييب.
بقي القول إن هذه المناقشة حضرها لفيف من  مبدعي الإسكندرية ومنهم: الدكتور محمد رفيق خليل، رئيس مجلس إدارة أتيليه الإسكندرية، والدكتور أبو الحسن سلَّام، والدكتور عبدالله سرور، والدكتور شريف عابدين، والروائي الشاعر أحمد فضل شبلول، والشاعر جابر بسيوني، والأديب محمد عبدالوارث، والكاتب رشاد بلال، والدكتورة ولاء عبدالمتجلي، والدكتور محمود  الشهاوي، تحية منهم للكاتب الذي أصبح جزءًا من تاريخ الإسكندرية الأدبي من فرط ما قدم للثغر من عطاء أثمر الكثير.