نازحون عراقيون يعودون لشظف العيش في المخيمات

أهالي مدينة الموصل يعيشون بمخيمات متهالكة أشبه بالسجن، حيث أجبرتهم الحرب على مغادرة ديارهم دون أمل في العودة إليها بعد أن دمرها تنظيم الدولة الإسلامية.
الحرب على الإرهاب تشتت سكان الموصل

بغداد - أجبرت الظروف نهاية عيسى التي نزحت مثل آلاف غيرها خلال الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية، على العودة مجدداً للعيش مع أطفالها في مخيم للنازحين بعدما وجدت منزلها لا يزال ركاماً في الموصل التي تحررت قبل نحو عامين.

ورغم استعادة المدينة التي كانت عاصمة لتنظيم الدولة الإسلامية ، منذ نحو عامين ما زال عشرات الآلاف من أهالي المدينة الذين فروا إلى المخيمات غير قادرين على العودة إلى منازلهم.

وأكد كثير من هؤلاء مثل السيدة نهاية الأرملة العاطلة عن العمل، أنهم صدموا عند رؤيتهم الدمار الذي لحق بمناطقهم.

وقالت عيسى (33 عاما) من داخل خيمة متهالكة في حر الصيف في مخيم الخازر الواقع في أقليم كردستان إلى الشرق من الموصل "بقيتُ عدة أشهر في مخيم للنازحين".

وأضافت هذه الأم لثماني فتيات "عندما رَجعت إلى بيتي في منطقة خزرج (في غرب الموصل) وجدتهُ مدمراً بالكامل".

وتابعت "اضطررت للعودة إلى مخيم خازر لأني لا أقدر على دفع تكاليف إيجار منزل"، مشيرة إلى أن بقاءها في المخيم يؤمن لها ولأطفالها حصة غذائية شهرية.

وقالت هذه السيدة التي بدت عيناها محاطتان بهالة سوداء "نعيش حياة قاسية هنا، لكننا ندرك بأنه ما من خيار غير ذلك".

وأفادت المنظمة الدولية للهجرة بأنه يوجد أكثر من 1.6 مليون نازح في عموم العراق بينهم قرابة 300 ألف من أهالي الموصل.

ويعيش الغالبية العظمى من هؤلاء في مخيمات قدمتها منظمات إنسانية وتتوزع أغلبها في محافظة نينوى كبرى مدنها الموصل، حيث تتوفر مدارس ومراكز تدريب وعيادات طبية ومحال تجارية وملاعب كرة قدم وصالونات للحلاقة.

وتفتقر مناطق كثيرة لهذه الخدمات خصوصا في نينوى بسبب الدمار الذي تعرضت له خلال الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية.

ويتحدث غزوان حسين (26 عاما) من قضاء سنجار الواقع غرب الموصل، "أن تنظيم الدولة الإسلامية اجتاح قبل خمس سنوات وقد اضطهد الأقلية الأيزيدية التي تعيش هناك واتخذ من نسائها سبايا".

وكان الشاب قد هرب مع عائلته قبل تحرير بلدته من سيطرة الجهاديين عام 2017 ليلجأ إلى مخيم خازر.

 وقال إن "مرض أبني أجبرني على بيع ما أملك من أشياء بسيطة لأتمكن من إجراء عملية جراحية لأبني الصغير".

وأضاف "عدت الى سنجار على آمل تحسن الأوضاع، لكني وجدت بيتي مهدما وغير صالح للسكن والخدمات ضعيفة هناك" .

وتابع فيما جلس أبنه بين أحضانه عند خيمتهم "بعدما عالجت أبني أضطررت للعودة إلى المخيم".

وتساءل هذا الشاب وهو أب لأربعة أطفال "هل يعقل أن نبقى في مخيم بدون عمل كأننا في سجن منذ ثلاث سنوات، حيث نأكل وننام بدون أمل لتحسين أوضاعنا والعودة للديار"؟

وأخبر مكتب دائرة الهجرة والمهجرين في المحافظة، بأن نحو 25 عائلة تغادر يوميا منازلها المدمرة في نينوى للعودة مجددا إلى مخيمات النازحين بحثا عن خدمات أفضل.

ويقول رئيس المكتب خالد إسماعيل "شاهدنا على مدار الـ18 شهراً الماضية هجرة عكسية وعودة إلى المخيمات أو إلى إقليم كردستان المحاذي لنينوى".

ويرى هذا المسؤول أن أسباب النزوح العكسي مختلفة وفقا للمناطق، منها ما يتعلق بالأوضاع الأمنية أو الظروف المادية والمعيشية أو عدم صلاحية دور العوائل المهدمة للسكن.

وعادت نحو 72 ألف عائلة إلى محافظة نينوى منذ نهاية المعارك وطرد تنظيم الدولة الإسلامية نهاية عام 2017، فيما عاد كثيرون إلى الجانب الشرقي من الموصل الذي بقي على حاله عند نهاية القتال ووجد السكان الذين عادوا المحال التجارية والمطاعم وأعادوا فتحها من جديد.

لكن الأمر ليس كذلك في المدينة القديمة في غرب الموصل، حيث ما زالت تلال من الأنقاض تقطع طرق وتعزل منازل مدمرة تقبع تحتها قذائف ومتفجرات وبقايا صواريخ وجثث متفسخة.

وتقول المنظمة الدولة للهجرة إن "ما يقارب 30 ألفا من العائدين إلى الموصل يعيشون ظروفا صعبة بسبب الدمار الذي لحق بالمنازل والمدارس والمباني العامة، وهو العدد الأكبر من أي مكان في العراق".

رغم كل ذلك تجبر العائلات الفقيرة اليائسة على تحمل كل ذلك والعودة للعيش هناك.

وعادت من بين هؤلاء صبيحة جاسم الأرملة المسنة التي للعيش مع أبنها وأحفادها الثلاثة في بيتهم الذي تعرض لدمار شبه كامل.

وتقول هذه السيدة (61 عاما) "لم نتمكن من مواصلة دفع إيجار البيت في أيسر الموصل".

وتضيف "عدنا إلى بيتنا رغم أنه غير صالح للسكن لتعرضه لقصف وانهيار غرفته العليا وتشقق جدرانه التي تتساقط منها مياه الأمطار في الشتاء".

وتتابع "ليس بيدنا حيلة إلا السكن فيه، فالبيت خطر علينا وقد يتهاوى سطحه وجدرانه المهدمة التي تنتشر عليها أثار الرصاص والذباب". وقالت بحسرة "ما نعيشه ليس حياة".