مَنْ يدق الطبول لإدانة التطبيع مع إسرائيل

أية مصداقية تبقى لقضية مثل القضية الفلسطينية العادلة عندما تدافع عنها هذه الجماعات المجرمة؟
التطبيل والتزمير لإدانة التطبيع ليس أكثر من تجديد هوية تالفة
منظمة التحرير صاحبة القضية الفلسطينية لها علاقات طبيعية مع إسرائيل خاصة الجانب الاستخباراتي

نشر السياسي العراقي مشعان الجبوري وثيقة تضمنتْ قائمة من الأسماء وقّعت في لندن عشية غزو العراق ومن قبل عدد من الموجودين اليوم في العملية السياسية. يتعهد الموقعون بالتطبيع مع إسرائيل مقابل تسليمهم للسلطة في العراق.

في الحقيقة لا يهمنا شخصيا لا من بعيد ولا من قريب شأن هذه الوثيقة، سواءً أكانت صحيحة او غير صحيحة، أن تعهدوا بالتطبيع مع إسرائيل أم لم يتعهدوا، لأنه ببساطة من أضفى الشرعية على أسر رقاب جماهير العراق إلى المارينز الأميركي وارتهان ثرواتها وتحويل العراق الى بلد فاشل بامتياز، وساحة لتصفية الحسابات الدولية وحرب الوكالة، ومستنقع للعصابات الاسلامية والمافيات من كل حدب وصوب، واطفاله ونسائه وشبابه يبحثون في أكوام الزبالة عن الطعام او عن اي شيء يمكن بيعه والحصول مقابله على ما يبقيهم قيد الحياة ليوم اخر، إلى الحد تجاوز حاجز الفقر 40%، وهذه الأرقام هي لصندوق النقد الدولي قبل إصلاحات الكاظمي وورقته البيضاء سيئة الصيت، فآخر ما يمكن الحديث عنه هو النفاق السياسي والكذب الذي يجب أن يكون جزءا من السيرة الذاتية لهؤلاء المدونة أسمائهم كي يتأهلوا للعملية السياسي ويجدوا لهم موقعا في النظام السياسي الفاسد في العراق. فلا تنتابنا ذرة استغراب ابدا اذا كانت وثيقة الجبوري هذه صحيحة.

المشكلة الحقيقة وسبب كتابتنا لهذه الأسطر هي في إصدار عدد من الفعالين العمال ومنظماتهم بيانات بإدانة التطبيع، وبالنتيجة يكونون جزء من الخطاب السياسي للملكيين أكثر من الملك نفسه امثال الميليشيات التي ذبحت المتظاهرين في وضح النهار في انتفاضة أكتوبر.

السؤال الذي نطرحه على هؤلاء الاعزاء، ما علاقتنا نحن العمال مع السياسات البرجوازية بين الدول المرفوضة من قبلنا! ما هي مصلحتنا نحن العمال سواءً أكانت هناك علاقة بين العراق واسرائيل او بين اميركا والسعودية، هل ستعيد تلك العلاقات أو من عدمها سعر العملة العراقية الى قيمتها قبل الورقة البيضاء التي فاقمت من إفقار المجتمع، هل توفر لنا فرص عمل أو تسن قانون ضمان بطالة لأكثر من 12 مليون عاطل عن العمل، هل تسن قانون ضمان اجتماعي إنساني لنا في الوقت الذي تحاول الحكومة التنصل من دفع مستحقاتها لصندوق الضمان، هل توفر الخدمات والضمان الصحي وتعيد وهج التعليم لنا، هل ستنهي الظلم الطائفي في المناطق الغربية بحيث ندفن المستنقعات الطائفية، بعد ان طرد المالكي وهو أحد الذين وردت اسمائهم في الوثيقة المذكورة واكثرهم صلافة بالتطبيل ضد التطبيع، نقول طرد البعوض منها ورش الظلم الطائفي عليها ليكون مرتعا خصبا لنمو داعش، هل ستنهي مأساة الأيزيديين ونطوي ملف مصيبة النازحين، وهل يمكن مسح اثار التطهير الديني بحقهم وبحق المسيحيين والصابئة...الخ.

أليست كل العلاقات بين الحكومات والدول وأجهزة مخابراتها تجري خلف الكواليس وبشكل سري وبعيدة عن أعيننا نحن العمال ولم يأخذوا رأينا يوما ما بها، وعلاوة على ذلك، فما بالنا ننسى كيف تمتص تلك الحكومات عرقنا ودمائنا مثلما تفرض شروط عمل قاسية علينا لزيادة أرباحهم كما هو حال رفاقنا العمال في الشركات النفط الاجنبية في المدن الجنوبية وشركات الاسمنت الفرنسية مثل لافارج في طاسلوجة السليمانية وكربلاء وغيرها، ومثلما تمتص دولة اسرائيل الفاشية عرق رفاقنا العمال الفلسطينيين في اسرائيل وتستغل وضعهم المعيشي لفرض شروط عمل قاسية عليهم ناهيك عن التمييز والظلم القومي ضدهم من أجل استثمار استغلالهم على أفضل حال.

ان التطبيل والتزمير لإدانة التطبيع ليس أكثر من تجديد هوية تالفة حول القضية الفلسطينية لإعادة الإنتاج السياسي لجماعات الإسلام السياسي بعد ان فقدوا شرعيتهم الاجتماعية والسياسية على اثر ضربات انتفاضة اكتوبر وليس أكثر.

ان التطبيل والتزمير بإدانة التطبيع هو من اجل طمس او التعمية على كل جرائمهم السياسية والاقتصادية والمالية، وفسادهم الذي اصبحت رائحته اقوى من رائحة جيف المستنقعات الآسنة، وبحاجة لا ان تدرج في سجل محاسبة منظمة الشفافية الدولية لهم فحسب، بل أيضا يجب ادراجها في بنود اتفاقيات المناخ وحماية البيئة بسبب تلك الرائحة النتنة التي باتت تلوث البيئة اجتماعيا وصحيا. فأي مصداقية تبقى لقضية مثل القضية الفلسطينية العادلة عندما تدافع عنها هذه الجماعات المجرمة، وقد ارتفعت عقيرتها حول التطبيع مع اسرائيل، في الوقت الذي قتلت ميليشيات هذه الجماعات وذبحت وسرقت ونهبت وصادرت اراضي في جرف الصخر وحزام بغداد والموصل وسهل نينوى والانبار وديالى وقامت بتطهير طائفي وديني ضد جماهير العراق أكثر من دولة اسرائيل بحق الشعب الفلسطيني وخلال فترة قياسية.

أما المفارقة الاخرى فلو أحصينا جرائم اميركا في العالم، ووحشيتها وقتلها لكل من اعترض سياستها في فيتنام حيث قتلت أكثر من مليون ونصف مليون شخص وفي هيروشيما وناغازاكي قتلت أكثر من ربع مليون انسان، وفي كمبوديا ولاوس وفي الحرب الكورية وفي العراق وافغانستان، هذا ناهيك عن الانقلابات العسكرية الدموية التي قامت بها سي آي أيه في إيران والعراق واندونيسيا وتشيلي والقائمة تطول، فهي الأكثر دون مقارنة مع إسرائيل، علاوة على الدعم السياسي والعسكري والمالي والاستخباراتي اللامتناهي من قبل اميركا لإسرائيل، اذ لولاه لما تحولت الاخيرة الى دولة فاشية ومارقة مثلما يسميها الكاتب الأميركي نعوم تشومسكي، وتمارس البلطجة مثل عرابها بحق الشعب الفلسطيني دون محاسبة، ومع هذا، هناك علاقات طيبة مع اميركا والكل يحج الى سفارتها ويطلب العون والدعم منها. هل هذا نوع من الازدواجية أم حماقة سياسية ام نفاق سياسي، او ما زال الوعي العربي أسير العقل الباطن الذي يبدو غافيا لحد الان؛ بان القضية المركزية للأمة العربية هي فلسطين في الوقت الذي ان حماة الأمة العربية اصبح لهم علاقات سياسية ودبلوماسية واقتصادية مع إسرائيل وتتسابق بالحج إليها، مثل مصر والأردن والمغرب والسودان والبحرين والإمارات. وهناك قافلة اخرى من حماة القدس التي سميت بـ"عروس عروبتهم" في يوما ما، لتأجيج المشاعر الرجعية والمتخلفة للرجولة القومية العربية، ولم يسموه ب"عريس عروبتهم" لان اغتصاب الرجل ويبدو اذا كان عريسا او لا فلن تحرك المشاعر الاسنة عند العقل العروبي المتخلف، وقد تلقفه سريعا الإسلام السياسي وميليشياته، وهذا هو السر في رفع شعار "الحشد الشعبي حامي اعراضنا"، نقول هناك قافلة ومع هذا ستلتحق بقافلة التطبيع مع إسرائيل وهي سلطنة عمان والسعودية ودول اخرى في ظل تطورات سياسية كبيرة، ومحورها حل إسرائيل كقوة اقليمية صاعدة ومنافسة الى تركيا وإيران في المنطقة بدلا من الولايات المتحدة.

أن السخرية لا تكمن فقط عند هذه الحدود، فمنظمة التحرير الفلسطينية صاحبة القضية الفلسطينية لها علاقات طبيعية مع إسرائيل وخاصة في الجانب الأمني والاستخباراتي، وحماس التي هي جزء من محور "المقاومة والممانعة" رفعت او الغت بند تدمير دولة اسرائيل في مؤتمرها قبل اربع سنوات وتحاول جاهدة التفاوض مع إسرائيل والقبول بمبدأ حل الدولتين، وارسلت وفدها الى المغرب قبل انتخاباتها التشريعية لتبارك الاخوان المسلمين وتعلن عن تأييدها لهم بعد اتفاقية التطبيع مع اسرائيل عندما كان الاخوان المسلمين يقودون الحكومة المغربية، فعلى من نزايد، وهل سنربح المزايدة في سوق تحرير فلسطين.

واخيرا نقول ألم يحن الوقت لتبديد الاوهام، الم يحن الوقت لنقول نحن العمال الى من يطبّعَ مع اسرائيل او لم يطبع؛ كفاكم كذبا ونفاقا، فلمدة اكثر من نصف قرن مارستم شتى أشكال الاستبداد وفرضتم القهر علينا ومنعتم حقنا بممارسة كل أشكال الحريات وحولتم حياتنا الى مأساة وفقر وعوز وفاقه، وشيدتم من عرقنا وكدنا قصوركم تجاورها زنازين وسجون لنا، واستوردتم حتى أدوات التعذيب من بريطانيا وفرنسا وبخبرة إسرائيلية لترويضنا وتحت عنوان تحرير فلسطين وحماية البوابة الشرقية، واليوم تحاولون ان تعيدوا الكرة، الا انكم تعيدونها عبثا وهذه المرة بسخرية مثلما يقول ماركس، التاريخ يعيد نفسه مرتين، الاول بشكل تراجيدي والثاني بشكل كوميدي. فهل هناك اكثر المشاهد التي هي أقرب الى مسرحية يمثل فيها ممثلين فاشلين امثال الفياض العامري والخزعلي والمالكي تثير السخرية والتهكم وهم يحاولون سرقة هوية مزيفة لانتحال صفة محور المقاومة والممانعة!