نسيانات سمرقند الجابري في رابط أغنيتها الساحرة

الشاعرة العراقية تقدم في مجموعتها الشعرية الجديدة أكثر من أربعين قصيدة نثر قصيرة اتخذت من الحب والحياة والطبيعة ثيمات اشتغال هادئة.

"رابط لأغنية ساحرة" هذا هو العنوان أو ثريا نصوص شعرية للشاعرة سمرقند الجابري صدر ضمن كتاب عن منشورات الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق، وهو مجموعة شعرية تتضمن أكثر من أربعين قصيدة نثر قصيرة، اتخذت من الحب والحياة والطبيعة ثيمات اشتغال هادئة ومنسابة كماء نهر عذب.

من الإهداء نتعرف على ما تريد الشاعرة إيصاله، فهي تدعو لفرض الحب واقعاً في مجتمعنا حيث تقول في ذلك الإهداء:

الى عشاقي السبعة

الذين فشلوا في بإهدائي

رابط أغنية ساحرة.

لا يختلف اثنان على أن الأنثى هي الأكثر قدرة على العطاء على مستوى العاطفة، فهي الميالة دوماً إلى التهدئة ومخاتلة الوجع عبر ابتسامة حتى ولو كانت ساخرة، وسمرقند الجابري هي من النوع الذي يخاتل الألم عبر منظومة خاصة تمتلكها، وهي منظومة الوعي التي تؤمن بأن الحياة تستحق أن نعيشها بكل أشكالها، لذلك هي تأخذ من روحها لتهب الآخرين السكون والسكينة، وذلك يتجلى في نصها "اختيار" الذي تقول فيه:

نقعت قلبي بالخلّ،

فتحت براغي رأسي

لألقي ذهني في الثلاجة

وضعت عصفوراً على الطاولة

وقلت له: غن لي

أريد جيشاً من النسيان.

في المجموعة هناك الكثير من النصوص الشعرية تمنحكم صورة واضحة عن التقنية الشعرية التي تمتلكها شاعرتنا والتي تبدع فيها من خلال التعبير العاطفي، وقد صادفتها في أكثر من صورة شعرية وقد اعتلاها سيل من الوله والهيام والولع الصوفي، رتبته وفق اندلاق الذات على طاولة الأنوثة الحقّة، لذلك لم يكن من الصعب على المتلقي لشعر سمرقند أن يعثر على ذاتها وهواجسها اللا متخفية كما يفعلن بعض الشاعرات اللوات يشفّرن حوارات العمق خشية ثورة القبيلة فهي تقول:

"بيني وبين المساءِ

ألف سرٍ

وسبعون حكاية

بيني وبين النهار

تفاصيل تجنيدٍ عسكرية

لذلك

أحتفل بطقوس استرداد نفسي".

الحسّ الصادق هو الذي يمنح النص الشعري العلاقة المطلوبة بين الشاعر والمتلقي، لذلك يجب أن يحرص الشاعر على توظيف كل أحاسيسه بداخل نصه الشعري دون الالتفات إلى جوانب مجتمعية قد تقيّد شعريته أو شاعريته، فالأدب ليس تجربة حسّية فحسب، بل هو اتحاد تجارب إن لم تدوّن كاملة فإنها في وقت آخر ستكون محض مذكرات غير مرتبة.

وحتما يبقى أسلوب الشاعر مرتهن بشخصيته، لذلك فهو يعكس داخله ويمثله تمثيلاً صادقاً.

تقول الشاعرة:

"كأني ..

نسيت أن أحبك جداً

خوفاً على وقتي

وأضع لك في حقيبتي أحياناً

تفاحة.. وقطعة حلوى..

وشريطاً لحبوب الصداع".

جنون هذا الوصف الذي تتخذه الشاعرة حين تضع مقصريتها تجاه حبيب حتى هي نسيت كيف تحبه، لكنه وليست معتذرة تقول له إنه مصدر كل لذتها ووجعها، حتى أنها تصف العذوبة والوجع، لكنها تتركه في حقيبة.

هل النسيان كان مقصوداً لدى الشاعرة أم أنها تضعه من باب مكابرة لتخبر حبيبها أنها ليست معنية بتذكر كل الأشياء حتى تلك الخصوصيات العالقة في الذاكرة الجمعية للحبيبين؟

واقع الحال في ذاكرة الرابط الرومانسي للشريط الغنائي الذي تريده الشاعرة سمرقند ليس سوى عشق مفضوح مع مصاحبة موسيقية موجعة فيها من العتب والحزن والشجن ما يضيع قبالة هدوء وسكينة الموجوعة بسبب رابط لأغنية ساحرة.