ميرزا يشكو من عدم الاهتمام بالفن التشكيلي في البحرين

الفنان التشكيلي علي حسين ميرزا يرى أنه لا توجد أي حركة نقدية تواكب الحركة التشكيلية في البحرين.
مراقبة المجتمع من خلال شاشة تلفزيون أو شاشة هاتف لا يعكس الحقيقة أبداً
الحراك الفني في البحرين بشكل عام يخضع لعوامل كثيرة تؤثر فيه سلباً أو إيجاباً

علي حسين ميرزا فنّان تشكيليّ ومصمّم مسرحي. ولِد في البحرين عام 1987، بعد إنهائه المرحلة الثانوية توجّه لدراسة المسرح، حيث استكمل درجة البكالوريوس في مجال "الديكور المسرحي" بدرجة الامتياز من المعهد العالي للفنون المسرحية بدولة الكويت في العام 2010. وما بين الشغف بالفن التشكيلي والمسرح، تبلورت حالة من البحث والتجريب في أعماله، إذ اتخذ من الفضاءات المفتوحة مكانا للتعبير عن الأفكار والقضايا التي يرغبُ في ملامستها والتّعبير عنها بصورةٍ مغايرة.
ويعتبر علي حسين العمل التّركيبيّ خلقا موازيا لفكرة الخروج عن خشبة المسرح، والاستغناء عن كل إمكانياتها، حيث يستبدل الممثّل بالمتفرج الذي يكون هو أيضا جزءا من العملِ الفني في كثيرٍ من الأحيان. وهنا تحديدًا يجدُ الفنّان نفسه، عالقا في المساحةِ ما بين العالمين: عالم الفن التشكيلي وعالم المسرح.
وشارك في العديد من المعارض التشكيلية والمسرحية داخل وخارج مملكة البحرين، كما أنّه توجّه بعد سيرته التعليمية نحو عالم الطفل، إذ قدم العديد من الورش والفعاليات التي تهتم بفن الأطفال. وقد حصدَ الفنان خلال اشتغالاته عددا من الجوائز، تكريما لأعماله ومشاركاته في مجالي التشكيل والمسرح، ونال مؤخرا جائزة الدانة عن مشاركته في المعرض السنوي للفنون التشكيلية في النسخة 44. 
وفي هذا الحوار معه نتعرف على مسيرته ورؤاه الفنية الخاصة والعامة.  

fine arts
تخصصت في سينوغرافيا المسرح 

بداية وحول بدايات تجربته الفنية وأبرز المؤثرات التي ألقت بظلالها على تجربته والنقلات الفنية التي مر بها تجربته قال: "الفن بالنسبه لي هواية بدأت معي في مرحله ماقبل المدرسة وتطورت عبر المراحل الدراسية الابتدائية والاعدادية والثانوية، ومررت خلال هذه المراحل بعدة مجالات فنية الرسم والأعمال اليدوية والخزف والطباعة وآخرها المسرح. وكنت أرغب أن أحصل على دراسة في مجال الفنون التشكيلية، ولكن لم تشأ الظروف وقادتني إلى دراسة المسرح. تخصصت في سينوغرافيا المسرح ودرستها أربع سنوات في المعهد العالي للفنون المسرحية بالكويت. تخرجت عام ٢٠١٠ بدرجة الامتياز".
وأضاف: "المسرح كان له الأثر الأكبر في تجربتي إذ أخرجني من إطار اللوحة إلى الفضاء المفتوح، وهو ما ساعدني على التفكير بشكل مختلف ودون حدود، فبعد سنتين من التخرج كانت تجربتي الأولى في الفن التركيبي مع جاليري الرواق من خلال (معرض منانتنا) وبعدها معرض (أنا والآخر)".
وأشار علي حسين أنه خلال اشتغاله بشكل جاد في حقل التشكيل بعد تخرجه مباشرة مر بعدة محطات في حياته وقال: "هناك هواجس كثيرة تؤرقني وأكثر أعمالي الفنية تنطلق من خلالها، من الأعراف إلى المسلمات الحياتية التي نعتقد كلنا أنها لا يمكن أن تمس أو تتغير، أحاول أن أطرحها أو أنطلق من خلالها في معظم أعمالي التركيبية، وأجعل للمتلقي مساحة للتساؤل حول كل تلك المواضع التي قد لا يجد مكانا ولا فرصة للحديث عنها مع أحد. وبالنسبة للوحات فالمواضع تتغير من الحالة العامة التي أمر بها والتي يعكسها الوضع الاجتماعي والسياسي والديني، فالحالة الجمالية تكاد تكون شبه معدومة في أغلب اللوحات، ففي النهاية الإنسان هو المحور الذي تدور أغلب أعمالي الفنية والتركيبية حوله".  
ولفت إلى المدارس الفنية التي مرت بها تجربته "كانت أغلب أعمالي تنتمي للمدرسة الواقعية، ومررت أيضاً بالتكعيبية والتي قادتني للرسوم الدلمونية القديمة في البحرين، والتي تحمل الطابع التكعيبي والتعبيري، وبعدها حاولت البحث والتجريب من خلالها لأبحث لنفسي عن حالة او اُسلوب خاص، وهو الهاجس الأكبر الذي يؤرق أغلب الفنانين الشباب، فوجدت نفسي أتوجه للمدرسة التعبيرية بسبب المواضيع التي أتطرق لها في الأعمال الفنية. 

وأوضح علي حسين أنه كثيرا ما تساءل ما الجدوى من أن يرسم الحضارة والتراث؟ ووجد الإجابة لدى الشاعر السوري محمد الماغوط إذ قال ذات مرة "أنا لا أطيق العودة إلى البيت، فما بالك بالعودة إلى التراث".
وأضاف "ربما لا يوجد ظهور واضح في أعمالي لأي رمز أو مكان يعكس الحالة المحلية البحرينية بشكل مباشر، فالحالة النفسية والصراع الداخلي للإنسان البحريني هو الذي حاولت أن أركز عليه، فعند وقوف أي متلق بحريني أمام أي عمل فني سيجد نفسه فيه، سيجد أن هذا العمل يحاكي واقعه وحياته اليومية وآلامه التي ربما لا يستطيع التعبير عنها".
وأكد علي حسين أن مراقبة المجتمع من خلال شاشة تلفزيون أو شاشة هاتف لا يعكس الحقيقة أبداً، فالإنسان البحريني مكافح ومثابر، وهناك تنوع اجتماعي وثقافي وديني في المجتمع. والاختلاف واضح وجلي بين طبقات المجتمع على جميع الأصعدة، وبالنسبة لي أجد أنه من الصعب استقاء مادة فنية تعبيرية من طبقة برجوازية، في حين أن الطبقات المتوسطة والمعدمة غنية بالمواضيع سواء في العمل التشكيلي أو حتى التركيبي وكذلك المسرح".
ورأى أن الحراك الفني في البحرين بشكل عام يخضع لعوامل كثيرة تؤثر فيه سلباً أو إيجاباً، وبطبيعة الحال فإن المجتمع البحريني صغير، والجمهور فيه محدود ومنقسم على مختلف الأجناس الفن والأدب والموسيقى والمسرح والسينما. والفن التشكيلي يتعرض لحالة هبوط وصعود أجيال متعاقبة بينها صراع وحرب باردة، ولكن يبقى الفن التشكيلي له حضور مؤثر ومهم في الساحة من خلال معرض تشكيلي وحيد وهو المعرض السنوي للفنون التشكيلية، مع حضور لبعض دور العرض والمعارض الجماعية والفردية التي تتركز خلال الفترة من أكتوبر حتى مارس من كل عام، والبحرين تفتقد وجود معرض سنوي للشباب وهو الذي يقلل فرص العرض لدى فئة الشباب والذين يشتكون دائماً من قلة فرص العرض في البحرين.  

fine arts
العزلة 

وأكد علي حسين أنه منذ أواخر القرن الماضي وحتى بداية القرن الحالي كان للبحرين حضور تشكيلي أوسع مما عليه الآن، حيث أصبح الفنان البحريني منقطعا عن العالم الخارجي تقريباً وهي مشكلة أعتقد أنها أصبحت عامة، فوجود الورش الفنية والتبادل الفني والثقافي يكاد أن يكون معدوما. فمن خلال الورش الفنية يمكن للفنان أن يخرج ويحتك بالفنانين على نطاق أوسع والورش فرصة لتبادل الهواجس والخبرات. وفي البحرين للأسف لا توجد جهة تتبنى وجود ورشة أو محفل فني يتيح للفنانين العرب أو الأجانب المشاركة فيه، وهذا الأمر ربما يخلق العزلة أيضاً للبحرين وحضورها في المشهد الفني بالمنطقة.
وأشار ميرزا إلى أنه لا يوجد بلد عربي لا يعاني من مشكلات على الصعيد الفني والثقافي، والمشكلة الأكبر تكمن في الجهة الرسمية وتبنيها للفنان بشكل جاد من خلال زيادة فرص العرض داخل وخارج البحرين. والتأسيس منذ المدرسة وحتى الجامعة لثقافة فنية لدى الطلاب، والمشاركة في المحافل الفنية العالمية. وأيضا من أهم المشكلات عدم وجود معرض شبابي يتيح لفئة الشباب عرض تجاربهم مما يجعلهم ينسحبون من هذا الحقل بحجة أن لا توجد فرص عرض، وكذا الحوار والندوات الفكرية حول الفن التشكيلي معدومة، على الرغم من أهميتها في إثراء الحراك والساحة الفنية وخلق حالة فنية وجمالية بين مكونات المجتمع والتشكيليين". 
ورأى علي حسين ميرزا أنه لا توجد أي حركة نقدية تواكب الحركة التشكيلية في البحرين، حتى لتقام المعارض وتنتهي دون أن نرى مقالة نقدية حولها، فالمشكلة تعود لعدم وجود مختصين في هذا المجال، وحتى الصفحات الثقافية في الجرائد تحوي بعض الأحيان تغطيات إعلامية وليس نقدا لأعمال هذه المعارض، وهذا ربما ما جعل من الفنان البحريني يتأخر كثيراً عن مواكبة الحراك الفني في الوطن العربي.