دياب كمن يسير في حقل ألغام مع أزمة لا مؤشرات على انفراجها

تشكيل حكومة تقتصر على ممثلين للأحزاب الراعية ولا تقطع مع نظام المحاصصة الحزبية والطائفية، يعد انفراجا لدى النخبة الحاكمة أكثر من كونه خطوة تنقذ لبنان من أزمة اقتصادية وسياسية استثنائية.
هل ينقذ رئيس وزراء لبنان المكلف حديثا لبنان من أزمة اقتصادة خانقة؟
لا مؤشرات عن دعم دولي للبنان في ظل إقباله على حكومة تدور في الفلك الإيراني
الحكومة المرتقبة تقبل على تحديات متناثرة بين رفض الشارع ومخاوف المستثمرين

لندن - انتهى لبنان لتوه من عقدة التكليف مع التوافق السياسي على الوزير السابق حسان دياب لتشكيل الحكومة الجديدة في خطوة شكّلت انفراجا لدى النخبة الحاكمة أكثر من كونها خطوة تنقذ لبنان من أزمته.

وبعد شهرين من تفجر أزمة سياسية دفعت لاستقالة رئيس الوزراء سعد الحريري الذي أعلن مؤخرا عزوفه عن ترؤس الحكومة الجديدة وفشل االتوافق على 4 مرشحين لخلافته، يأمل لبنان في الخروج من الأزمة الاقتصادية التي تعتبر الأسوأ على الاطلاق مع شح في السيولة والنقد الأجنبي وشلل في المصارف واشتراطات غربية للإفراج عن منح وقروض بمليارات الدولارات، في الخروج من المأزق، ما يضع على عاتق رئيس الوزراء المكلف مهمة غاية في التعقيد.

وبأصوات أغلبية خجولة بلغت 69 نائبا أخذ دياب مهمة تشكيل حكومة لبنانية جديدة، ينبغي أن تواجه الجزء الصعب بإنقاذ لبنان من أزمة مالية غير مسبوقة.

ويبدو دياب كمن يسير في حقل ألغام مع تفاقم الأزمة الاقتصادية وتعقيدات مشهد سياسي يشكل فيه حزب الله قوة وازنة تأثيرا واستقطابا، فيما ينظر لرئيس الوزراء المكلف كشخصية مقربة من الجماعة الشيعية التي فرضت عليها الولايات المتحدة حزمة عقوبات مالية مشددة وصنفتها على قائمتها للمنظمات الإرهابية.

وهذا في حدّ ذاته يثقل كاهل رئيس الوزراء الجديدة الذي قد يجد نفسه في موقع المدافع عن استقلاليته للخروج من مأزق الارتباط بحزب الله الذي يواجه ضغوطا غربية قد تعطل صرف المنح والقروض الدولية التي يراهن عليها لإنقاذ البلاد من انهيار اقتصادي يبدو حتميا.

ويتعين على دياب المكلف الذي تعهد بتشكيل سريع للحكومة في لبنان، الفوز بدعم المستثمرين والمانحين الدوليين، في ظل شكوك تحوم حول نجاحه في إخراج لبنان من أزمة اقتصادية خانقة باعتبار أنه مدعوم من حزب لاالله وحلفائه، وهذا من شأنه أن يعقد الجهود الرامية لتأمين مساعدات غربية.

وفي ظل امتلاك حزب الله وحلفائه لأغلبية برلمانية قد تعزز حصتهم في الحكومة الجديدة وباعتباره  الداعم الأساسي لرئيس الوزراء المكلف حديثا، يواجه لبنان عقبات قد تعرقل مساعي إنقاذ البلاد من أزمة اقتصادية تدفع لبنان نحو انهيار شامل، حيث تتردد دول غربية في الافراج عن دعم مالي لحكومة يهيمن عليها حزب الله أحد أبرز حلفاء إيران في الشرق الأوسط.

وينتظر رئيس الوزراء الجديد الذي يحظى بدعم حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر، ملفات حارقة من المعضلة الاقتصادية إلى المشاكل الاجتماعية وصولا إلى التعقيدات السياسية والتحالفات التي تثقل كاهل لبنان.

وتجمع كل المؤشرات على أن حكومة دياب المرتقبة ستكون حكومة مواجهة أولا مع الشارع اللبناني الذي يرفض تشكيلا وزاريا يعكس امتدادا لطبقة سياسية طالب منذ بداية الحراك الشعبي برحيلها، وثانيا مع المجتمع الدولي الذي يدرك أنها تمثل محورا سياسيا يدور في فلك إيران.

ويرى محللون أن الحكومة المقبلة ستقتصر على ممثلين للأحزاب الراعية، ما يشكل استنساخا للنخبة التقليدية الحاكمة وان بوجوه مختلفة، فيما يتمسك اللبنانيون بإسقاط نظام سياسي قائم على المحاصصة الحزبية والطائفية.

وعلى ضوء الوضع الراهن من المتوقع أن تزداد الأزمة الاقتصادية تعقيدا في الوقت الذي يعاني لبنان شحا في السيولة والنقد الأجنبي وواحدا من أعلى معدلات الدين في العالم، ما يعزز احتمالات التعثر في سداد الديون أو إعادة هيكلتها.

لبنان لا يحتمل أعباء اقتصادية أكثر في ظل استمرار الاحتجاجات المناهضة للسياسيين
لبنان لا يحتمل أعباء اقتصادية أكثر في ظل استمرار الاحتجاجات المناهضة للسياسيين

ويبدو عبء دين لبنان العام الذي يعادل حوالي 150 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي وما يشهده من عجز في المعاملات الجارية وعجز مالي، غير قابل للاستمرار حتى من قبل الاحتجاجات المناهضة للحكومة التي خرجت إلى الشوارع قبل شهرين.

وسيواجه لبنان اختبارا لقدرته على الوفاء بالتزاماته في 2020 في ظل ديون متراكمة بقيمة 10.9 مليار دولار مستحقة على مدار العام، بما في ذلك سندات دولية بقيمة 1.2 مليار دولار مستحقة في مارس/آذار.

ومازالت السندات السيادية الدولية متداولة بأقل من نصف قيمتها الاسمية، بينما ارتفعت عقود مبادلة مخاطر الائتمان بشدة، مما يشير إلى أن لبنان قد يكون في طريقه للانزلاق نحو تعثر في السداد، لكن ذلك قد لا يكون أمرا محتوما.

وقال فاروق سوسة الخبير الاقتصادي لدى جولدمان ساكس في مذكرة هذا الأسبوع "قد يكون مزيجا من الإصلاحات المالية وإعادة هيكلة الدين الداخلي كافيا لوضع المالية العامة على أساس مستدام دون الحاجة للتوجه صوب تعثر في سداد الديون الخارجية."

وحتى مع حدوث تعثر في سداد الديون، قد يكون لبنان قادرا على تخفيف التداعيات.

وقالت موديز في مذكرة إن حيازات البنك المركزي من الأوراق المالية الحكومية، تشير إلى أن لدى لبنان خيارات لإدارة الدين على المدى القريب، يمكن أن تحد من خسائر القطاع الخاص في حالة تعثر السداد.

وتدهور وضع ربط العملة بالدولار الأميركي المعمول به في لبنان منذ 22 عاما، ليقترب من نقطة الانهيار بفعل الأزمة السياسية والمصرفية في البلاد.

فمع فقدان الليرة ثلث قيمتها الرسمية تقريبا في السوق السوداء، يلوح خفض قيمة العملة في الأفق على نحو متزايد.

واستبعد محافظ مصرف لبنان المركزي رياض سلامة أي خطوة من هذا النوع، قائلا إن لدى الحكومة الوسائل للحفاظ عليها.

لكن قدرة البنك المركزي على الإبقاء على الربط ستتقلص دون إنعاش تدفقات رؤوس الأموال التي تشهد تراجعا وتعافي ميزان لبنان الخارجي.

وبحسب جولدمان ساكس، تقلصت احتياطيات النقد الأجنبي إلى 28 مليار دولار.

ويقول الاقتصاديون إن خفض العملة قد يكون ضارا في المدى القصير على الأقل، إذ أنه سيرفع التزامات لبنان الخارجية المرتفعة جدا بالفعل، مما يعجل بخطر التعثر في سداد الديون. ومن المرجح أيضا أن يذكي نيران التضخم الذي بلغ 1.3 بالمئة على أساس سنوي في أكتوبر/تشرين الأول.

وظلت البنوك لفترة طويلة بمنزلة دعامة هامة للإبقاء على حركة اقتصاد لبنان. فمن خلال استقبال ودائع ملايين اللبنانيين في الخارج والشراء في الدين المحلي للحكومة، ساعدت البنوك على دعم مالية الدولة، لكن ذلك النظام تداعى في ظل شح في الودائع الأجنبية مع انهيار للثقة في النظام المصرف والنظام السياسي كذلك.

وتراجعت ودائع غير المقيمين في القطاع المصرفي 5.2 بالمئة على أساس سنوي في أكتوبر/تشرين الأول، بينما يواجه لبنان نقصا في النقد الأجنبي، مما تسبب في فرض قيود على وصول اللبنانيين في الداخل والخارج لأموالهم بالبنوك.

وقال الرئيس السابق للجنة الرقابة على المصارف بلبنان وليد علم الدين والذي كان من الأسماء المرشحة لرئاسة الوزراء، إن "استعادة الثقة في النظام المصرفي يجب أن تشمل استعادة الثقة في الإدارة السياسية للنظام. هذه هي النقلة المالية التي يطالب بها الآلاف في شوارع لبنان."

وحذر علم الدين من أن خفض قيمة الودائع سيأتي "بنتائج عكسية" وبدلا من ذلك، يتعين أن تضمن الدولة الودائع المصرفية للمساعدة على استعادة الثقة.

استعادة الثقة في النظام المصرفي بلبنان يجب أن تشمل استعادة الثقة في الإدارة السياسية للنظام وهي النقلة المالية التي يطالب بها الآلاف في شوارع لبنان

ولبنان غارق في الركود ومازال تعافيه يعتمد بدرجة كبيرة على قدرة دياب على تشكيل حكومة جديدة وتبني الإصلاحات اللازمة لضمان دعم مالي من الخارج.

وفاز لبنان بتعهدات بأكثر من 11 مليار دولار في مؤتمر دولي العام الماضي مشروطة بالإصلاحات التي يخفق حتى الآن في تطبيقها.

ويبدو الحصول على مزيد من الدعم أمرا غير مؤكد نظرا لما يحظى به دياب من مساندة من حزب الله المدعوم من إيران وحلفائه.

فالسعودية والإمارات اللتان قدمتا عونا ماليا للبنان فيما مضى، بدتا أكثر تحفظا خلال الأزمة الأخيرة، بل وربما تقل رغبتهما في تقديم الأموال في ظل وجود دياب في السلطة.

وكان رئيس حكومة تصريف الأعمال بلبنان سعد الحريري يناقش سبل الحصول على مساعدة فنية من صندوق النقد والبنك الدوليين. لكن من غير الواضح ما إذا كان دياب سيسير على هذه الخطى، في حين يحذر بعض المراقبين من أن الولايات المتحدة، الداعم المالي الأكبر لكلا المؤسستين، قد تعارض أي صفقة بسبب دور حزب الله وحلفائه في اختيار دياب. وتعتبر واشنطن حزب الله جماعة إرهابية.