نزار قباني ناثرا

الناثر يؤمن بجدوي الكلمة، ووظيفة الشعر الإجتماعية من منظور جمالي.
العالم العربي بحاجة إلي جرعة شعر بعد أن جف فمه وتخشب قلبه
شاعر اللغة المسمارية التي لا يمكن تفكيكيها يستحق الحبس

كلنا يعرف الشاعر الكبير نزار قباني، ولكنه لم يشتهر بنثره كما اشتهر بشعره، والحقيقة ان نثرة في غاية الروعة والجمال، ويحمل طاقات شعرية وفكرية هائلة، ويحتفظ بنفس خصائصه من حيث السهولة، والصعبة فى نفس الوقت علي موهبة أخري غير موهبة نزار، او موهبة كبيرة مثلها. 
يؤمن الناثر بجدوي الكلمة، ووظيفة الشعر الإجتماعية من منظور جمالي، يقول: "لماذا لا يكون الشعر شجرة يأكل منها الجميع .. ثوبا يلبسونه .. ولغة مشتركة يتكلمونها .. العالم العربي، أيها الأصدقاء، بحاجة إلي جرعة شعر بعد أن جف فمه .. وتخشب قلبه ..  إن الشعراء أيها الأصدقاء، مدعوون لغرس السنابل الخضراء في كل زاوية من زوايا الوطن العربي"  (ص 286  كتاب "الأعمال النثرية الكاملة - نزار قباني" المجلد الثامن).
والأدب ليس ليحمل القراء على الناحية الجمالية المخملية، إنما يسعى للتثوير والتغيير، يقول: "قد تكون الرحلة متعبة، وقد تحرمكم النوم والطمأنينة، ولكن من قال إن وظيفة الشعر هي ان يحمل لأجفانكم النوم، ولقلوبكم الطمأنينة ... إن وظيفة الشعر هي ان يغتال الطمأنينة .." (ص 230 – سابق).
ويشير لأهم الأدوار الأدبية للأديب، وهي استشراف المستقبل، ليكون زرقاء اليمامة لقومه، ينجو بهم من المخاطر، يقول: "مهمة الشاعر أن يكون جهاز الرصد الذي يلتقط كل الذبذبات، والإهتزازات والإنفجارات التي تحدث في داخل الأرض، وفي داخل الإنسان إن جهازه العصبي يجب أن يظل 24 ساعة في 24 ساعة في حالة استنفار ورقابة، بحيث يستوعب كل حركة تحدث تحت أرض التاريخ كما تتحسس الخيول بقرب سقوط المطر قبل سقوطه.
وهوائيات الشاعر هذه، تسمح له بأن يسمع أسرع من غيره، وأقوى من غيره، وبهذا المعني يأخذ الشعر مدلول النبؤة، إن الشاعر ليس منجما ولا ساحرا، وليس عنده مفتاح الغيوب، ولكن أهميته في أن يسبق الآخرين بثانية، أو بجزء من أجزاء الثانية في اكتشاف الحقيقة، ويقدمها لهم على طبق من الدهشة" (ص 192 - 193 سابق). 

nizar
وظيفة الشعر هي ان يغتال الطمأنينة

ويؤمن الناثر بأن التغيير لا يأتى دفعة واحدة، بل يحتاج للصبر لإنضاج الخير، فالزمن طبيب، وهو ماهر فى العلاج، يقول: "إن التجديد يحدث يوميا دون أن نراه، ويجري في أعماقنا دون أن نلاحظه .. ودون أن نستعجله، كما يأخذ الشتاء وقته لتحضير الأرض، ويأخذ الصيف وقته لإنضاج الثمر .. ويأخذ الربيع وقته لإنجاز الديكورات الجميلة التي وعد بها الأرض إن الفصول لا تزاحم بعضها ولا تتقاتل" (ص 191 سابق).
والتغيير ليس سهلًا، فالمعوقات التي تحول ضده كثر، ففي سؤال للناثر: أصبح اسمك مقترنا بالقصيدة الأزمة، فكل كلمة تنشرها تحدث ردود فعل بين مؤيد ومعارض، لماذا أنت وحدك دون سائر الشعراء تقف علي حد الخنجر؟ فرد قائلًا: "منذ عام 1944 أنا أقيم بين أسنان التنين، (إرنست همنجواي) كان يقول إن الكاتب الحقيقي هو الذي يقف على الحد الفاصل بين الحياة والموت ..  حين تريد أن تؤسس عالما جديدا علي أنقاض عالم قديم .. فإن كل حجر يصرخ في وجهك وكل الأشجار المقتلعة تقف في طريقك" (ص 179 سابق).
وفى موضع آخر يقول: "إنني لا أشعر أنني على قيد الحياة إلا حين تتساقط الحجارة على زجاج نافذتي في هذه اللحظة أشعر أن جرعة الشعر التي أعطيتها للناس بدأت تتفاعل في دورتهم الدموية .. وأن الزلزال الذي كنت أحتفظ به في داخلي قد انتقل إليهم عندما أنشر قصيدة ولا يرجمونني بسببها .. أشعر أنني مريض وتبدأ حرارتي بالإرتفاع" (ص 172 سابق).
ونختم برؤية الناثر لقضية الكتابة نفسها، وكيف تكون: "الكتابة هي فتح واختراق ومغامرة والشاعر الذي يخاطب الأمة العربية في هذه المرحلة الحارقة من تاريخنا بالفوازير والكلمات المتقاطعة وبلغة مسمارية لا يمكن تفكيكيها هو شاعر يستحق الحبس".