ندوة علمية دولية تتساءل عن الحينيّ في المَرَاس الفنّي المعاصر

المنستير التونسية تحتضن ندوة دولية متعددة الاختصاصات تبحث في "سؤال الحينيّ في المراس الفنّي المعاصر" نظّمتها الجمعية المتوسطية للفنون التشكيلية المعاصرة.
الندوة طرحت عددا من الأسئلة التي تنهل من عمق إشكاليات المشهد التشكيلي المعاصر
الندوة دعت إلى التفكير في الإبداعات الفنيّة في إطار إشكالية الآنية

بدعم من وزارة الشؤون الثقافية، احتضنت مدينة المنستير (180 كلم جنوب العاصمة) ندوة دولية متعددة الاختصاصات تبحث في "سؤال الحينيّ في المراس الفنّي المعاصر" نظّمتها الجمعية المتوسطية للفنون التشكيلية المعاصرة بالمنستير، خلال شهر ديسمبر/كانون الأول الجاري.
ندوة هذا العام انتظمت بمشاركة عدد مهم من الأكاديميين والباحثين المختصين في الفن التشكيلي المعاصر قدّموا 17 مداخلة علّمية من بينهم محمد بن حمودة الذي تحدث عن "الحينيّ وموت الإنسان الغيتانبرغي" وأنس الجموسي التي قدمت مداخلة عن "الحيني الفوتوغرافي بين الخيال والتوثيق" كما قدمت ياسمين الحضري شهادة بعنوان "زمن الانتظار: اقتناص، تسجيل فعرض اعتمادا على تجربة فنية ذاتية"، أما عفيفة شوشان فقد تحدثت عن "الآنية وهشاشة المرئي  بين المعطى الانفعالي والدلالة المتحولة: قراءة في فوتوغرافيا صفاء مزيرح"، وقدمت تقوى بن فرج قراءة في أعمال كريستيان بولتاتسكي.
ندوة "سؤال الحينيّ في المراس الفنّي المعاصر" طرحت عددا من الأسئلة التي تنهل من عمق إشكاليات المشهد التشكيلي المعاصر، من بينها: هل يمكن اِعتبار ما قامت به عديد التجارب الفنيّة تعبيرا عن رغبة آنية في تجاوز المعطى التاريخي؟ أم نعتبر ذلك دعوة ملحّة إلى التفكير في التاريخ على غرار تجربة "بولتانسكي" الذي يستعيد أحداث طفولته عبر الصورة الفتوغرافية، وتجربة التواريخ المرسومة لـ "آون كاوارا" في سبعينيات القرن الماضي؟
وفي ضوء هذه الأسئلة دعت الندوة إلى التفكير في الإبداعات الفنيّة في إطار إشكالية الآنية، كما تسعى إلى اِستكشاف خطابات ودراسات جديدة تخوض في العلاقات القائمة بين الفعل الإبداعي وآنية الفعل في اِختصاصات مختلفة تراوح بين فنون العرض والتشكيل. حيث يرى المختصّون أنّ البحث في آنية العمل المعاصر مسألة معقدة تتطلب إلماما بحيثيات العملية الإبداعية في علاقتها بزمن الإنشاء، زمنٍ أو لحظةٍ يقع إيقافها وأسرها داخل إطار بحسب خصوصية العملية الفنية.
وكثيرا ما يتحدث المختّصون عن فاعلية الآلة الفوتوغرافية وقدرتها على حبس أو كبح مسار الزمن في آنيّته، وهي عملية تثبيت وتأطير للحظة فنيّة هاربة عبر الوسيط الفوتوغرافي وإعلانٍ عن ميلادٍ جديد لتلك اللحظة في هيئةٍ وتشكيلٍ جديدين، هي لحظة ميّتة "Instant mort" توقفنا عند مفارقة الحياة والموت في العمل الفني.
ولعلّ تلك المفارقة هي ما يميّز العملية الإبداعية المرتبطة بفنون المسرح والموسيقى وعروض الأداء "performance" على وجه الخصوص التي تتشكّل في الهنا والآن، هي فنون الزمن بامتياز حيث تكون العلاقة أكثر اِمتدادا وتعقيدا بحضور جسد الفنان في فضاء اللعب ليشهد إنشائية الفعل وفناءه في الآن ذاته، فعلٌ لا يمكن أن يُعاد بنفس الطريقة مرّتين، إذ يشكّل الفنان زمن التمثّل "représentation" زمنٌ يندمج فيه الإحساس أحيانا بطريقة فينومينولوجية عبر جذب اِنتباه المتلقّي للتفاعل مع العمل الفني.

كتاب يوثّق أشغال الندوة
ولتوثيق فعاليات الندوة، تمّت طباعة المداخلات في كتاب وُضع على ذمّة المشاركين والمهتمّين بالشأن التشكيلي التونسي المعاصر ويمكن أن يمثّل مرجعا لدارسي الفن التشكيلي في تونس وخارجها.
ويقول صادق زيان إنّ هذا الإصدار يتناول أشغال الندوة العلمية حول "سؤال الحينيّ في المراس الفنّي المعاصر" وهي بادرة سنوية دأبت على ترسيخها الجمعية المتوسطية للفنون التشكيلية المعاصرة بالمنستير برئاسة الفنان محمود قفصية، "إيمانا من المشرفين عليها بأنّ مسألة البحث في الفنون ملزمة تتنزّل ضمن مشروع الجمعية في توثيق وأرشفة الدراسات العلمية لمجموعة من الباحثين الجامعيين، وتكريس النهج الإبداعي المنتَج والمنتِج، ومثل هذه الإصدارات تمثّل مكسبا وإثراء للمكتبة الوطنية في مجال النقد الفنّي".
وأضاف زيان "ننشر في هذا الكتاب أشغال الندوة العلمية المتعددة الاختصاصات حول مسألة الحينيّ في التعابير الفنية سواء التشكيلية أو الموسيقية أو المسرحية أو السينمائية المعاصرة، وهي مسألة مهمة تتصل بحقول معرفية وإبداعية مختلفة، وهي على اختلافها توثّق في آن واحد صلات التلاقي ومجالات التنافذ والتلاقح فيما بينها."
وواصل "ولعلّ الوقوف عند تشكّلات الحينيّ في الممارسات الفنية مسألة محفوفة بالمخاطر ولاعتبار أنّ الزمن الممارساتي يظلّ عنصرا منفلتًا بطبعه ومغامرة تمثيله أو تثبيته تبقى من الصعوبة بمكان".
وقال زيان "إنّ البحوث الموثقة في هذا الإصدار تخوض في مسائل مختلفة منها ما يتعلّق بمسألة الحينيّ بين غزو الوسائط الإعلامية وموت الإنسان الغيتانبرغي استنادا إلى مقاربة امبرتو ايكو السيميائية الجمالية، ومنها ما يتعلّق بالعابر والزائل الخاضع لتأثيرات الطبيعة وآليات تثبيت ذلك العابر وتوثيقه عبر الوسيط الإلكتروني ليتحوّل من منجز في الواقع إلى صورة في المواقع. ومنها ما يخوض في الصورة الفوتوغرافية ضمن تناولات مختلفة راوحت بين الوسيط الفوتوغرافي والمعطى الزمني استنادا إلى نظريات فلسفة الفن وتنظيرات مارتن هايدغر على سبيل الذكر لا الحصر، وهو ما يطرح أكثر من تساؤل حول مفهوم الحينيّ ولحظة الإنشاء المنفلتة".