نجيب محفوظ السارد باللغة والتشكيل والسينما

الكاتب أشرف أبو اليزيد في يتناول كتابه "نجيب محفوظ السارد والتشكيلي" إلى الفنيات التشكيلية والسينمائية الموجودة في أعمال الروائي المصري.
انتشار الصيغ الفنية التعبيرية في فضاء عربي يجعلها تنهل من أدب محفوظ الثري
رواية "رادوبيس" أبرز عمل يكشف علاقة الأديب بأحد عناصر التشكيل

القاهرة - من أحمد مروان
يتطرق الكاتب أشرف أبو اليزيد في كتابه "نجيب محفوظ السارد والتشكيلي" إلى الفنيات التشكيلية والسينمائية الموجودة في أعمال الروائي العظيم، معتبرا أنه لا توجد أي مبالغة في الحديث عن الدور الاستثنائي الذي أدَّاهُ الروائي الكبير نجيب محفوظ وأثر به، في الثقافة العربية المعاصرة، وهو دور تخطى حدود فن  السَّرد الأدبي إلى فضاءات الفنون التي تماست معه.
يقول المؤلف: "وإذا كانت السينما أهم تلك الفنون، وأشهرها، فإننا نخص بكتابتنا فنّا آخر، هو التشكيل، نعتقد أنه لم يكن أقل تأثّرًا بأدب هذا السَّارد الفذ. ولا نقصُر الحديث على التشكيل بحدود التصوير الكلاسيكي، وإنما – كذلك – ننطلق إلى تلك الفنون الأخرى المرتبطة به، والدائرة في فلكه، مثل الحفر والرسم والكاريكاتير والشرائط المصورة والنحت، وصولاً إلى صناعة الكتب، وتصميم أغلفتها، وملصقات الأعمال الفنية والفعاليات الثقافية، بل والرسوم الجدارية".
ومن ضمن ما يراه الكاتب في فنيات الحضور التشكيلي عند محفوظ تضمن أعماله رسومات داخلية شارحة، مما يجعل احتمالية رؤية هذه الأعمال وقد وضعت قدميها الراسختين على أرض الروايات الغرافيكية والرسوم المتحركة، ويعتقد المؤلف أن انتشار هذه الصيغ الفنية التعبيرية في فضاء عربي سيجعلها تنهل من أدب محفوظ الثري والحيوي والتاريخي في آن.
رادوبيس

نجيب محفوظ
الفنان يحضر في كل اعماله

أما أبرز عمل يكشف علاقة الأديب بأحد عناصر التشكيل تكشفها روايته المبكرة "رادوبيس" حين قدَّم محفوظ لنا الصبي الفنان المصري القديم "بنامون" رسام جدران الحجرة الصيفية من مقبرة الأميرة رادوبيس. وتؤكد تلك الرواية عناية الكاتب بتقديم رسم المقابر فنّا متخصصّا بخطواته، وتقدير رساميه، بشرًا لهم مواهب وقدرات، حتى إن ذلك الفنان الصغير يصبح عشيق الأميرة الساحرة، مثلما كان اهتمام محفوظ اللافت بالفن كامنًا حاضرًا لديه، كاتبنا، يبثها في رواياته، من حين لآخر.
وحسب وجهة نظر أبو اليزيد أن ارتباط محفوظ  بالفنانين حوله، مصورين، وسينمائيين، حتى في دائرته القريبة ضمن أصدقائه الحرافيش، وعمله المرتبط بالسينما، وأبطالها، وبطلاتها، وكتابها، ومخرجيها، جعل الفن جزءًا ركينًا من نسق رؤيته للعالم، فلا بد أن يحضر الفنان في أعماله الروائية، أيًّا كان الفن الذي يمارسه.
فالسينما عند الراوي الطفل في "المرايا" هي جزء أصيل من ذكريات الطفولة، كما أن أعضاء شلة طقشتمر" متعلقون بالسينما لا يتغير أو يفتر تعلقهم بها مع انتقالهم من الطفولة إلى المراهقة وعتبات الشباب، ودخول السينما في "بداية ونهاية" طقس بين المحبين والمخطوبين، حتى إن أشخاصًا سينمائيين عاصرهم نجيب محفوظ نقلهم من واقعه إلى كتاباته، مثل المنتج السينمائي في "دنيا الله" والمصور السينمائي في "الحب تحت المطر"، ونقاد الفن في "الشحاذ"، والصحفي الفني في "ثرثرة فوق النيل"، والمخرج في قصة "زينة" ورواية "الحب تحت المطر"، والممثلات والممثلين في "بداية ونهاية" و"ميرامار" و"المرايا"، وغيرها، وهؤلاء في هذه الأدوار جميعًا يقدمون زوايا رؤية نجيب محفوظ لعالم السينما، والتي لم تكن في معظمها ذات نظرة إيجابية، ولعل لهذا الرأي علاقة وطيدة بعمله هو نفسه في السينما، كاتبًا للسيناريو ورقيبًا.
كما يرى المؤلف أن علاقة محفوظ نفسه بالفن التشكيلي، بالذات، تبين دقة تصوير السرد للفضاء التشكيلي، وتدل أيضا على عناية نجيب محفوظ التامة به. ويستدل على ذلك مثلا برواية "زقاق المدقط حين يتحرك المعلم كرشة وسط مفردات سوداء تشي بسواد حياته؛ كما يبتكر نجيب محفوظ ألوانًا للمكان كما في رواية "ميرامار"، فمرة تبدو "أرض الشوارع السنجابية" لونًا فريدًا، خصوصًا في بيئة تخلو من السناجب .
الجدير بالذكر أن كتاب "نجيب محفوظ السارد والتشكيلي" لمؤلفه أشرف أبو اليزيد  صدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2018 ويقع في نحو 177 صفحة من القطع المتوسط. (وكالة الصحافة العربية)