نصف دخل المصريين يذهب للطعام.. و«التيك أواي» يكسب!

القاهرة - من محمد جمال عرفه
مقاهي القاهرة دائمة الزحام

أكد أحدث تقرير مصري رسمي, يعكس أوجه إنفاق الأسر المصرية, أن هناك جملة من التغيرات طرأت على ميزانية الأسرة المصرية المخصصة للإنفاق على الطعام والشراب, مع تزايد الإقبال على تناول الطعام في مطاعم الوجبات السريعة والفنادق, وارتفاع أسعار السلع, حتى إن المصريين ينفقون أكثر من نصف دخولهم على الغذاء, بما يعادل 56 مليار جنيه سنويًا (الدولار يعادل أربعة جنيهات وربع).

فقد كشف تقرير عن أرقام الإنفاق السنوي بالجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري بأن المصريين ينفقون سنويا 15 مليار جنيه على اللحوم, تليها الحبوب بـ 9 مليارات، ثم الألبان بمقدار 5.7 مليار, فالخضر الطازجة والمجمدة بمبلغ 5.7 مليار جنيه, والفاكهة بمقدار 4 مليارات جنيه, وسجلت الأسماك 3241.674 مليون جنيه, والسكر والمربى 2678.210 مليون جنيه.

ومع أن زيادة استهلاك اللحوم والأسماك والدواجن والفواكه والخضراوات والألبان تعني تحسنا في مستوى التغذية, واتباع أسلوب غذائي سليم، إلا أن الدراسة أشارت إلى أن التقارير الصحية تشير إلى العكس, وهو انتشار أمراض سواء التغذية بين المصريين, مثل السمنة, والأنيميا, وقصر القامة, ونقص الكالسيوم والحديد, وبعض الفيتامينات المهمة. وأرجعت سبب هذا التضارب إلى زيادة الإقبال على الوجبات السريعة, التي تستأثر وحدها بأكثر من مليار جنيه سنويًا.

وقد اعتمدت الدراسة بشكل أساسي على المقارنة بين الوضع الغذائي للمصريين بين عامي 1996 و2000. وأشارت إلى أن نمط غذاء المصريين الآن يختلف عن نمطهم الاستهلاكي عام 1996, إذ أصبحوا يقبلون على اللحوم والأسماك والدواجن والفواكه والخضراوات والألبان, وقل اعتمادهم على النشويات والبقول والسجائر, وذلك لارتفاع مستوى المعيشة خصوصا في المدن بالمقارنة مع الريف, الذي ما زال أقل في معدلات الإنفاق عن المدن.

وعلى سبيل المثال بلغت جملة الإنفاق الاستهلاكي السنوي لمصر في أول كانون الثاني/يناير 2000، 127 مليار جنيه مصري في العام, منها 56 مليار جنيه على الطعام والشراب. وجاء توزيع هذا الرقم كالتالي 72527.7 مليون جنيه مصري في المدن و54789.8 مليون جنيه في الريف، بينما ارتفعت نسبة الإنفاق على المسكن ومستلزماته, وانخفضت نسبة الإنفاق على السجائر والدخان إلى 2.82 في المائة بالمدن و3.61 في المائة بالريف.

2.5 في المائة من الميزانية للمطاعم والمقاهي!

ومن أبرز ما كشفت عنه الدراسة الرسمية أن هناك بنودا جديدة دخلت على ميزانية الأسرة المصرية, إذ أشارت الأرقام لارتفاع نسبة الإنفاق على المطاعم والمقاهي والفنادق في كل من الريف والمدن لعام 1999 - 2000 عن عام 1995 - 1996 من 1.61 في المائة إلى 2.5 في المائة في المدن, ومن 0.72 في المائة إلى 1.45 في المائة في الريف.


الممثل ماجد المصري ليس استثناء
أما السبب الحقيقي لذلك فهو انتشار مطاعم الوجبات السريعة, وعروض المطاعم وجوائزها (سيارات – لعب أطفال – هدايا), وتنامي ظاهرة تناول الطعام خاصة وجبة الغداء خارج البيت علي النمط الغربي! وفي هذا الصدد أشارت الأرقام إلى أن جملة إنفاق المصريين سنوياً على المطاعم والمقاهي والفنادق بلغت 2.6 مليار جنيه.

ومعروف أن مطاعم الوجبات السريعة أميركية بالخصوص, وهي تعدت العشرة مطاعم, ونشرت سلسلة ضخمة من المطاعم في كافة أنحاء مصر, خصوصا في العاصمة القاهرة والمدن الساحلية, وتصل أعداد فروع بعضها إلى 100 فرع على مستوى كل أنحاء مصر, ويقبل عليها الشباب خصوصا.

صرف 3 في المائة من الدخل على التدخين!

وكان بحث ميداني مصري سابق أجراه الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في أوائل العام الجاري قد كشف عن أن الأسرة المصرية تنفق حوالي 45 في المائة من دخلها على الطعام والشراب، يليه الإنفاق على السكن, ثم الملابس, فالانتقالات, فالتعليم, ثم الرياضة والترفيه والثقافة، وأن جزء كبيرا من إنفاق بعض الأسر يذهب إلى التدخين, بما يعادل 3 في المائة من إنفاق الأسرة تقريبا.

وأكدت نتائج البحث, الذي أجري على 50 ألف أسرة مصرية من جميع محافظات مصر، وشارك في إعداده 7200 باحثا، وتكلف 3.5 مليون جنيه, تحت إشراف الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء وبنك الاستثمار القومي ومعهد التخطيط القومي وأساتذة الجامعات, أن هناك اختلالا كبيرا في أوجه إنفاق الأسرة المصرية.

وكشف البحث عن أن المصريون ينفقون, بعد الطعام والشراب, 18.7 مليار جنيه على السكن، و12.8 مليار على الملابس, و7.2 مليار على الانتقالات والاتصالات، و6 مليارات على التعليم, و5.6 مليار على الرياضة والثقافة والترفيه، و5.3 مليار على الخدمات والرعاية الصحية, و3.1 مليار جنيه على الأثاث والأدوات المنزلية, وتستحوذ الدروس الخصوصية للطلبة على 2.1 مليار جنيه من دخل الأسر المصرية.

وكشف البحث عن نتائج أخرى خطيرة منتشرة في العالم الثالث, من الإنفاق على أمور غير ضرورية، إذ تبين أن إنفاق المصريين على السجائر والتدخين يبلغ 4 مليارات جنيه سنوياً, يضاف لها مبلغ 2.6 مليار جنيه يجري إنفاقها على المقاهي والفنادق, خصوصا في ظل حالة البطالة العالية, التي تدفع الشباب للجلوس في المقاهي لقضاء الوقت.

وكشف البحث أيضا عن وجود 4.3 مليون أسرة يقل دخلها عن 3 آلاف جنيه سنويًا (250 جنيه شهريا بما يعادل حوالي 60 دولار), كما تبين وجود 2 مليون و768 ألف أسرة يقل دخلها عن 6 آلاف جنيه سنويًا، ووجود 6 ملايين و833 ألف أسرة يتراوح دخلها بين 6 آلاف جنيه و12 ألف جنيه سنوياً. كما كشف البحث عن وجود 4 ملايين و95 ألف أسرة يزيد دخلها السنوي على 12 ألف جنيه سنوياً.

وحرص إيهاب علوي رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات على التأكيد أن الأسر تحت خط الفقر لا يزيد دخلها يوميا عن دولار واحد كما تقول الأمم المتحدة، ولكن قيمة الدولار تختلف في الخارج عن مصر، ففي الخارج تمثل حوالي جنيها وسبعين قرشا مصريا (أي جنيهين إلا الربع تقريبا) وهو ثمن زجاجة مياه غازية في مصر، في حين أن الدولار في مصر مختلف ويعادل أربعة جنيهات (تعادل ثمن ثمانية زجاجات مياه غازية تقريبا), وهنا يحدث الاختلاف في تعريف خط الفقر.

وكانت تقارير اقتصادية مصرية قد أكدت أن المصريين ينفقون أيضا جزء كبيرا من دخلهم على الدروس الخصوصية لأبنائهم، وعلى المكالمات التليفونية عبر الهاتف النقال, الذي انتشر بصورة كبيرة, وبلغ عدد الخطوط المبيعة منه حتى الآن قرابة 4 ملايين خط (تعداد المصريين 67 مليون نسمة).

3 مليارات دولار على الحج

كما أثارت بعض الصحف المصرية والكتاب حجم المبالغ, التي ينفقها المصريون سنويا على الحج والعمرة، وتأثيرها على الاقتصاد القومي. إذ كشفت الأرقام الرسمية المعلنة عن أن المصريين ينفقون سنوياً ثلاثة مليارات دولار على الحج والعمرة، وهو مبلغ يعادل تقريبا دخل مصر السياحي كله، وأكثر من عائدات قناة السويس، وما يعادل إجمالي قيمة الصادرات المصرية مرة ونصف المرة.

وكان ذات الأمر قد أثير في أعوام سابقة، بيد أن ردود الأفعال المعارضة للخوض في هذا الأمر انتقدت محاولات تقييد الحج والعمرة، والحديث عن استنزافه للعملات الصعبة، إذ ينفق على التدخين أكثر مما ينفق على الحج والعمرة, وأن هناك أثرياء يستوردون "الأيس كريم" ولحم النعام، وربما عشاءهم من مطاعم باريس بالطائرة، وسلع كمالية أخرى بشكل يرهق الميزانية المصرية، بل إن الرئيس مبارك تطرق بنفسه لظاهرة الإسراف في شراء سلع كمالية من الخارج, ودعا للشراء من المنتج المصري, ووقف الإسراف.

فعلى سبيل المثال أكدت الإدارة المركزية المصرية للرقابة على الصادرات والواردات أن عددا من المستوردين المصريين قاموا باستيراد أطعمة غذائية تباع للكلاب والقطط المنزلية المصرية، تقدر بمليوني دولار خلال عام 1999 الماضي.

وكشف رئيس الإدارة في تقرير خاص تلاه أمام أعضاء شعبة المستوردين في الغرفة التجارية بالقاهرة عن أن هناك إقبالا من جانب المستوردين على استيراد السلع المربحة، مثل أطعمة الكلاب، التي تقبل عليها طائفة من الأثرياء الجدد والفنانين المصريين، وكذلك "الآيس كريم" المستورد، الذي استوردت مصر منه خلال نفس العام ما قيمته خمسة ملايين دولار!

ورغم ذلك فقد أكد تقرير شعبة الرقابة على الصادرات أن استيراد السلع "السفيهة" لا يشكل ظاهرة عامة تسبب القلق, إذ أن 83 في المائة من الواردات المصرية كانت من سلع يحتاجها المجتمع المصري، وتركزت في السلع والخامات ومستلزمات الإنتاج، والباقي يمثل سلعا ترفيهية.

ومع أن الحديث عن أطعمة الكلاب والقطط كان مثار سخرية الكثير من المصريين، فقد اصبح من المألوف الآن رؤية أطعمة الكلاب والقطط تباع في بعض المتاجر الكبرى بشكل بارز في القاهرة, خصوصا سلاسل المتاجر العالمية, التي افتتحت فروعا لها في مصر مثل "مترو" الألمانية. (ق.ب)