ملتقى القاهرة للإبداع للروائي يعيد الاعتبار للبعد التخييلي للصورة

رشا ناصر العلي تؤكد على قيمة الغلاف في الرواية الذي يقدم علامة أيقونية قد تكون صورة فوتوغرافية، وقد تكون لوحة فنية، وقد تكون رسوما تجريدية.
نبيل حداد يلاحظ ظهور أعمال روائية بشكل أقرب إلى السيناريو منه إلى ما ألفناه في الشكل الجوهري للرواية
هناء علي البواب ترى أن مجموعة من روايات نجيب محفوظ هي الأنموذج الأسبق للحديث عن فكرة الصورة والتشكيل في الرواية
يسري عبدالله: الرواية تنفتح على جملة من الاقتراحات السردية المختلفة التي لا تبقيها في خانة واحدة، ولا تطرح صيغة أحادية لها

ترى الباحثة رشا ناصر العلي أن كثيرا من القراء يقدمون على قراءة النصوص الروائية دون أن يلفتهم الشيء الأول فيها، وتعني بذلك "غلاف الرواية"، وقالت: عندما أدعو القارئ إلى أن يوجه نظره إلى الغلاف، فإني أهدف أن أيسر له القراءة، لأن الغلاف يمثل مرحلة تمهيدية أسميها مرحلة "ما قبل النص"، ومن أوليات هذه المرحلة "الغلاف".
وتتساءل في البحث الذي يحمل عنوان "قراءة لوحة الغلاف الروائي من البصرية إلى الدلالية" - وشاركت به في ملتقى القاهرة الدولي السابع للإبداع الروائي "الرواية في عصر المعلومات" – ما أهمية الغلاف؟
وتجيب بأن الغلاف في مرجعيته المعجمية هو "الغطاء الذي يحتوي أشياء مادية ومعنوية"، وهو في الرواية يقدم "علامة أيقونية" قد تكون صورة فوتوغرافية، وقد تكون لوحة فنية، وقد تكون رسوما تجريدية تخفي أكثر مما تظهر، وقد يكون الغلاف فراغا طباعيا ذا لون معين.
وتوضح العلي – في الجلسة التي رأسها د. محمود الضبع - أن كل هذه المكونات تحمل شحنة دلالية تثير القارئ، وتلفته إلى بعض ما سوف يواجهه في النص ذاته، وبخاصة عندما يتحول الغلاف إلى تشكيل لوني ذي طبيعة درامية بفاعلية تصادم هذه الألوان بعضها مع بعض من ناحية، ثم تصادمها أو توافقها مع التشكيلات المرسومة أو المصوّرة من ناحية أخرى، وما بينها من توافق أو تصادم، شريطة أن تستعيد القراءة للغلاف حالته الطبيعية التي كان عليها قبل عملية التفكيك، إذ ليس من المقبول أن تظل هذه المكونات مبعثرة في عملية القراءة.

يسري عبدالله يرى أن الواقع المتغير بطبيعته، والمنفتح بدوره على جملة من التحولات السياسية والثقافية، يستلزم تحولا في آليات التعبير الجمالي عنه

وعلى ذلك تقارب رشا ناصر العلي مجموعة من الأغلفة الروائية، ومن ثم ستتعاون حاسة البصر مع الإدراك الذهني في قراءة هذه الأغلفة وربطها بدلالات النصوص. وتبدأ بغلاف رواية "الرواية المستحيلة / فسيفساء دمشقية" لغادة السمان، وهو من اختيار الكاتبة نفسها، حيث يظهر عنتر يمتطي حصانه شاهرا سيفه للدفاع عن الأنثى التي تجلس خلفه، وهو يبدو عليه ملامح الثقة والقوة، وهي يبدو عليها الضعف مما يتطلب منها البحث عن الحماية الذكورية. واللوحة للفنان اللبناني رفيق شرف.
ثم تقدم لنا العلي غلاف رواية "بروكلين هايتس" للروائية المصرية ميرال الطحاوي، وهو يكاد يكون تلخيصا للنص، وهي تؤكد أن الفنان صاحب الغلاف قرأ مسودة الرواية ثم عمل على غلافها. كما تقدم لنا الباحثة غلافا آخر لرواية الكاتب السعودي يحيى امقاسم وهي بعنوان "ساق الغراب" والغلاف يحمل صورة فوتوغرافية لجبال السروات في غرب السعودية، وهي بذلك تختلف عن اللوحتين السابقتين في مدلولها.
أما الباحث المصري عمر شهريار فيتحدث عن "دوال بلا مدلول: الواقع الفائق والواقع الميت في رواية ما بعد الحداثة"، موضحا أن الصورة تمكنت من إزاحة الواقع تماما، لتحتل موضعه، فبعد أن كانت الصورة في فترات سابقة تحاكي الواقع، ثم تسخر منه أو تنقده في فترات أخرى، تمكنت في هذا العصر العولمي من إزاحته تماما، لتصبح هي الواقع والحقيقة، وأي إحالة للواقع الخارجي الحقيقي هي إحالة لشيء ميت، فقد مات الواقع، وأصبحت صورته على الشاشات هي الواقع المهيمن.
وعلى ذلك تستفيد دراسة شهريار من أفكار وأطروحات ما بعد الحداثة التي تعطي المكانة كلها للدال الذي أصبح في حالة من اللعب الحر، دون أدنى اعتبار للمدلول، فالمدلول تم حجبه وإزاحته وقتله، وجرى الاكتفاء بالدال الذي أصبح له دلالة له خارج وجوده هو، فقد أصبح هو مرجع ذاته، بل أصبح مرجعا للواقع الخارجي نفسه، وبالطبع تستفيد الدراسة بشكل خاص من أطروحات وأفكار المنظِّر وعالم الاجتماع الفرنسي جان بوديار، أحد أبرز منظري ما بعد الحداثة، عن الميديا بوصفها "واقعا فائقا" أو دوال، وعن الواقع الحقيقي بوصفه "واقعا ميتا" أو مدلولا محجوبا ومبعدا.
ويطبق شهريار هذه الأطروحات على بعض روايات الشباب التي صدرت في السنوات العشر الأخيرة مثل: "ألف جناح للعالم" لمحمد الفخراني، و"الضحك" و"اللعب" لصبحي شحاته، و"سيرة سيد الباشا" لأحمد الفخراني، و"أنا العالم" لهاني عبدالمريد.
ويقدم الناقد اللبناني نبيل حداد دراسة بعنوان "المونتاج راويا: دراسة في وسائل التعبير السينمائي في رواية اكابيلا" وقد لاحظ حداد ظهور أعمال روائية بشكل أقرب إلى السيناريو منه إلى ما ألفناه في الشكل الجوهري للرواية، وهو ما قاده إلى محاولة إجمال التقنيات التي أخذت عديد من الروائيين باتباعها مستفيدين من أدوات التعبير السينمائي مثل: تقنيات البناء، حيث يأخذ العمل الروائي شكل السيناريو، وظاهرة التزامن في السعي لإنجاز خطين سرديين في وقت "فني" واحد، والعناية بالعناصر السمعية والبصرية، والسرد بالأشياء، أو بالديكورات والأكسسورات، وتقنية اللقطات بين القريب أو المتوسط، أو البعيد، وهو ما يعادل في الرواية تقنية التبطيء للتفصيلات والتسريع للزمن الخامل، والمونتاج أي التقطيع بين المشاهد سينمائيا، وهنا يقوم المونتاج مقام الراوي، ويتخذ أحد أشكاله أو أكثر، وعند هذه التقنية يتوقف حداد مع رواية "أكابيلا" لمي التلمساني.

وعن "الرواية في عصر الصورة، نجيب محفوظ أنموذجا"، تقدم الباحثة هناء علي البواب مشاركتها في الملتقى، حيث ترى أن مجموعة من روايات محفوظ هي الأنموذج الأسبق للحديث عن فكرة الصورة والتشكيل في الرواية، ثم تحويل الصورة المقروءة إلى مشهد بصري تكنيكي في عصر ترجمت رواياته إلى شاشة مرئية يتابعها العالم، وذلك في وقت مارس فيه كثير من الروائيين كتابة السيناريو إلى جانب كتابة الرواية.
وتوضح البواب أن الصورة الروائية ليست تكوينا متحققا خارج بنية النص ومكوناته، بما فيه البنية الذهنية، بل هي وجود ممتزج عضويا بالفقرة والمشهد والمقطوعة والحوار والحوداث والفضاء والشخصية والموضوع، بالإضافة إلى الحديث عن إعادة الاعتبار إلى البعد التخييلي للصورة في الرواية والقصة باعتبارها جزءا من المتخيل الإنساني على وجه العموم، ومتخيل الإنسان العربي على وجه التخصيص، ولونا من التفكير وإدراك الواقع، لا يقل أهمية عن التفكير المنطقي والإدراك العقلي الموضوعي.
وتناقش هناء البواب فكرة الفرق بين الصورة الروائية والصورة الفيلمية التي تقوم على الفضاء التعبيري السمعي والبصري، وما يحمله من أدوات: النص، الصوت، الحركة، الديكور، المونتاج.
وتوضح أن الصورة الفلمية تدفعنا إلى تفسير الحياة (الكون والطبيعة) بالفكر والتأويل، والإنسان يقف قبالة الصورة مقيما علاقة بصرية معها، ليتفاعل مع رموزها ومادتها، وما توحي به من خير وحق وجمال، وما يعتري نفسه من قلق وصراعات وآمال، ولكنها مستوحاة من فكرة عميقة وهي الصورة الروائية.
وتتخذ الباحثة أنموذجا أسمى لفكرتها من خلال روايات نجيب محفوظ التي تحولت إلى مشاهد بصرية مرئية والفرق بينها وبين اللوحة المقروءة. وتختم البواب بحثها أو دراستها بنتيجة متوقعة وهي أن النقد الروائي العربي بصفة عامة لم يلتفت إلى الصورة الروائية بشكل منهجي دقيق، بل كان يحاكم النصوص الإبداعية الروائية والقصصية في ضوء مقاربات مرجعية وأيديولوجية، أو يفككها في ضوء مقاربات بنيوية وسيميائية نصية، لذلك أغفل جمالية الصورة الروائية وفنيتها في النصوص الإبداعية.
ومن هنا ننتقل إلى بحث الناقد د. يسري عبدالله عن "جدل البصري والجمالي في الرواية الجديدة"، حيث يرى أن الرواية تنفتح على جملة من الاقتراحات السردية المختلفة التي لا تبقيها في خانة واحدة، ولا تطرح صيغة أحادية لها، بل إنها تبرز بوصفها مجلى لعشرات التصورات عن العالم، والصيغ الجمالية والبنائية المتعددة، فالرواية ابنة التنوع والاختلاف، وترميز دال على ذلك المنطق الديمقراطي للكتابة.
ويوضح عبدالله أن العلاقة بين الرواية والواقع ذات طابع جدلي، ولذا فإن الرواية تبدو في تجلٍّ من تجلياتها إدراكا جماليا للواقع، ومحاولة لاكتناه الداخل الثري فيه، ولذا فإن الروائي يتعاطى مع الواقع بوصفه مادة خاما تحمل من الاتساع والتنوع ما في الواقع ذاته من خصوبة واختلاف، ومن ثم فهو يختار منه ما يشاء، وفقا لمنحى الاختيار؛ المنحى الأصيل في عملية الكتابة، ثم يعيد تشكيل هذه المفردات وتطويعها وفقا لرؤيته للعالم.
ويشير يسري عبدالله إلى أن الواقع المتغير بطبيعته، والمنفتح بدوره على جملة من التحولات السياسية والثقافية، يستلزم تحولا في آليات التعبير الجمالي عنه، وقد شهدت الرواية الجديدة توظيفا دالا للوسائط البصرية بتنويعاتها المختلفة في متن النص السردي، حيث صار جدل البصري والجمالي أحد الملامح المركزية داخلها، حيث تهيمن مخيلة الصورة، سواء ألعاب الفيديو جيم، والسينما، والجرافيك، ووسائط بصرية وجمالية أخرى. ومن هنا تسعى الدراسة لاستجلاء جدل البصري والجمالي في النص الروائي عبير نماذج مختارة تعد تمثيلا نوعيا لتلك الظاهرة.