'مكتوب' كويلو يلخص فلسفته في الحياة

الكاتب البرازيلي باولو كويلو يعتمد في كتابه على حكايات جمعَها من أماكن وثقافات مختلفة.

تفوق شهرة الكاتب البرازيلي الذي يكتب بالبرتغالية باولو كويلو في أميركا اللاتينية والعالم شهرة الكثير ممن سبقوه في قارته، يكتب عن الروحانية بشكلٍ جديد من أشكال الواقعية السحرية. كُتبه ترجمت إلى 45 لغة من لغات العالم، وتباع ملايين النسخ منها، وتحصد الكثير من الجوائز الأدبية.

عمل في عدة مجالات بالبرازيل، قبل أن يكرّس نفسه ليكون كاتبا محترفا، حيث عمل بالتمثيل، والإخراج المسرحي، وبالصحافة وكتابة الأغاني التي اتَّسم معظمها بالطابع السياسي، الأمر الذي عرَّضه للسجن ثلاث مرات.

نجح كويلو خلال مسيرته الأدبية في تقديم العديد من الأعمال الروائية التي نالت شهرة واسعة، وإقبالا كبيرا من القراء على مستوى العالم، فقدم: "أرشيف الجحيم"، ورواية "حج" التي ألفها بعد زيارته لإسبانيا وسيره على طريق الحج المقدس، وكانَت هذه الرحلة نقطة فاصلة في حياته، حيث ساعدته كثيرا في نسج أفكاره الإيمانية والروحانية، بعدها كتب رواية "بريدا"، و"مكتوب"، و"الجيل الخامس"، و"رسائل حب من رسول"، و"إحدى عشرة دقيقة"، و"ساحرة بورتوبيلو"، و"الزهير" و"هيبي" وغيرها الكثير.

وهذا الكتاب "مكتوب" الذي ترجمه وقدم له طلعت الشايب وصدر أخيرا عن مؤسسة هنداوي، يضم مجموعة من النصوص التي نشرها كويلو في صحف مختلفة، تلخص فلسفته في الحياة، وقد اعتمد فيها على الحكايات التي جمعَها من أماكن وثقافات مختلفة.

يقول الشايب: كويلو هنا يجفف اللغة إلى حدها الأدنى، ويكثفها بأقل قدر ممكن من الكلمات، لكي يمنح القارئ فرصة لإعمال الخيال والعقل والقلب. وهو في الوقت نفسه يحافظ على الرمز الشفيف الذي هو أبعدُ من كل الكلمات. في هذه المختارات تتجلى طريقته في الكتابة فنصدقه عندما يقول: إنه "يُفيض" في كتابة المسودات الأولى من العمل، حيث يكون في حالة قلقٍ دائم خشية ألا يكون قد روى الحكاية جيدًا، ثم يأتي بعد ذلك دور الحذف "فأحذف وأحذف". وبدلًا من وصف منظرٍ في الصحراء بما فيه من صخور ورمال نجده يقول "كانوا يسيرون في الصحراء". هي لغة الإشارة الأقوى من لغة التخاطب العادية، والتي يرى أنها مشتركةٌ بين جميع شعوب الأرض. وهي محلول الحكمة الذي يوزِّعه الأنبياء والمفكرون والفلاسفة في أرجاء الكون ليكون أكثر جمالًا. يقول كويلُّو "إن أعظم ما تعلمتُه في حياتي كان مصدرَه البسطاء والعاديون من الناس". ولعل معجزة هذا الساحر هي قدرته على تقديم هذه الأفكار الكبرى بلغةٍ بسيطة.

كويلو نجح خلال مسيرته الأدبية في تقديم العديد من الأعمال الروائية التي شهدت إقبالا كبيرا من القراء على مستوى العالم

نماذج من النصوص

1

بحث الغريب عن رئيس الكهنة في أحد الأديرة. "أريد أن أجعل حياتي أفضل مما هي عليه، ولكنني لا أستطيع أن أمنع نفسي من التفكير في الخطيئة".

لاحظ رئيس الكهنة أن الرياح كانت تهبُّ في الخارج قويةً ومنعشةً فقال للغريب: الجو هنا حارٌّ ومكتوم كما ترى، لماذا لا تخرج وتأتي بقطعة من الريح علها تلطِّف جو المكان؟

قال الغريب: ولكن ذلك مستحيل.

قال رئيس الكهنة: ومن المستحيل، كذلك، أن تمنع نفسك من التفكير فيما يغضب الله.. لكنك إذا عرفتَ كيف تقول "لا" للإغراء والغواية.. فلن يمسَّك ضُر.

2

قال التلميذ لمعلمه: لقد أمضيتُ معظم يومي في أشياءَ ما كان ينبغي لي أن أفكر فيها، وأرغب في أشياءَ ما كان ينبغي أن أرغب فيها.. وأرسم خططًا ما كان يجب أن أرسمها. دعا المعلم تلميذه لكي يخرج للتمشية معه في الغابة خلف منزله، وكان وهما يسيران يُشير إلى كل نباتٍ يصادفهما ويسأله عن اسمه.

قال التلميذ مرة: "هذه بيلادونا". وقال المعلم: "ومن يأكل أوراقها يموت.. ولكنها لا تقتل من يكتفي بالنظر إليها".

وهكذا فإن الرغبات السلبية لا تؤذيك إذا أنت لم تسمح لها بإغوائك!".

3

دنا التلميذ من معلمه ليسأله: أبحثُ عن الاستنارة الروحية منذ سنوات وأشعُر بأنني قد اقتربتُ منها، ليتَكَ تدلُّني على الخطوة التالية يا سيدي!

سأله المعلم: كيف تُعيل نفسك؟

قال التلميذ: لم أتعلم ذلك بعدُ. أبي يكفُلني، ولكن ذلك ليس مهمًّا.

قال المعلم: الخطوة التالية هي أن تنظر إلى الشمس نصف دقيقة. ونفَّذ التلميذ وصية معلِّمه الذي طلب منه بعد انقضاء نصف الدقيقة أن يصف له الحقل الذي كانا يقفان فيه.

قال التلميذ: ولكنني لا أستطيع؛ فقد أرهقَت الشمس عيني.

قال المعلم: من يبحث عن الضوء ويتهرب من تبعاته لا يمكنه أن يجد الاستنارة. ومن يحدِّق في الشمس ويظل على حاله لن يصيبه في النهاية سوى العمى.

4

كان الرجل يجول في الوادي عندما التقى بالراعي العجوز. اقتسم معه طعامه، وجلسا طويلًا يتحدثان عن هموم الحياة.

قال الرجل: من يؤمن بالله عليه أن يعترف بأنه ليس حرًّا؛ لأن الله هو الذي يحكُم كل خطواته.

لم يرُدَّ عليه الراعي، ولكنه اقتاده إلى وهدٍ شديد الانحدار، حيث كان يمكن الاستماع بوضوح إلى صدى أي صوتٍ مهما كان ضعيفًا.

قال الراعي: الحياة هي هذه الجدران، والقدَر هو الصوت الذي يصدُر عن أيٍّ منا. وما يصدر عنا يرتفع إلى قلبه لكي يعود إلينا على الشكل نفسه. إن الله صدى أفعالنا يا بُني!

6

بين فرنسا وإسبانيا تُوجد سلسلة من الجبال. في الجبال قريةٌ تُسمَّى أرجيلس. في القرية تلٌّ يؤدي إلى الوادي. كل مساء، يصعد الرجل العجوز التل، وينزل. عندما ذهب المسافر إلى أرجيلس لأول مرة، لم يكن يعرف ذلك. وفي زيارته الثانية لاحظ أنه لأول مرة، لم يكن يعرف ذلك. وفي زيارته الثانية لاحظ أنه يلتقي في طريقه بالرجل العجوز نفسه. وفي كل مرة بعد ذلك كان يراقبه عن كثب … ثيابه … قبعته … عصاه … نظارته.

والآن، عندما يتذكَّر تلك القرية يتذكَّر الرجل الذي كلَّمه مرةً واحدة فقط وسأله مازحًا: "هل تعتقد أن الله يعيش في هذه الجبال المحيطة بنا يا أبي؟".

قال الرجل: "إن الله يعيش في الأماكن التي يسمحون له بدخولها يا بُني!".

7

اجتمع المعلم ذات ليلةٍ بتلاميذه، وطلب منهم أن يوقدوا نارًا، يجلسون حولها يتسامرون.

"طريق الروح يشبه هذه النار أمامنا. ومن يريدُ أن يُوقِد نارًا عليه أن يتحمَّل دخانها الذي يجعل العين تدمع والتنفُّس صعبًا. هكذا يُعيد المرء اكتشاف إيمانه؛ إذ بمجرد أن تتأجج النار، يختفي الدخان، ويضيء نورها أرجاء المكان جالبًا معه الحرارة والسكينة".

سأل تلميذ: "وماذا لو أشعل النار له شخصٌ آخر … وماذا لو ساعدنا غيره على تجنُّب الدخان؟".

قال المعلم: "من يفعل ذلك زائف؛ فهو يستطيع أن يحمل النار إلى حيث يريد وأن يطفئها عندما يريد. ولأنه لم يعلِّم أحدًا كيف يشعل النار لنفسه، فمن المحتمل أن يترك الجميع في الظلام!".

7

خرج الرجل بحثًا عن راهب كان يعيش بالقرب من الدير … بعد تَجوالٍ في الصحراء وجدَه. "أريد أن أعرف الخطوة الأولى التي يجب أن يبدأ بها طريق الإيمان".

أخذه الراهب إلى بئرٍ صغيرة، وطلب منه أن ينظر إلى خياله في الماء. حاول الرجل، ولكن الراهب كان يلقي بالحصى في الماء فيهتز.

قال الرجل: "لا أستطيع أن أرى وجهي وأنت تُلقي بالحصى في الماء هكذا".

قال الراهب: "مثلما هو مستحيل أن يرى المرء وجهه في مياهٍ مضطربة، من المستحيل أن تبحث عن الله عندما يكون عقلك مضطربًا بسبب البحث. هذه هي الخطوة الأولى".

8

استُدعي الناسك العجوز للمثول أمام ملك الزمان الذي قال له: "إنني أحسُد رجل الدين الذي يقنع بالقليل الذي لديه، مثلك أيها الناسك". قال الناسك: "بل أنا الذي أحسدك يا مولاي؛ لأنك قانع بما هو أقل مما لديَّ".

قال الناسك: "هذا صحيح يا مولاي، ولكنني أملك موسيقى الأكوان والجبال والأنهار في العالم كله... والشمس والقمر... لأن الله في قلبي... بينما مولاي يملك هذه البلاد فقط".