نرجس محمدي ونوبل ووصاية نظام الولي الفقيه

ستكون نرجس محمدي قدوة الإيرانيين في النضال الناعم.

نرجس محمدي (51 عاما) محكوم عليها بثمان سنوات سجن والسبب أنها تصر على عدم ارتداء غطاء الرأس الخاص بالنساء والمسمى "حجابا".

الحائزة على جائزة نوبل وهي في السجن ليست ضحية سوء فهم بقدر ما هي رمز لكفاح، يقع خارج أنواع الكفاح المعروفة والسائدة في عالمنا اليوم.

لقد تجاوزت البشرية الحكاية الإيرانية التي تميز بين الرجل والمرأة بطريقة عنصرية، ظاهرها أحكام (دينية) تعسفية وباطنها نظام ذكوري يعامل المرأة على أساس كونها كائنا أدنى درجة من الرجل وليس عليها سوى أن تلتزم بما يُفرض عليها من ملبس.

بعد مقتل مهسا أميني على يد شرطة الأخلاق لم يسع النظام إلى عقد هدنة مخادعة مع النساء اللواتي خرجن بتظاهرات غاضبة لمقتل الشابة التي أُتهمت بالتحريض على التعدي على الأخلاق العامة بسبب إصرارها على عدم ارتداء "الحجاب" بطريقة أصولية بل لجأ إلى ممارسة كل أنواع القمع من أجل إعادة النساء إلى حظيرته.

غير أن النظام المتخلف الذي حكم إيران منذ أكثر من أربعين سنة في إطار دولة "دينية" رثة وبالية لم يدرك حقيقة أن النساء اللواتي تظاهرن احتجاجا على مقتل أميني يملكن مفاتيح المجتمع الذي بقي ينأى بنفسه بعيدا عن املاءات رجال الدين الذين انصب همهم على إحياء مفاهيم الذكورة من خلال القوة العسكرية التي كان الحرس الثوري يمثل القوة الضاربة التي تحمي النظام من أعدائه.

وإذا كان النظام قد اتجه بحرسه الثوري لضرب معارضيه في الداخل ممَن حاولوا أن يبيضوا صفحته من خلال إعلانهم النأي بأنفسهم عن التيار السياسي المتشدد من غير المس بسلطة الولي الفقيه المستلهمة من وكالته للإمام الغائب فإنه اكتشف أن هناك عدوا أكثر خطرا على مستقبله، ذلك لأنه يضع الحرية والكرامة الإنسانية شرطين للتفاوض معه. كانت نساء إيران اللواتي خرجن "على الطاعة الذكورية" هو ذلك العدو الذي لا يمكن اعتقاله بيسر. ففي كل بيت إيراني شيء منه. شيء يمكن أن ينشر عدواه.

من المعروف أن النظام الإيراني لا يعترف بشرعة حقوق الإنسان. فهي من وجهة نظره مجرد لائحة وضعية تتعارض مع شريعته الدينية. كما أنه لا يهتم كثيرا باحتجاجات الرأي العام العالمي. يُقال إن الخميني حين عرف في السنة الأولى من حكمه ن هناك احتجاجات عالمية على المحاكم التي كان يجريها خلخالي في الشوارع لمعارضي النظام قال "فلنعدمهم من غير محاكمات". أما مع المرأة وهي كائن لا يملك مكانة معتبرة من وجهة نظر النظام الإيراني فإن الأمور ستكون أسوأ. لذلك قُتلت مهسا أميني وأُعتقلت مئات النسوة، من بينهم نرجس محمدي التي حُكم عليها بثمان سنوات كما لو أنها ارتكبت جريمة.

حتى بعد منحها جائزة نوبل للسلام فإن النظام لم يتراجع عن موقفه. فهو إن فعل ذلك سيكون كمَن يعترف بخطأه وسيسمح لملايين النسوة في إيران في أن يصنعن أفلاما توثق لحظة تخلصهن من غطاء الرأس وهي لحظة تاريخية، من شأنها أن تقدم إيراناً أخرى إلى العالم. هي إيران النساء المتحررات من هيمنة النظام الذكوري الذي اتخذ من الدين واجهة لجريمة التمييز ضد النساء. من المؤكد أن نظام الولي الفقيه اعتبر جائزة نوبل جزءا من المؤامرة الناعمة التي تهدف إلى زعزعته وتشجع الإيرانيين على المضي في طريق الاحتجاج السلمي التي سيكون عنوانها هذه المرة امرأة أسمها نرجس محمدي. وهي ليست زعيمة سياسية، بل هي واحدة من بنات شعب يسعى إلى إستعادة حريته وكرامته الإنسانية.

نرجس محمدي واحدة من نساء إيران المقاتلات من أجل الحرية. وهي تقدم صورة عن المجتمع المدني الذي لا يزال برغم هيمنة الحرس الثوري يقاوم الدولة الدينية بكل شروطها المتخلفة. نساء إيران يقفن على الجبهة التي هُزم فيها المعتدلون. غير ان المعركة اليوم مختلفة. فالمرأة لا تُقاتل بأدوات سياسية وهي موجهة أصلا في اتجاه هيمنة رجال الدين وفي مقدمتهم الولي الفقيه. إنها معركة وجود ومصير. انتصار المرأة في تلك المعركة معناه نهاية الدولة الدينية وهو ما يعني نهاية وصاية الولي الفقيه. وهي لذلك معركة النظام الأخيرة. ولا أظن أن النظام سيحسمها لصالحه. فهو يواجه لأول مرة المجتمع الإيراني الذي تجسد المرأة مثله الأعلى.

ستكون نرجس محمدي قدوة الإيرانيين في النضال الناعم.