'مقهى طاقة الأدغال الفلبينية العظمى': رواية لم يكن من الممكن أن يكتبها إلا شاعر

الشاعر والروائي ألفريد كريب يوسون يسافر بين طيات التاريخ الفلبيني في حوالي مئة عام بين ثورتين، ويحول الشخصيات الواقعية إلى أبطال أسطوريين يتسمون بطابع كوميدي.

يأخذنا الشاعر والروائي الفلبيني ألفريد ـ كريب ـ يوسون في هذه الرواية الساحرة "مقهى طاقة الأدغال الفلبينية العظمى" في جولة فاتنة مع التاريخ الفلبيني في حوالي مائة عام بين ثورتين، ويحول شخصيات التاريخ الواقعية إلى أبطال أسطوريين وكذلك إلى شخصيات كوميدية ينزع عنها جلالها بقسوة وبراعة في الوقت نفسه، ويقوم باستدعاء هائل للتراث الأسطوري الفلبيني وتراث الألعاب والطعام والتاريخ الأدبي والثقافي للفلبين بشخصياته الفاعلة والمؤثرة. كل هذا في رواية محكمة زاخرة بالأساليب: الواقعية السحرية على الطريقة الآسيوية، وتيار الوعي، والوثائقية.. على سبيل المثال لا الحصر. وفي لغة تتراوح بين التقريرية والشعرية وتضج بالألعاب والكوميديا.
 وكما يقول أحد النقاد: "هذه الرواية قصيدة، هذه رواية لم يكن ليكتبها إلا شاعر... وإذا لم تكن هي الرواية الفلبينية العظيمة التي كنا ننتظرها، فهي بالتأكيد الرواية الفلبينية الكوميدية العظيمة".

إن الطريقة الوحيدة لقراءة هذه الرواية هي الاستماع إليها. لأنها عمل موسيقي. علاوة على ذلك، هي رواية سحرية، بكل معنى الكلمة 

الرواية التي ترجمها عبدالرحيم يوسف وصدرت عن دار صفصافة، صحبتها مقدمتان الأولى لنيك خواكين الناقد بمجلة "صانداي إنكوايرير"والأخرى للناقد فرانشيسكو آرتشيلانا.. ويستفتح خواكين مقدمته منبها القارئ قائلا "إذا كنتَ مغامرا كقارئ وراغبا في استكشاف أرض مجهولة، فكل ما نطلب منك أن تضعه في ذهنك هو أن الرواية بحكم الكلمة الإنكليزية: novel ملزمة بأن تكون جديدة وعصرية ومبتكرة. وكما يمكنك الحدس من عنوانها، فإن مقهى طاقة الأدغال الفلبينية العظمى هي عمل طليعي تجريبي وستربكك إذا كنت تصر على السرد كما تقدمه القصص المصورة أو السينما المحلية في أطباق للناس. لكنك إذا لم تقرأها من أجل السرد بل قرأتها كقصيدة، فسوف تنتقل من سطر إلى آخر بوعي متزايد بأنك تستمتع بكل سطر كخبرة منفصلة.إن مقهى طاقة الأدغال هي الرواية الأولى لألفريد يوسون، الذي يدعوه الجميع كريب دون أي سبب يمكن لأي أحد أن يتذكره ـ إلا إذا كان يعني أنه كشخص أبله كان شخصا كريها "كريب".  
ويضيف "فازت هذه الرواية الأولى لكريب بالجائزة الكبرى للرواية ضمن جوائز بالانكا لهذا العام. وقد كتب هذا العمل بمنحة من المركز الثقافي ويقول إنه في سبيله إلى النشر قريبا.لقد قرأنا مقهى طاقة الأدغال كمخطوط ونجدها خشنة ووقحة وهذيانية وفاتنة. وندرك مرة أخرى من البداية كم كانوا مخطئين هؤلاء الناس الذين قالوا إن جويس قد أخذ الرواية إلى أبعد ما يمكنها أن تذهب وبالتالي فإن روايته "عوليس" هي نهاية الأرب. لكن كم من أشياء كثيرة جديدة صارت عليها الرواية منذ ذلك الوقت – وكريب هنا يجمع كل هذه البِدَع.
ويلفت خواكين إلى أن لدى ألفريد ـ كريب "الكثير من تيار الوعي مستمد من جويس لكنه مصاغ بجنون أكبر. ثمة تشويشات حمقاء للزمن والتسلسل لكنها أكثر حمقا مما كان يجربه ألدوس هكسلي وفيرجينيا وولف. وثمة لعب مدوخ بالكلمات واستخدام للقطات المقربة والتلاشي التدريجي واللقطات الطويلة والحيل الأخرى المسروقة من السينما. وهناك أيضا تلك الطريقة الخاصة بروائي الخيال العلمي الأميركي إي. إل. دكتورو والخاصة بخلط الأشخاص الحقيقيين والشخصيات الروائية التي تجعل رواية كريب هذه رواية ممتعة جدا عن الحياة الحقيقية بواجهة خيالية.لكن القارئ الذي يخوض عبر هذه الفوضى من العجائب قد يصرخ: "لكن ماذا يعني كل هذا؟" ويمكن للمرء أن يتهرب من هذا السؤال بأن يعلن ببساطة أن هذه الرواية قصيدة وأن "القصيدة لا ينبغي أن تعني بل أن تكون." ومع ذلك فلا حاجة لمثل هذا التهرب، لأن رواية كريب تحقق معنى على مسارها الخاص.

 ألفريد كريب يوسون
يكتب بالإنكليزية أغلب أعماله

ويرى في العالم الذي تخلق الرواية، كل شيء يحدث تحت ضوء الأبدية "لذلك تحدث ثورة عام 1896 جنبا إلى جنب المظاهرات ضد ماركوس في ثمانينيات القرن العشرين، وقطع الطرق في الأرياف النائية في زمن الحرس المدني. وتستدعي المشاهد البيسايانية في زمن الإسبان ورش الكتابة الصيفية في جامعة سيليمان خلال ستينيات القرن العشرين، ويتزامن مسار حياة ليون كيلات مع كتابة سيناريو قائم عليها. هذا البطل الذي يصبح حافظا لغرفة المقدسات في كنيسة، والذي يصبح بائعا لماكينات خياطة سنجر، والذي يصبح مؤديا في سيرك، والذي يصبح ثوريا، هو مجاز صالح للإنسان الفلبيني كأي مجاز آخر. لكنه ليس بطل هذه القصيدة. البطل هنا هو العقل، الذاكرة، التي تنتقل إلى الخلف وإلى الأمام عبر السرد. في هذا العقل، يكون ريزال معاصرا لخوسيه جارثيا ﭬيلا، ويكون ليون كيلات معاصرا لمركز مانيلا السينمائي، والأميرة أوردوخا معاصرة لإيمان لاكابا. هذا العقل هو هويتنا. ليس هذا الجزء أو ذاك، بل كل الأجزاء معا. نحن مجموع تناقضاتنا وانفصالاتنا ومفارقاتنا التاريخية".
ويوضح خواكين أن هذا هو السبب في أن مكان اجتماعنا اسمه "مقهى طاقة الأدغال الفلبينية العظمى" هناك يرى كريب الملك كاسيلاج وريو آلما مجتمعين (مع جيمس دين) يستمعون إلى تيودورو فالنسيا بينما يعرج الجنرال أغينالدو نحو البار ويتصافح جنرالان آخران: ليون كيلات وكارلوس رومولو، بينما يتفرج إشميل بيرنال وجونار ميردال وخورخي آراجو وماريتا مانويل ونونوي مارسيلو وأمامهم طبق من بلح البحر المحمص، ويتحادث د. خوسيه ريزال على مائدة مع د. فرديناند بلومنتريت. كل هذا موصوف في خاتمة كيلومترية واحدة تستدعي الجملة اللانهائية التي أنهى بها جويس روايته عوليس.
إنه لعمل بطولي ذلك الذي أنجزه كريب يوسون.
لقد قال فرانتس آرتشيلانا عن مقهى طاقة الأدغال أنها "متعة للقراءة" و"متعة لإعادة القراءة" و"الرواية الرائعة". وفرانتس أستاذ يعرف ما هي الرواية.ربما يحق لنا أن نعلن بصوت عال أننا أيضا عرفنا أن كريب لديه شيء بداخله عندما اخترناه في أيام الشباب كواحد من الكُتاب الشباب الذين كنا نراهن عليهم، كما يتذكر هو جيدا. لذلك يقول: "أحب أن أفكر في أني أنتمي بطريقة ما إلى تلك المجموعة الخاصة من الاحتمالات التي وضعتم عليها آمالا كبارا في وقت ما، وأن هذا العمل أمكن له أن يكون إثباتا جزئيا لهذه الآمال". وهو بالتأكيد كذلك، يا ولد يا كريب، هو بالتأكيد كذلك!. وهو يضيف أنه سيكون مصدرا لسعادته لو أن "ملاكين جليلين ـ يقصد فرانتس وأنا ـ يقوداه إلى داخل العالم المتهدم للروائيين الفلبينيين". وهو ليس كذلك، يا ولد يا كريب، هو ليس متهدما. أو إذا كان هكذا، حسنا، فمرحى بوجودك كي تقيمه من جديد!ويؤكد الناقد فرانشيسكو آرتشيلانا أن "مقهى طاقة الأدغال الفلبينية العظمى" هي، كما يقولون، متعة للقراءة. وهي مازالت كذلك. أقرأها من الأمام إلى الخلف، أقرأها من الخلف إلى الأمام، أقرأها هنا وهناك وفي كل مكان، وأنا مازلت أقرأها. مرة أخرى، كما يقولون، تغدو أفضل مع كل إعادة قراءة، أي أنها متعة لإعادة القراءة! أنا مازلت أعيد قراءتها. وأنا هنا لا أختزل فقط "محيط الحميمية"، بل أحاول أن أرتبط به. وهذا هو الشيء الضروري الذي ينبغي أن يفعله قارئ "مقهى طاقة الأدغال الفلبينية العظمى" أن يرتبط بها. 
وأنا لا أقول إن القارئ ينبغي أن يرتبط بها بشكل كلي ـ فهذا ليس ممكنا. إذ كيف يمكن لأي قارئ أن يرتبط بشيء يحاول كاتبه، في الحقيقة، أن يرتبط به؟ وهنا، كما يقولون، تكمن الحكاية. لكن ليس ثمة من عائق يحول بين المرء وإدراك القالب، ورؤية البناء الرائع، وأن يلمس بأطراف أصابعه النسيج الكلي المخيف. وكما يقولون، هذه الرواية قصيدة، هذه رواية لم يكن من الممكن أن يكتبها إلا شاعر، وقد كتبها هذا الشاعر بالفعل. ولأن الرواية تُكتَب، ومازالت تكتب نفسها، فإن الرواية مؤلفة، مثل الموسيقى ـ فهي تُختتم بإيقاع خفيض لكنها لا تنتهي، لا بإيقاع متوتر ولا يإيقاع مهيمن. إن الطريقة الوحيدة لقراءة هذه الرواية هي الاستماع إليها. لأنها عمل موسيقي. علاوة على ذلك، هي رواية سحرية، بكل معنى الكلمة ـ هي مليئة بالسحر، عمل صاغه ساحر مشعوذ، لكنه ساحر مشعوذ حديث".
ويضيف "أقل ما يمكن قوله هو أنها نتاج لعبقرية حقيقية، وأنها ذات أصالة عظيمة – فهي تبدأ من حيث تنتهي، وتنتهي من حيث تبدأ، وتحجب وتتكشف، حتى نهاية الرواية تظل تتكشف. في الحقيقة مازالت الرواية تتكشف! كل شيء قد حدث للفلبين، وكل شيء قد حدث للفلبينيين، يحدث فيها. في الحقيقة، كل شيء يحدث للفلبين وللفلبينيين موجود فيها ومازال يحدث فيها. مقهى بالفعل ـ كابيهان"مقهى بالفلبينية": عظمى كما يليق بالعظمة، فلبينية كما كل ما هو فلبيني، أدغالها كحبل الوريد، وطاقتها طاقة أكيدة صافية حلوة بذيئة! تشتعل في خفوت، وتشتعل في سطوع".
ويشير آرتشيلانا أنه إذا لم تكن مقهى طاقة الأدغال الفلبينية العظمى هي الرواية الفلبينية العظيمة التي كنا ننتظرها، فهي من المؤكد الرواية الفلبينية الكوميدية العظيمة. على أية حال، مادتها هي المادة الخام التي ستُكتب منها الرواية الفلبينية العظيمة. هذه الرواية كوميدية بطريقة حزينة تفطر القلب، وتمتلك نوعا من الفخامة، فخامة خاصة بها وحدها، إنها مشحونة بالفخامة بطريقتها الخاصة التي لا تضاهى، فخامة الموسيقى، فخامة السحر، فخامة الشعر ـ فخامة الإله؟ الموت والتجلي والبعث! فخامة الإله الحي؟".
وألفريد (كريب) يوسونشاعر وروائي وقاص وصحفي ومحرر وكاتب سيناريو ومخرج أفلام وثائقية فلبيني من مواليد عام 1945. له ما يزيد على 30 كتابا في الشعر والرواية والمقالات وقصص الأطفال وأدب الرحلات والترجمة والسير الذاتية. يكتب بالإنكليزية أغلب أعماله ومنها روايتنا هذه. حصل على العديد من الجوائز والأوسمة في الفلبين وخارجها منها جائزة إنجاز العمر من جمعية كُتاب جنوب شرق آسيا. تُرجمت أشعاره ورواياته إلى أكثر من عشر لغات. وقام بتدريس الرواية والشعر في جامعة أتينيو دي مانيلا. مقتطف من الرواية
ليون يرتدي بنطاله (وجباله) 
إنه الفجر. ليون يضحك داخل حلمه. هناك جبال في الخارج، جبال خضراء مليئة بالأدغال خارج نومه. تُدخلها أخته سيلڤسترا، مع بنطاله.
"انظر يا ليون، ها هي الجبال. انظر كيف توشك الشمس على أن تشق طريقها بينها مثلما تفتح السوستة. انهض يا ليون، وإلا لن يقوموا بتصوير فيلم حياتك من أجلك. قَطّ."
يقبع ليون داخل الحصيرة على نحو أعمق. أختي يالها من أرملة. وحصيرتي لها رائحة المصير المبتور. لكني سأستيقظ وآخذ الجبال والبنطال، لأنهم لا بد أن يصوروا فيلم حياتي من أجلي.
كوخنا جميل، يا بيسترا، بلا إضاءة محددة على الإطلاق، يبدو أكثر بهجة واتساعا مما هو عليه بالفعل، حيث هو صغير مثل تلك الأجزاء التي يوزعونها في يوم التصوير الأخير. لو لم تكن هذه بلدية باكونج، نيجروس أوريينتال، جنوبي الفلبين في أواخر القرن التاسع عشر، لقلت إنهم كانوا يستخدمون الفازلين على العدسة كما هو الحال في التصوير الفوتوغرافي الإباحي. لكنها باكونج، محل ميلادي، مدينة صغيرة غير مميزة إلى جانب البحر على مسيرة صباح من مدينة دوماجويتي، والزمن هو أواخر القرن التاسع عشر. لون النهار بنُي داكن، مثل كل النهارات الأخرى. لذا سآخذ الجبال وأرتديها مع بنطالي، وسأحاول ألا أضحك دون توقف، يا أختي العزيزة بيسترا، يا حبيبتي المقدر لها أن تكون أرملة، وسأخطو خارجا إلى الأرض الرطبة أمام كوخنا دون ميزة الإفطار، لأني لا بد أن أساعد في تلاوة القداس مع الكاهن القشتالي الذي يسوط مؤخرتي، تلك المؤخرة البُنية المتكاسلة أبدا على القداس البُنيّ الداكن في الفجر البُنيّ الداكن.