نحو نظام سياسي اقليمي جديد

ليست العلاقة بإسرائيل مطلوبة لذاتها. ولكن هناك متغيرات سياسية في المنطقة تجعل إعادة النظر في أبعاد تلك العلاقة ضرورية.
القيادة الفلسطينية ألزمت العرب بخيار صار على العرب أن يدافعوا عن الأخطاء التي تخللته
الجامعة العربية ظلت عاجزة عن رؤية مظاهر الخطر الإيراني الذي دُقت أجراسه منذ أربعين سنة
الفلسطينيون يتعاملون مباشرة مع إسرائيل لكنهم ألزموا العرب بالبقاء على موقفهم القديم
التنظيمات الارهابية التي ستخلفها إيران في المنطقة لن يكون من اليسير التصدي لها بالأساليب التقليدية

ليس المطلوب التخلي عن المؤسسات السياسية العربية التقليدية كالجامعة العربية. نقد تلك المؤسسات من خلال مراجعة عملها عبر العقود الماضية هو المطلوب دائما، من غير أن يكون هناك سقف زمني. ذلك يعود سببه إلى أن تلك المؤسسات قد انتهى زمنها وهي لم تواكب المتغيرات والتحولات السياسية في المنطقة ولم ترتق إلى المستوى الذي يجعلها مرئية حين الأزمات.

سقطت تلك المؤسسات غير مرة في فخ تبعية دولة ما. ذلك ما دفع بها إلى ارتكاب أخطاء مصيرية أضرت بدول أعضاء من غير أن تكون نافعة على مستوى الاجماع العربي. بسبب تلك الأخطاء صار العالم العربي أكثر ضعفا وفقد الكثير من أسباب قوته.

لم تلتفت تلك المؤسسات مثلا إلى أن الفلسطينيين قد تصرفوا بالقضية المركزية على هواهم وخفية حين وقعوا اتفاق أوسلو. لم تقل الجامعة العربية رأيها بذلك الاتفاق الذي كان مخططا له أن ينهي الصراع فإذا به يذهب بالفلسطينيين إلى متاهة، صار الخروج منها أمرا صعبا. ذلك يعني أن القيادة الفلسطينية ألزمت العرب بخيار صار على العرب أن يدافعوا عن الأخطاء التي تخللته ووضعت حدا لكل تفكير مغاير في الشأن الفلسطيني.

ما يجب الاعتراف به أن مؤسسة سياسية كالجامعة العربية والتي تم استعمالها لتمرير مشاريع مشبوهة كان الغرض منها تدمير سوريا كانت في الوقت نفسه عاجزة عن رؤية مظاهر الخطر الإيراني الذي دُقت أجراسه منذ أربعين سنة حين وقعت حرب إيران على العراق. يومها بدا واضحا أن مؤسسة العرب الجامعة لم تكن قادرة على تعبئة نظام سياسي اقليمي يكون من شأنه أن يمنع تآكل الإرادة السياسية العربية من الداخل.

كان واضحا يومها وباعتراف رأس السلطة الإيرانية وهو الخميني أن إيران تسعى إلى احتلال العراق. كان ذلك كفيلا بأن يُعاد النظر في العلاقات المريبة التي تجمع بين بعض الأنظمة العربية والنظام الإيراني. ذلك لم يقع. وهو ما مهد لحاضرنا الكئيب.

هناك مَن اعتبر إيران دولة شقيقة فيما صار العراق عدوا.

في السياق نفسه فقد تعامل الفلسطينيون مباشرة مع إسرائيل باعتبارها دولة صديقة غير أنهم ألزموا العرب بالبقاء على موقفهم القديم الذي يرتكز على اعتبار إسرائيل دولة عدوة.

في سياق تلك النظرة يحق للفلسطينيين التعامل مع إسرائيل غير أن الدول  العربية لا يحق لها القيام بذلك وإلا أعتبر الأمر تطبيعا، هو نوع من الخيانة. 

ذلك ليس مقياس عادل لإقامة نظام سياسي اقليمي جديد في المنطقة.

ليست العلاقة بإسرائيل مطلوبة لذاتها. ولكن هناك متغيرات سياسية في المنطقة تجعل إعادة النظر في أبعاد تلك العلاقة ضرورية. أولا لقهم ما يجري غلى المستوى الفلسطيني وثانيا من أجل التفرغ لتحجيم الخطر الإيراني.

لا مجال للمقارنة بين إسرائيل وإيران.

لقد فاخرت إيران بأن أمبراطوريتها تمتد من البحر المتوسط إلى البحر الأحمر. أما عداء إيران لإسرائيل فقد كان عبارة عن فقاعة نظرية كان القصد من ورائها نشر العمى بين صفوف المضللين لكي لا يروا حقيقة المشروع التوسعي الإيراني. السفارة الافتراضية التي أقامتها إيران في القدس هي خير دليل على ذلك التضليل المستمر.

كما أن إيران هي العدو الذي لا يقبل التفاوض.

لقد فاوض الفلسطينيون إسرائيل وخسروا غير أن باب المفاوضات لا يزال مفتوحا. ولكن على ماذا يفاوض العرب إيران؟ بأية لغة وكيف؟

يمكن للعرب أن يضغطوا على إسرائيل لكي تتخلى عن ضم الأراضي التي هي جزء من الدولة الفلسطينية المرتقبة. هناك حوار عقلاني يمكن أن يُجرى بين الطرفين في سياق القانون الدولي. ولكن كيف يتمكن العرب من الضغط على إيران لتنهي احتلال أذرعها للعراق واليمن ولبنان؟

ذلك سبب معقول للدعوة إلى ولادة نظام سياسي اقليمي جديد.

علينا أن ننظر إلى المستقبل. يجب أن لا تكون إيران جزءا من ذلك المستقبل إلا إذا قررت أن تعود إلى حجمها وهو ما سيتم قريبا بعد أن هشمت العقوبات الاميركية الجزء الأكبر من قدراتها الاقتصادية. ولكن ماذا عن أذرعها؟

تلك مشكلة ينبغي عدم الاستخفاف بها.

فالتنظيمات الارهابية التي ستخلفها إيران في المنطقة لن يكون من اليسير التصدي لها بالأساليب والنظم التقليدية. هناك حاجة ماسة لقيام نظام سياسي اقليمي جديد، يأخذ في نظر الاعتبار فكرة اجتثاث مخلفات إيران التي من شأن استمرارها أن يبقي العالم العربي رهين سلسلة من الأفكار المضللة التي تجاوزها الواقع العملي.