مهرجان المسرح العربي يناقش الرؤى العُمانية في مؤتمره الفكري

أربع جلسات تؤثث فعاليات المؤتمر الفكري المقام ضمن الدورة الخامسة عشرة لمهرجان المسرح العربي.

"المسرح في سلطنة عُمان. رؤى وآفاق جديدة" المحور الأول للمؤتمر الفكري الذي يقام ضمن فعاليات الدورة الـ15 لمهرجان المسرح العربي الذي تنظمه الهيئة العربية للمسرح وتستضيفه سلطنة عمان، جاء في أربع جلسات أطلقها الناقد السوداني د.يوسف عايدابي قائلا "نحن هنا اليوم أمام جيل عماني مخضرم وجيل جديد كله فتوة وأقلام تبشر بكتابات متجددة وجديدة، من حيث نظره للكتابة العمانية مهتماً بهوية وخصوصية التجربة المسرحية، بل الثقافة العمانية. ومن حيث نظر الخصوصية والبيئة الحاضنة لهذا المسرح المهم لرفد التجارب الخليجية والعربية والإنسانية. ومن حيث الروح الجديدة للمسرح الجديد الذي نسعى إلى تأسيسه. إن أمور الخصوصية الثقافية والانطلاق من الواقع المحلي شغل شاغل لأهل المسرح. وهذا هو في ظننا حديث الساعة في المسرح العربي، إذ بالابتعاد عنه يقع ما لا يحمده أهل مسرح الشعب.

تقول د.رحيمة الجابرية الأكاديمية العمانية في كتابها "النص المسرحي العماني – نشأته وتطوره" إن "المسرح هو مرآة المجتمع، تظهر عليه مشكلات الشرائح الاجتماعية المختلفة. وعليه تنسج خيوط ما يحاكي علاقات الناس فيما بينهم وهم يتبادلون المصائر ويختبرون الأقدار عبر وسائط عدة أبعدها أثراً وبقاء على مدى الزمن (الدراما)، ومن منطلق أن جوهر المسرح وحيويته ينبعان من التأثر العميق بالبيئة المحيطة وقضاياها المتجددة، بهدف التأثير في المجتمع". من هنا وجد المسرح في عُمان نفسه متصلاً بقضايا الناس وهمومهم.

ناقشت الجلسات الثلاثة للمحور كتاب د.رحيمة الجابري "النص المسرحي العماني- نشأته وتطوره"، وكتاب د.آمنة الربيع "قراءة في المسرح- مقاربتان ثقافيتان في النص الدرامي"، وكتاب علياء البلوشي "المسرح العماني بين الموروث والفُرجة"، وكتاب عبدالرزاق الربيعي "المشهد المسرحي العماني إضاءت ورؤى"، وكتاب جمانة الطراونة "تمثلات الحداثة وما بعدها في المسرح العماني"، وأخيراً كتاب د.محمود سعيد "القناع الأبيض في المسرح العماني"، وأدار الجلسات عبدالغفور البلوشي، د. سعيد السيابي وحمود الجابري.

وعي المؤلف

أكدت د.رحيمة الجابرية على استفادة المسرح العماني من المهرجانات حيث أدى إلى ظهور كتاب مسرحيين عمانيين استطاعوا المساهمة بإبداعاتهم المختلفة في نقلة نوعية للنص المسرحي، واستلهم منها الكتاب العمانيون موادهم المسرحية هي مصادر مختلفة ومتنوعة اعتمدت على الأسطورة والتراث والتاريخ في جزء مهم من هذه المصادر، بغية التعبير عن رؤاهم التي رغبوا في تقديمها داخل المسرحيات.

وكشفت عن أن المسرح النسوي استطاع أن يخط له مسارا مهما ضمن قائمة الأجناس الأدبية الأخرى المعروفة في عمان، حيث ارتبطت الدراما النسوية بالأهداف الاجتماعية للحركة النسوية، واعتبرت وسيلة لتعريف المجتمع (رجالاً ونساء) بقضايا المرأة وحقوقها، ودورها في المجتمع كما في تجربة آمنة الربيع في مسرحية "يوم الزينة". ورأت الجابرية أن مستوى وعي المؤلف ينعكس بالقضية المطروحة على اختياره للقالب المسرحي الذي يصب فيه أفكاره، ومن ثم على طريقة البناء سواء للحدث أو الشخصيات أو البنية المشهديه للعمل وكذلك على اللغة التي يعتمدها العمل كأداة لتوصيل الفكرة.

حاولت دراسة د.آمنة الربيع "قراءة المسرح... مقاربتان ثقافيتان في النص الدرامي" الانفتاح على النصّ المسرحيّ الإبداعي، منطلقة من مقاربتين متباينتين ينطلقان من جذر واحد هو ما بعد الحداثة، والمقاربتين هما؛ المقاربة "الثقافيّة"، والمقاربة "النسوية"، وذلك للوقوف على القضايا الفكرية والفنيّة في تجربتين مسرحيتين عربيتين، والنظر في آلية الاشتغال الجمالي لكل تجربة على انفراد.

وأكدت الربيع "إنّ المقاربتين الثقافيّة والنسوية هما" تشكٌّل ثقافي أفرزته ممارسات نقدية رائدة في الفكر الإنساني (دريدا) وواحدة من منجزات المرحلة البنيوية وما بعدها، فالدراسات الثقافيّة تتحرك في خلفية فضاء الإنتاج المعرفي النظري والنقدي المُنجز لـ"ما بعد البنيوي"، وأسسها الناجزة للنصّ يتميز بخصائص أشبه بالمانفستو، وتلك الخصائص -وفق جاك دريدا- هي "اللايقين، والتشظّي، ولامركزية الدلالة، والنسبية". أما المقاربة النسويَّة، فهي توجه غربي ظهر في ستينيات القرن الماضي تزعمته بعض المبدعات والباحثات والأكاديميات طالبن فيه بتحرير المرأة الغربية، ومنحها حقوقها الاجتماعيَّة والاقتصادية والثقافيَّة والقانونية من ميراث كتبه الرجل. ومن هذا المنطلق انتخبتُ تجربتين مسرحيتين هما: تجربة الأديب العماني الشاعر سماء عيسى، وتجربة الكاتبة المخرجة الكويتية سعداء الدّعاس. وقد ركزت في المقاربة الثقافيّة على تناول العناصر التي تُشكل مدخلا بيداغوجيا لقراءة النص الأدبي، أو ما يُعرف بالعتبات النصيّة. فالنص لا يولد من فراغ، ولا يتجه إلى فراغ، حيث يؤلفه كاتب يعيش ضمن مجتمع يتفاعل معه على نحو ما تفاعلا اجتماعياً وسياسياً ومعرفياً. وهذه العتبات أو المتعاليات النصيَّة كما أسماها (جيرار جينيت) وظيفتها فكُّ شفرات النص، بحيث يستطيع القارئ التفاعل مع المتن قراءة أو تفسيراً أو تأويلاً. والاشتغال على العتبات يُعدّ مفتاحا لفتح مغاليق أيّ نصّ من الداخل بوجه عام.

وفي الجلسة الثانية التي أدارها الناقد د. سعيد السيابي تحدث كل من د.محمود سعيد والشاعرة جمانة الطراونة، وقد توقف سعيد عند تجليات القناع في أعمال عدد من المسرحيين العمانيين، من بينهم آمنة الربيع، وفاء الشامسى، عبدالرزاق الربيعي، بدر الحمدانى، محمد سيف الرحبى، عبدالله البطاشي، وعماد الشنفري.

ومن جانبها ناقشت الشاعرة جمانة الطراونة تمثلات الحداثة وما بعدها في المسرح العُماني، وذلك انطلاقا من تسليط الضوء على مفهوم الحداثة عامة والحداثة العربية خاصة، ثم استعرضت تطور المدارس المسرحية من الكلاسيكية إلى ما بعد الحداثة، ثم تحدثت عن فلسفة ما بعد الحداثة، وتتبعت نشأة وتطور المسرح العُماني وتجارب المدارس الفنية حيث كان أول عمل مسرحي تقدمه فرقة "مسرح الشباب" هو "تاجر البندقية" لشكسبير وهذا بحد ذاته يشكل أكبر تحدٍ بسبب التباين الثقافي بين بيئة العمل المسرحي والتذوق الفني لأفراد المجتمع آنذاك. أما في التجربة الثانية للفرقة، فقد جرى الاستعانة بالمسرح العربي ووقع الاختيار على مسرحية "عيلة الدوغري" لنعمان عاشور لأنها تطرح قضايا قريبة إلى حد ما من قضايا المجتمع العماني.

خصصت الطراونة المساحة الأكبر من دراستها لتطبيقات على أربعة نصوص وعروض عُمانية هي: "كأسك يا سقراط" للشاعر عبدالرزّاق الربيعي، و"ساعة رملية للغضب والظلام والحب" للكاتب بدر الحمداني و"الحلم" للدكتورة آمنة الربيع، و"سدرة الشيخ " للكاتب عماد الشنفري. وفي نهاية المطاف خلصت إلى مجموعة من التوصيات أكدت أملها بأن يضعها القائمون على شؤون المسرح العماني موضع التنفيذ والتطبيق دعما للحراك المسرحي العماني، وهذه التوصيّات هي: أوّلا: ضرورة الانفتاح على التجارب المسرحية الحداثية العربية والدولية، وكسر الأطر التقليدية التي تحدّ من جموح المشتغلين بالمسرح، للانطلاق في فضاءات التجريب الواسعة. ثانيا: ألّا يستغني هذا الانفتاح عن الأصالة والتراث والمزاوجة بين الحداثة التراث، أي تقديم التراث بأطر حداثية. ثالثا: إقامة المهرجانات الدولية المتنوعة من قبل المؤسسات الحكومية والمؤسسات الأهلية وتظافر الجهود بهذا الخصوص من أجل تحقيق المثاقفة والاستفادة من تبادل الخبرات. رابعا: المشاركة في المهرجانات الدولية لتأكيد الحضور العماني والتعريف به خامسا: تشجيع الباحثين والمهتمين في المسرح على دراسة التجارب المسرحيّة العمانية. سادسا: الإكثار من ورش العمل التي تقام على أيدي المتخصصين من ذوي الخبرات، التي من شأنها تسليح العاملين بالمسرح بكل ما هو جديد. سابعا: ضرورة فتح أقسام للمسرح في كليات الآداب بالجامعات العمانية.

وشهدت الجلسة الثالثة التي أدارها حمود الجابري مناقشة دراسة عبدالرزاق الربيعي "إضاءات على المشهد المسرحي العماني"، ودراسة علياء البلوشي "المسرح العماني بين الموروث والفرجة". وقد سلّط الربيعي الضوء على المشهد المسرحي العُماني، فقسّم دراسته إلى ثلاثة محاور: الأول "قراءات في المسرح العماني"، وتضمّن: الكتابة التاريخية في المسرح العماني، رمزية خطاب الفرجة في المسرح العماني، شكسبير في أعمال المخرج عبدالغفور البلوشي، توظيف المادة الشعرية في المسرح العماني، واشتمل الثاني: على وقفة إجرائية تحليلية في عشرة عروض مسرحية عمانية هي: "مدّق الحناء" للكاتب السعودي عباس الحايك، وإخراج: يوسف البلوشي وأداء فرقة مزون المسرحيّة، "الرحى" تأليف: عباس الرحبي، إخراج: د. شبير العجمي، تقديم: فرقة الصحوة، "قرن الجارية" تأليف وإخراج: محمد الهنائي، فرقة الدن، "الليلة الباردة" تأليف: عبدالله البطاشي، وإخراج أحمد البلوشي، "شجرة الهيل" تأليف وإخراج الراحل محمد بن سهيل المهندس فرقة مسرح ظفار، "الندبة" تأليف: عماد الشنفري، إخراج: خالد الشنفري، أداء: فرقة صلالة، "زهراء سقطرى" تأليف: سمير العريمي واخراج د.عبدالكريم جواد، و"حارة بلا بخت" تأليف وإخراج مالك المسلماني، و"الصراع"، مسرحية للكاتب اليوناني يورغورس سكورتيس، والمخرج د.عبدالله شنون، الجمعية العمانية للمسرح، وأخيرا "أصابع جميل" تأليف وإخراج: أسعد السيابي، فرقة الدن بالتعاون مع الجمعية العُمانية للمسرح.

ووفقا لتحليلاته لهذه الأعمال أكد الربيعي أن الأعمال التاريخيّة تتطلب قدرة عالية على الأداء، والنطق السليم لمخارج الحروف، وهذه تحتاج إلى ورش، لذا تعاطى المخرجون من الأعمال التاريخية بحذر، فاقتصر الإنتاج على التكليفات التي تظهر في المناسبات، وتختفي بعد انتهائها، وانسحب ذلك على المؤلّفين.

ولفت إلى أن الأعمال لم تتناول التاريخ كتاريخ بل كشخصية بدون ذكر التناول، ولكن أخذت من الشخصيات ملامحها، نظرا لأن المحاذير كثيرة في تناول التاريخ خاصة أسماء بعض الشخصيات والقبائل.

وحاولت د.علياء البلوشي في دراستها رصد التحولات الاجتماعية المعاصرة في السلوك والأعراف، التي تؤثر في المدى البعيد على الخصوصيات الثقافية، وتحويلها إلى شكل أو نمط عام تختفي فيه الحدود والهويات الثقافية المتمايزة، لتحل محلها هوية ثقافية كونية، يقل فيها تأثير الأنساق الثقافية المحلية على الأفراد، وبتراجع دور الموروث الشعبي في تشكيل الأبعاد الفكرية والقيمية والسلوكية للأفراد للنهل من نبع التراث بمختلف روافده، وتقديمه في إطلالة معاصرة برؤى فكرية جديدة، في محاولة للحفاظ على الهوية العمانية.

وقالت البلوشي "هذا الواقع الاجتماعي الجديد أفرز ثقافات وأفكار جديدة، تمثلت في الأندية والجمعيات الثقافية والاجتماعية والصحافة، وحركة الطباعة والنشر الحديثة، وإقامة معارض الكتب العالمية والمكتبات الحكومية والأهلية، وظهور المسرح والفنون التشكيلية والحركة الأدبية والفنية، ودخول التكنولوجيا الحديثة إلى ميادين التعليم العام، والتعليم العالي ومختلف مجالات العمل في الدولة. وامتزجت الحياة الاجتماعية بالواقع الثقافي في سلطنة عمان مثل البيئة الساحلية التي ارتبطت بثقافة الساحل مقارنة ببيئة الداخل أو الصحراء. وتحولت الحياة الثقافية في الدولة ـ أسوة ببقية دول الخليج العربي ـ من نمط حياة بسيطة إلى حياة حديثة، وانفتح المجتمع على الثقافات والأفكار والتجارب العربية والعالمية، التي فرضت وجودها على الإنسان الخليجي، لتحل محل الثقافة القبلية بشكل تدريجي.

واختارت البلوشي بعض النصوص المسرحية التي عرضت لتحلل النص والعرض من ناحية ملائمتها مع روح الموروث الشعبي سواء بالنص الصريح أو استخدام الرقصات الشعبية وما يصاحبها من كلمات وأهازيج وآلات موسيقية.