منَي بونعامة يرصد صورة الشارقة والجزيرة العربية في كتابات بلجريف

كتاب جديد لمدير التحرير مجلة 'مراود' منَي بونعامة يسلط الضوء على رحلة البريطاني وليم بلجريف وما قدمه من معلومات زاخرة عن الحياة في صحراء الجزيرة العربية وبالتحديد عن مناخ ومعالم وتراث إمارة الشارقة وثقافة أهلها.
الكتاب يتطرق الى معالم العمارة الدفاعية والدينية والمدنية والتجارية في الشارقة
الكتاب يصف الأجواء والأزياء والمفردات العامية المستخدمة في الشارقة
مؤلف الكتاب يتحدّث عن أبرز الانتقادات الموجهة لرحلة بلجريف

كتاب "الشارقة في كتابات الرحَالة البريطاني وليم بلجريف" هو أحدث مؤلفات الباحث الدكتور منَي بونعامة، والذي صدر في طبعة أنيقة عن معهد الشارقة للتراث في الامارات.
ويتناول الكتاب، الذي قدَم له الدكتور حمد بن صراي– أستاذ التاريخ القديم بجامعة الإمارات -بالوصف والتحليل مجموعة من المحطات المهمة في تاريخ إمارة الشارقة، التي جذت بتاريخها، وتراثها، الكثير من الرحالة والمستشرقين والكتاب والباحثين، الذين وجدوا في الشارقة المصدر الذي ينهلون منه ويبحثون عنه من مادة تاريخية وتراثية ثرية وغنية.
وفي حديثه عن كتابه الجديد، يقول الدكتور منَي بونعامة – الذي يعمل مديرا لإدارة المحتوى والنشر بمعهد الشارقة للتراث.. ومدير التحرير مجلة "مراود" التي يصدرها المعهد وتهتم بالتراث الاماراتي والعربي والعالمي - ان أهمية " رحلة وسط الجزيرة العربية وشرقها " للرحالة البريطاني وليم بلجريف، تكمن فيما حوته من معلومات زاخرة عن الحياة في صحراء الجزيرة العربية، ومشاهدات وانطباعات الرحالة عن المنطقة، كما تتجلى قيمة الرحلة وهذا ما يهمنا هنا أكثر من غيره، في المعلومات التي أوردها الرحالة عن ساحل عمان، وإمارة الشارقة على وجه التحديد، حيث اشتملت على وصف مدينة الشارقة القديمة، وموقعها، ومناخها،وبيوتها، ومعالمها، وصروحها، وأسواقها، وأعلامها، وشخصياتها، وثقافة أهلها، وعاداتهم وتقاليدهم، وملابسهم، وطرائق عيشهم، ومختلف أحوالهم، من خلال مشاهداته، وتمثُله للمكان، وثقافته العربية الأصيلة، كما وصف الشارقة، بكونها مركزا تجاريا، في القرن التاسع عشر.
ويشير بونعامة إلى أن دراسته التي تضمنها كتابه الجديد، جاءت بهدف الوقوف على أهمية هذه الرحلة، ومعرفة مدى امكان اعتبارها مصدرا تاريخيا يُوثق به، ويُعتمد عليه، ورصد تجليات صورة الشارقة ومدنها، وأبرز محطات الرحالة فيها، حيث حط رحاله فيها عام 1863 ميلادية.

يعرض حياة الرحالة بما فيها من تنقلات وانتكاسات ونجاحات
الكتاب يعرض حياة الرحالة بما فيها من تنقلات وانتكاسات ونجاحات

وفي تقديمه للكتاب الصادر عن معهد الشارقة للتراث، قال الدكتور حمد بن صراي: "ان الباحث المُجد.. والصديق العزيز منَي بونعامة، نجح في إفراد مصنف مستقل يتناول موضوع الشارقة في كتابات الرحالة البريطاني وليم بلجريف".
وتابع أن "هذا الكتاب القيم "يتناول الرحلة والارتحال بمعناهما العام، وبما فيهما من فوائد، ومشارب، ومعانٍ، ولمحات، بجانب تناوله لصورة الشارقة في كتابات الرحالة الغربيين خلال القرن التاسع عشر الميلادي، جامعا بإيجاز ما فرقه الرحالة: ديفيد سيتون، وفينزيتزو موريزي، وجيمس بكنجهام، وجورج بارنز بروكس، وجيمس ريموند ولستيد، عن الشارقة: البلدة والمنطقة والسكان والأحوال".
ويضيف بن صراي في مقدمته بأن الكتاب يعرض لحياة الرحالة وليم بلجريف، شخصا، وحياة، واسرة، ومسيرة، بما فيها من تنقلات وانتكاسات، وعثرات، ونجاحات، ومنها ينطلق إلى بلاد العرب، ومصادره في حديثه عنها، وموقعها بين الرحلات الغربية، وكل ما دونه وليم بلجريف عن الشارقة.. والكثير من المشاهدات التي عدها الباحث الدكتور منَي بونعامة، مصدرا اعتمد عليه وليم بلجريف في كتابة انطباعاته عن الشارقة.
ومن تلك الانطباعات يتجه  بونعامة  إلى "تبيان أخطاء الرحالة في بعض تفسيراته، وتوضيح ما أشكل عليه استيعابه، وتفسير ما اساء فيه فهمه، والاستفادة مما سجله وليم بلجريف في تشخيص الأوضاع في الشارقة حين زيارته لها".
وبحسب مقدمة الدكتور حمد بن صراي، فإنه هنا يأتي دور الباحثين الجادين الحصفاء الذين ينتقون أطايب الألفاظ، كما ينتقون أطايب الأثمار، فهم يناقشون ويحاورون ويدللون ويستدلون حتى تتبين الحقائق، وتجلو الوقائع بأسبابها ومسبباتها، وفي الوقت نفسه فهم يأخذون مما دونه الرحالة الأجانب، ويحللون أقوالهم، ويبينون دوافعهم، فيقدمون بالتالي خدمة جليلة لعامة القراء، الذين يستفيدون من ملاحظاتهم، وينتفعون من تلميحاتهم، ويتتبعون اشاراتهم.
ونقرأ في كتاب "الشارقة في كتابات الرَحالة البريطاني وليم بلجريف"، الكثير عن جغرافية الشارقة، وطبيعة الحياة فيها، ومعالم العمارة الدفاعية والدينية والمدنية والتجارية بها، مثل الأبراج والحصون والقلاع والأسوار، والمساجد والبيوت والأسواق، وذلك كما وردت في رحلة بلجريف، مع إضافات وتوضيحات وشروح أوردها المؤلف في محلّها، ثم ينتقل بنا الكتاب مع الرّحالة إلى وصف الأجواء والملابس والأزياء، والسكان وطبائعهم ومشيتهم وألوانهم وسحنتهم، ثم عرّج على بعض المفردات اللغوية العامية التي تستخدم في الترحاب، وبعض الظواهر التي لفتت انتباه بلجريف خلال مدّة إقامته بالشارقة.
كما تستعرض صفحات الكتاب، سيرة الرّحالة وليم بلجريف ومسيرته ورحلته، وأبرز محطاته وصولاً إلى الشارقة، حيث حطّ رحاله فيها عام 1863م، وبدأ يهيم في أرجاء المكان، ويكتب انطباعاته عنه، موثّقاً في رصده جوانب متعدّدة ومهمة من أنماط الحياة التي كانت سائدة خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي، كما تحدّث المؤلف عن أبرز الانتقادات التي وجهت للرحلة ومضمونها، مستعرضاً آراء الرحّالة والباحثين الذين فنّدوا معلومات بلجريف، لاسيما ما تعلّق منها بالرياض والأحساء والقطيف.. ومنهم: جون فيلبي، ولفرد بلنت، مايلز، س.ب، لورنس، تي إي، كما ساق آراء الرحّالة الذين أثنوا على الرحلة، واعتبروها فتحاً مبيناً وعظيماً في تاريخ الاستكشاف الأوروبي، من أمثال بترام توماس وصمويل زويمر، ثم وضعنا الرحلة في ميزان النقد، وبيّن وجهة نظره في الرحلة، وأهميتها التاريخية، وكيف يمكن الاتكاء عليها كمصدر تاريخي.

كتاب بونعامة حلقة من سلسلة حلقات تاريخية متواصلة
كتاب بونعامة حلقة من سلسلة حلقات تاريخية متواصلة

ويوضح لنا المؤلف في كتابه، أن مشاهدات هذا الرحّالة ذات أهمية كبيرة في معرفة نمط البناء القديم ومكوّناته، وإن كانت لا تخلو من أخطاء تحتاج إلى تصويب، منها أن البيوت المبنية من سعف النخيل لم تكن بغرض التأجير لصيادي الأسماك والبحارة، كما ذكر بلجريف، بل كان معظمها، إن لم تكن كلها، بيوتاً دائمة للسكان، وهي تمثل أكثر بيوت الإمارة، فالبيوت المبنية من الطين كانت للفئات المقتدرة من السكان، في حين كانت الفئات الفقيرة تسكن في بيوت من السعف. كما أورد معلومات غير دقيقة عن عمان.
وقد اعتمد المؤلف على كمٍّ وفير من المصادر والمراجع التاريخية والجغرافية، لمقارنة المادة التاريخية والتراثية التي ضمّتها كتب الرحلات المذكورة، خاصة رحلة بلجريف موضوع الدراسة، وسلك منهج المقارنة والتحقيق اتكاء على الكتابات التاريخية للشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، كونها تعد الأوثق والأصح، وذلك بهدف التأكد من صحة المعلومات والملاحظات المعروضة.
ويشير المؤلف إلى أن كتابه "الشارقة في كتابات الرحالة البريطاني وليم بلجريف" يمثّل حلقة من سلسلة حلقات تاريخية متواصلة، يتطلع من خلالها إلى إنجاز مشروع متكامل عن إمارة الشارقة ومدنها، عبر رصد تجليات حضورها في المصادر، العربية والغربية، وذلك بهدف توثيق صورة الإمارة في المصادر القديمة والحديثة، واستكشاف ملامح ومعالم تلك الصورة، وما تكتنزه أو تنطوي عليه من قيمة تاريخية عزّ نظيرها، لرفد المكتبة الإماراتية والعربية بموضوعات لاتزال تخلو من الدراسة والبحث والتوثيق، وإتاحتها للباحثين للنهل من معينها الزاخر.