نظرات في عوالم البيروفي ماريو بارغاس يوسا

'المتهكم الذكي' يعد من أهم فرسان جيل الازدهار الادبي في أميركا اللاتينية وواحدا من افضل من سخروا السخرية السوداء في أعمالهم.

بدءاً، نقول إن الروائي والناقد والبروفيسور البيروفي ماريو بارغاس يوسا ( 1936 - ) يعد من أهم فرسان جيل الازدهار الادبي في أميركا اللاتينية، الجيل الذي نشط في خمسينات وستينات وسبعينات القرن الماضي، وضم الكتّاب المعروفين على نطاق عالمي؛ كارلوس فوينتس من المكسيك، وخوليوكورتازار من الأرجنتين، وغابرييل غارسيا ماركيز من كولومبيا، ايزابيل الليندي من تشيلي. وبالإضافة إلى التوصيف المذكور – جيل الازدهار، فانهم ،كلما ذُكرت الواقعية السحرية في الادب العالمي، ذكروا هم.

يستثمر بارغاس يوسا السخرية السوداء في عديد أعماله الروائية، ولذا كان من الالقاب التي اطلقت عليه "المتهكم الذكي" مثلا، رواية "العمة جوليا وكاتب السيناريو"، المترجمة الى العربية عام 2023، وقد كُتب عنها بأنها رواية غارقة في الفكاهة وحب المراهقين، وأنها رواية تتحدث عن سحر المدينة المفقودة، وبأنها "نوع من السيرة الذاتية لـ بارغاس يوسا".  تغمر قارئها بالسرور والبهجة، ويدرك حنين بارغاس يوسا إلى ليما – عاصمة البيرو- خمسينيات من القرن الماضي.  وهي رواية ممتعة "تمتلئ بالأشخاص الغريبي الأطوار وخطوط الحبكة التي تمزج الخيال بالحقيقة".

وهناك، رواية "بانتاليون والزائرات"، ترجمة صالح علماني، وقد صدرت بطبعات عديدة، آخرها عن دار الجمل 2022، وتدور أحداثها في البيرو، موطن الروائي، ويمكن إيجاز حبكتها بما يلي: بعد تلقي المؤسسة العسكرية في البيرو  شكاوى كثيرة عن  اعتداءات الجنود في مناطق الأمازون  على نساء الفلاحين وبناتهم، ابتكرت  هذه  المؤسسة  فكرة  تأسيس خدمة زائرات" نساء غانيات" يتكفّلن بتوفير المتعة الجنسية  للجنود. وللمفارقة، فإنها، أي المؤسسة العسكرية، تكلّف أشد ضباطها التزاماً في حياته العسكرية والاجتماعية النقيب  المُرقّى حديثاً بانتاليون بانتوخا بتأسيس خدمة دعارةٍ للقوات المسلحة، فيحقق نجاحاً باهراً فيها، انعكس على تسميتها شعبياً "بانتالاند"  لكن النجاح الباهر لبطل الرواية عسكرياً، لابدّ من دفع ثمنه الباهظ لجهة حياته العائلية، فتهجره زوجته بوتشيتا مع ابنتهما الحديثة الولادة، خاصة بعد انكشاف علاقته العاطفية مع أبرز نساء هذه الخدمة وأجملهن "أوليغا"، الامرأة الوحيدة من بين اللاتي يقدمن تلك الخدمة التي تجرأت على جسّ نبض عواطف بانتوخا، لما امتاز به من صرامةٍ في تعامله مع الزائرات. وهناك عوامل عديدة أدت الى انهيار هذه الخدمة، منها الحملة الشرسة التي قادها إعلامي إذاعي ممثلاً بشخصية سينتشي، لفضح هذه الخدمة، أو السكوت من جانبه عنها مقابل رشى. وكذلك التصادم مع مدنيين حاولوا خطف زائرات، الأمر الذي يؤدي الى مقتل البرازيلية اوليغا، فنعاها بانتوخا، وظهر في المقبر مرتدياً الزي العسكري، متجاهلاً أو متناسياً تحذيرات القادة الكبار بارتداء الزي المدني لاخفاء علاقة الجيش بالخدمة، فأدى ذلك الى انهيار تلك الخدمة. 

يندهش القارئ للاتقان المدهش للبناء الروائي المحكم في "بانتاليون والزائرات" حينما تتّحد الجدية الصارمة مع الفكاهة السوداء، تتراصّ هذه الملهاة " تقديم الخدمة الجنسية للجنود" مع السياقات العسكرية الرصينة، المتمثلة بالتقارير الدورية التي يبعثها بانتوخا الى كبار رؤسائه في الجيش، تقارير تمتاز باللغة البيروقراطية الرصينة، لتنتج لنا عملاً من أهم أعمال بارغاس يوسا.

  وترى الناقدة والاكاديمية السورية الاردنية شهلا العجيلي يثبت أنّ ما يصنع الروايات الجيّدة، أو الهامّة، ليس الأفكار الخطيرة، ولا الأحداث العظيمة، ففي الفنّ تغدو القضايا الكبرى الدينيّة والتاريخيّة والإديولوجيّة عموماً محض خيال، والرؤية الروائيّة هي التي تجعل من أيّة حادثة بسيطة حدثاً هامّاً في واقع النصّ. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، وفيما يتعلّق بفنّ الرواية، فأنت بحاجة إلى حكايات لا إلى أفكار فحسب. هذا لا يعني أنّ الرواية بعيدة عن التاريخي والدينيّ والسياسيّ والإديولوجيّ. إنّها تقاربهم، وتستعملهم من غير أن يستعملوها.

رواية "قصة مايتا" يستثمر فيها بارغاس يوسا التهكم السوداوي عن التطرف الثوري في دول العالم الثالث، البيرو، نموذجاً، ومآل فشل وهزيمة هذا التطرف، وانزلاق  موطن الروائي الى احداث عنف وحرب أهلية حدثت في البيرو بين عامي 1982 - 2000

تقع أحداث الرواية عام 1958، بطلها، مايتا  شخصية حقيقية قادت تمردا ثوريا  في عام 1958، بمعية  بعض المتطرفين اليساريين، المنتمين الى حزب العمال الثوري (التروتسكي)، الساعين الى قيام دولة اشتراكية في بلادهم، في الرواية يلتقي مايتا بملازم الشرطة باييخوس، وهو الذي حرض مايتا الى القيام بهذا الحراك الثوري، في اقليم خاوخا عاصمة البلاد السابقة.  

الراوي الأول هنا، هو الكاتب ذاته، أي يدخل كشخصية رئيسة في الرواية، وهذه احد التقنيات التي يحفل بها ادب بارغاس يوسا، وهي الرواية الصادرة بنسختها الاصلية عام 1986، هو يستنطق شخصيات الرواية، ويجمع شهادات عنهم عن التباسات قصة مايتا مع التغيير الثوري الذي يزمع مايتا القيام به  ومن هذه الشخصيات، شخصية خوسيفا اروسيوينيو، خالة مايتا وعرابته، مثلا هذا الحوار بين الكاتب واروسيوينيو " هل جرت هنا الحفلة التي تعرف فيها مايتا على باييخوس؟

هنا بالذات – تؤكد لي السيدة اريسوينيو ذلك.." لرواية: ص13، وعلى هذه الوتيرة يجمع الروائي المشارك في الرواية شهادات، تشكل البنية الأساسية للرواية، ساعياً إلى اثبات أن الوقائع الحقيقية مختلفة تماماً، وأنها - اي الوقائع-  أشد فقراً بكثير من التخييل الروائي، وليثبت أنه يمكن للرواية أن تكون أكثر غنى وإقناعاً من التاريخ.

ففي بلاد منكوبة تتعرض لغزو خارجي، وتتردى في أوضاع اجتماعية واقتصادية بائسة، وتطغى عليها ظلمة المجهول، يسعى الروائي - من خلال شهادات متعددة - إلى إعادة بناء قصة مناضل ثوري يدعى اليخااندرو مايتا، بطل محاولة ثورية محبطة في العام 1958، وسجين بعد ذلك عدة مرات في ظروف ملتبسة. وفي نهاية ذلك التقصي الطويل، تأتي المواجهة مع الواقع لتضع هذه القصة الكيخوتية في مكانها الدقيق. إنها رؤية مريرة وتراجيكوميدية لحالات التطرف الثوري والحنين الى الملاحم.

 ماريو بارغاس يوسا هو من الكتاب الذين يحذرون أقلامهم من أن تكتب شيئا سهلا في متناول القراء، فهو القائل في احدى حواراته "اني أفضل الأدب الجاد ،المقلق، الذي يشغل البال"، قصة مايتا لا تخرج عن هذا النوع من الأدب الجاد، فهي رواية تمنحنا الفرصة للارهاق العقلي والنفسي من تتبع طريقة سرده للقصة عبر نسقيين زمنيين يختلط فيهما زمن الراوي الأول (الكاتب) بزمن الرواة الذين يستجوبهم وبزمن ثالث هو زمن البطل فتتسع دائرة القصة لتصبح متاهة نخرج منها سالمين أحيانا ونخرج منهكين حين يوصد يوسا كل الأبواب ويجعلنا حبيسين لقصة رجل يشبه السراب في تخيل وجوده الفعلي.

 في قصة مايتا نلتقي بتاريخ مبتور،  تاريخ تكثر عاهاته ،شبه تاريخ وشبه واقع ،كل هذا في جسد روائي صادق. عبقرية يوسا تظهر في أنه نبي كذاب، يكذب ونحن نصدق بمحض ارادتنا الكذبة , هل في هذا اسقاط ما يا يوسا هل يريدنا أن نعتقد أن التاريخ في حد ذاته كذبة كبرى وأن كل الايديولوجيات لا تعدو أن تكون زوبعة في فنجان مكسر يقول يوسا "لن يكون ما سأكتبه هو القصة الواقعية بالفعل، انما رواية نسخة مختلفة جدا عن الواقع..بعيدة عنه، بل مزيفة ان أنت شئت" صفحة 97 ويعود في نفس الصفحة ليؤكد "انني واقعي، أحاول أن أكذب دائما في رواياتي وأنا أعرف السبب،  انه أسلوبي في العمل، وأعتقد أنها الطريقة الوحيدة لكتابة قصة بالانطلاق من التاريخ".

ونحن نقرأ قصة مايتا نجد أنفسنا نتسائل هل شخصية مايتا حقيقية، فنسرع بالبحث عنه في مواقع البحث عن اسمه وتاريخه فلا نجد له أثر في التاريخ فنضحك من أنفسنا ويضحك علينا يوسا فهو يكذب وأكد لنا ذلك مرارا ومع هذا نتعلق بأمل أن يكون التاريخ صادق، ما هذا الهراء، قلتها مرارا لكني سرعان ما أتراجع عنها لأؤكد عبقرية يوسا، مبدع لأنه يحكي واقعا بأسلوب فانتازي خيالي أو كما قال في الصفحة 399" أختلقت بيرو قيامية، تعيث بها الحرب والارهاب والتدخلات الأجنبية خرابا، ولن يتعرف أحد بالطبع على أي شيء وسيعتقد الجميع أنها محض خيال" يوسا هول لنا القصة حتى تصبح أكثر صدقا يزرع في عقولنا الشك، الشك المثمر الذي يدفعنا للبحث والبحث وهذا البحث ينتهي بنا الى تاريخ أكثر تنقيحا وهذا بالضبط ما يبحث عنه يوسا .

الملم ولو بالقليل من ترجمة حياة يوسا يستوعب أن الكاتب فيه شيء من مايتا أو أنه استخدم هذه الشخصية كرد راديكالي عن اليسار الاشتراكي الذي آمن به سابقا والذي ينكره الآن وهو المنضوي تحت تجمع ليبرتاد او تجمع القوى الديمقراطية المناهضة للماركسية الذي يمثل اليمين الليبرالي، من خلال مايتا يشرَح اليسار الاشتراكي في البيرو ويلومه على تعثر التقدم في البلد وهذا ما يظهر بشكل جلي في جعله مايتا شخص مخنث أو مثلي ولفظة مخنث أصابتني ببعض القلق لأني أرى استعمالها لا يتناسب مع شخصية مايتا وافضل كلمة مثلي, يقول يوسا في صفحة 417 حين سئل عن سبب جعله مايتا شاذا جنسيا "من أجل التشديد على هامشيته، ووضعه كرجل يغص بالتناقضات، وكذلك من أجل اظهار الأحكام المسبقة حول هذه القضايا بين من يفترض فيهم أن يحرروا المجتمع من عيوبه ,حسن,و لست أعرف بدقة لماذا هو كذلك"هذا هو جوهر قصة مايتا تحميل اليسار الاشتراكي مسؤولية تأخر البيرو عن نظيراتها من الدول في اميركا اللاتينية ولهذا اسباب عدة حاول يوسا رصدها في قصة مايتا بين انعدام الوعي والتشققات والخيانات التي تسببت في ترهل جسد الاشتراكية وزوال بريقها.

فمن هو مايتا ؟

في بداية القصة يخبرنا الراوي الأول (الكاتب) أن مايتا زميل دراسة زرعت فيه بذور الثورة منذ صغره وهو المتسائل "لماذا يوجد فقراء وأغنياء ابتاه، السنا جميعنا أبناء الرب؟" وبزهده وابتعاده عن الترف وتعاطفه مع الفقراء لحد الصوم والامتناع عن الاكل تتكون أول خطوات مايتا في درب الثورة، تستمر حياة مايتا مع حكاوي رواة آخرين عاشروه وتقاسموا معه ذكرياته التي يلمها الراوي الأكبر فنعرف منهم انخراطه في اليسار الاشتراكي ثم انتسابه للتروتسكيين ثم انشقاقه عليهم بعد تعرفه على بايخوس الذي وعده باليوم الموعود وقيام الثورة الفعلية في منطقة جغرافية تكدر مزاج مايتا وتنهكه جسديا ولعل يوسا اختاره عمدا لسبب في ذهن يعقوب، في خاوخا بايخوس يحدد مراحل الثورة والتمرد العسكري ويضل مايتا الى جانبه في حين تخلى عنه الجميع الا فتيان همهم الوحيد القيام بمغامرات أكثر من الثورة في حد ذاتها ويظهر هذا جليا في جهلهم بالنشيد الأممي واكتفائهم بالغناء والضحك وهم في طريقهم الى القرية مهد الثورة كما أرادوها ولعل هذا ايضا تعمده يوسا ليذكرنا أن اليسار في اساسه صبياني ولا يقوم على أسس جادة والا كانت الثورة قد نجحت، مايتا ملامح شخصيته تصبح كخيوط بيت العنكبوت يمسكها الراوي الأكبر ويستخدم لبنائها باقي الرواة فتأتي الشهادة صادقة أحيانا وأحيانا أخرى حاقدة وتجتمع كلها في حقيقة غائبة يصعب الوصول اليها، لن نخبر بنهاية مايتا وبحقيقته لانها جوهر القصة ولو أخبرنا بنهايتها سيفتقد القارئ متعة قراءتها لهذا ننصح وبشدة بقراءتها لانها تستحق القراءة والتمعن في كل أحداثها لنسقط ما نقرأ على التاريخ برمته ونسأل، هل التاريخ "المروي" كما وصل الينا وكما درسونا أكاديميا صادق أم تتخلله شهادات شخصية .

رواية “قصة مايتا” هي عمل أدبي رائع من تأليف الكاتب ماريو بارغاس يوسا. تحكي الرواية قصة الشخصية الرئيسية مايتا، والتي تتطور وتتغير مع تقدم الأحداث. الكتاب يستعرض أيضًا قضايا اجتماعية وسياسية مهمة تمس العديد من الناس في العالم. ماريو بارغاس يوسا، الكاتب البيروفي الموهوب، حاز على جوائز عديدة وحظي بتقدير واسع في مجال الأدب.

تناقش رواية "قصة مايتا" للكاتب ماريو بارغاس يوسا قضايا تاريخية وإنسانية بشكل ملحمي. تدور القصة حول شخصية نضالية تقود التمرد العسكري في البيرو في عام 1958م، بجانب شخصيات مشهورة أخرى مثل تشي غيفارا. تستند الرواية إلى وقائع تاريخية، وتقدم رؤية نقدية للنظام الديكتاتوري القديم وسعي الشعب للحرية والتغيير. تمتاز هذه الرواية بأسلوبها الأدبي المتقن وقدرتها على نقل الرسالة بشكل قوي ومؤثر.

ويتمحور الكتاب حول حب الأوطان والنضال الثوري، حيث يستعرض قصة البطل الثوري الذي انخرط في محاولة ثورية فاشلة وأصبح سجينًا. تكشف الرواية عن الظروف الاجتماعية والاقتصادية البائسة التي تواجهها البلاد، مع التركيز على التضحيات الشخصية والصراعات الداخلية التي يواجهها البطل. تقدم الرواية رؤية مريرة وتراجيكوميدية لمشاكل التطرف الثوري والحنين إلى الملاحم.

 "البطل المتكتم"

تدور أحداث الرواية في مدينة بيورا البيروفية الساحلية حيث قضى فارغاس البيروفي الإسباني (77 عاما) جزءا من طفولته. وتمزج الرواية بين الفكاهة والميلودراما وتدور أحداثها في بيرو خلال الوقت الراهن. وتدور عن شخصيتين يحاولان رفع المبادئ الأخلاقية في بيئة عدائية يرفض رجل الأعمال "فيليسيتو ياناك" دفع أموال لمجرمين يحاولون ابتزازه، بادعاء انهم منظمة تستطيع حمايته وحماية اسرته وممتلكاته من ضمنها شركة النقل، تبتدئ الرواية في صفحاتها برسالة ابتزاز من هذه المنظمة المزعومة، حيث اعتبر ياناك هذه الرسالة مزحة سمجة، ظل الراوي العليم، يردد، قبل أن يتخذ ياناك أي تصرف وابلاغ الشرطة بأنه "ربما لايزيد الموضوع عن ظرافة بطال متعطل يريد له أن يمر بلحظة عصيبة"، لكنه واثق من أمر واحد هو أنه لن يرضخ، كما هو جميع في سني حياته، الى هؤلاء المبتزين.

 بينما يقرر المستثمر "إسماعيل كاريرا" الانتقام من أبنائه الذين يحاولون قتله ليرثوا ممتلكاته. وفي "البطل الخفي" يشجع يوسا -الحاصل على جائزة نوبل في الآداب عام 2010- المجتمع على التمسك بالقيم الأخلاقية، وقال عند طرح الرواية في إننا "نعيش في عالم يؤدي فيه الطموح عادة إلى انهيار المبادئ والقيم". وأكد يوسا أن روايته تشيد بهؤلاء "الأبطال المجهولين" الذين يكونون بمثابة حماة الأخلاق في المجتمع. ووصف الفساد بأنه "سرطان حقيقي للتنمية"، حيث يؤثر على كل من العالم النامي والصناعي. وأضاف أن الرواية تضم أيضا "الكثير من الأدلة على أن الحياة تستحق أن نحياها".

"الفردوس على الناصية الأخرى"

أين هو الفردوس الأرضي ؟ أهو في بناء مجتمع المساواة، أم في العودة إلى العالم البدائي؟ من خلال حياتين: حياة فلورا تريسان التي كرست وجودها للنضال في سبيل حقوق المرأة والعمال. وحياة بول غوغان، الرجل الذي اكتشف ولعه بالرسم, وتخلى عن حياته البرجوازية ليسافرإلى تاهيتي، بحثاً عن عالم غير ملوث بالأحكام المسبقة. ومن خلال مفهومين عن الجنس: مفهوم فلورا التي لا ترى في الجنس إلا أداة لهيمنة الذكور على النساء، ومفهوم غوغان الذي يعتبر الجنس قوة حيوية، لا غنى عنها في عمله الابداعي. يكشف ماريو برغاس يوسا عالم اليوتوبيات التي انتشرت في القرن التاسسع عشر، رابطاً بين حياتين متعارضتين (حياة فلورا وحفيدها غوغان)، تسعيان إلى هدف مشترك: بلوغ فردوس تكون السعادة ممكنة لجميع بني البشر.

حفلة التيس

في الثلاثين من مايو/أيار 1961، تمكن كمين نصبته جماعة من المتآمرين خارج مدينة سانتو دومنغو (وكانت تسمى "مدينة تروخييو") من قتل رجل الدومينيكان القوي، الزعيم والرئيس الموقر والمنعم إلى الوطن، ومستعيد الاستقلال المالي، وأبي الموطن الجديد فخامة الجنراليسمو الدكتور رافائيل ليونيداس تروخييو مولينا.... حول ذلك الطاغية المتوحش الذي كان يخفي عينيه الرهيبتين وراء نظارة سوداء، لأنه "لم يكتف بمراقبة سلوك الجميع، وإنما راقب ضمائرهم وأحلامهم كذلك" وفيما يلي تدور أحداث هذه الرواية.

وآخر رواية ليوسا "حلم السلتي" في عام 2010، وهو العام الذي فاز به بجائزة نوبل للآداب. وكان الأديب البيروفي قد برز في عالم الأدب بعد نشر روايته "المدينة والكلاب"، قبل نحو نصف قرن، والتي نال عنها جوائز عديدة وترجمت إلى أكثر من عشرين لغة، ومن أهم أعماله الروائية أيضا "زمن البطل" و"وليمة التيس" و"شيطنات الطفلة المشاغبة". ويعتمد يوسا -المولود في بيرو عام 1936- كثيرا على التنويع في كتاباته، على مستوى الرؤى والموضوعات، معتمدا على تجربته الشخصية وحياته الحافلة، وهو ما وضعه في مكانة رفيعة بين أبناء جيله من أدباء أميركا اللاتينية الكبار، وهو يعد أول أديب من أميركا اللاتينية يفوز بنوبل منذ فاز بها الشاعر المكسيكي أوكتافيو باث عام 1990.

"من قتل بالومينو موليرو"

إن أهم ما يميز رواية "من قتل بالومينو موليرو" هو عنصر التشويق الذي يخلق فضولاً لدى القارئ ابتداء من الصفحة الأولى. هي رواية عن شخص أعدم شنقاً وبطريقة تنم عن التشفي والانتقام. الضحية المقتول هو بالومينو موليرو، الابن الوحيد لأم أرملة ومعروف بطيبته، وخجله وانطوائيته، ومولعاً بعزف الغيتار. إزاء هذه الحقيقة يتنامى لدى الشرطي ليتوما فضول لمعرفة القتلة وسماع الأسباب التي حدت بهم لارتكاب الجرم أكثر من شعوره بضرورة تحقيق العدالة وتطبيق القانون. فالسؤال الذي يدور في ذهنه مثلما يدور في ذهن القارئ هو ذاته الذي أخذه يوسا عنواناً لروايته: "منن قتل بالومينو موليرو؟"

ليتوما في جبال الأندي: يغوص بارغاس في روايته في عمق المآسي الاجتماعيّة التي تتّخذ مناحي أسطوريّة عبر الإضافة والتراكم والخيال، حيث العنف يسود ويقود، وما تقديمه بمقولة وليام بليك المقتبسة من كتابه "شبح هابيل": "مدينة قابيل شُيّدت بالدم البشريّ، وليس بدم الثيران والماعز». إلاّ إخطارٌ منه بأنّ القارئ على أعتاب رواية مختلفة من عوالم بارغاس الغنيّة، التي أثّرت في أجيال من الروائيّين، بسحرها وقدرتها المستمّرة على التجدّد، وبأسلوبه الأخّاذ وسرده المُتقن. والاستشهاد البدئيّ بقابيل وهابيل، يعني أنّ القتل الذي بدأ على يد القاتل قابيل/ قايين، عندما قتل أخاه هابيلل، سيستمرّ فاعلاً ومتجدّداً على أيدي أبناء وأحفاد القاتل قابيل، مع سريان دم الجدّ القتيل هابيل في ذرّيّة أخيه.

"الجراء"

عندما نشر ماريو بارجاس يوسا "الجراء" (1967) كان وقتها كاتبا متمرسا في أوج مكانته الأدبية . وهذه الرواية القصيرة عمل يبحث في كل لحظة عن صوت جمعي يتأرجح بين راو وآخر، بين ذاتية وموضوعية . وقد أثارت الرواية جدلا واسعا وتأويلات عدة، فقيل إنه تصوير للشباب، ورمزية لعجز طبقة اجتماعية بعينها، وقيل إنه رمز لبتر قيمة الفنان في العالم الثالث، إلى غير ذلك ... وكل واحدة من تلك التأويلات يمكن أن تكون صالحة ؛ لأن "الجراء" هي من التكثيف بمكان، ذات طابع مبهم تتسم به في العادة الأعمال الروائية العظيمة .

الكاتب وواقعه

 ينتمى ماريو بارغاس يوسا إلى هذه المجموعه المنتقاه ذات الموهبة العالية من الكتاب، المدعوه بـ"جيل الازدهار" التى دفعت بأدب أميركا اللاتينيه إلى صداره الأدب العالمى. والقليل من الكتاب نزهاء بشأن أعمالهم مثل بارغاس يوسا، والأقل منهم المتبصرون بأعمالهم مثله. إن استقامته وحياده بخصوص تلك الجوانب من حياته التى تحتويها أعماله بوضوح تضيء شخصيته الأدبيه، وتظهر اهتماماته الملتزمه بالكتابه الأدبيه عامه، وبفنه الخاص على وجه التحديد.

وبارغاس كاتب وسياسي وصحفي وبروفيسور جامعي بيروفي. يُعد من أهم روائيي أميركا اللاتينية وصحفييها، وأحد رواد كتّاب جيله. ينظر له من قبل بعض النقاد على  أنّه يتمتع بتأثير عالمي وجمهور دولي أعرض مما لدى أي كاتب آخر. فاز عام 2010 بجائزة نوبل في الأدب وبحسب لجنة الاكاديمية السويدية، المشرفة على الجائزة، فإن الفوز جاء "عن خرائط هياكل القوة التي رسمتها أعماله وتصويره النيّر لمقاومة الفرد وثورته وهزيمته".

حظي بارغاس يوسا بشهرة عالمية في ستينيات القرن الماضي  بسبب الأثر الذي احدثته أوائل رواياته، مثل " المدينة والكلاب"، و"البيت الأخضر"، و"حديث في الكاتدرائية".

تتنوع نتاجاته الغزيرة، فضلا عن السرديات، بين النقد اmلأدبي والصحافة. وتناولت رواياته  مضامين مختلفة؛ ألغاز جرائم وموضوعات تاريخية وأحداثًا سياسية، وقد تحول العديد من أعماله إلى أفلام، مثل: "بانتاليون والزائرات"  و"العمّة جوليا وكاتب النصوص".

تثير  أعمال  بارغاس يوسا  وجهة نظره حول المجتمع البيروفي وتجاربه الشخصية بوصفه مواطنًا بيروفيًا، كما  تناول مضامين  وأفكاراً مستوحاة من مناطق أخرى من العالم.. وتعددت  أساليبه بين الحداثة الادبية وما بعدها. مارس العمل السياسي ترشح إلى الانتخابات الرئاسية البيروفية في عام 1990 خسر في الانتخابات .

حصل على عديد الجوائز، منها؛ جائزة بيبليوتيكا بريبي (1963)، جائزة روميلو غاييغوس (1967)، جائزة أمير أستورياس للآداب (1986)، جائزة بلانيتا (1993)، جائزة ثيرفانتس (1994)، جائزة النقاد (1998)، جائزة نوبل في الآداب عام (2010)،

أعماله؛  "قصة مايتا"، ترجمة صالح علماني2013 و"حرب نهاية العالم"، ترجمة أمجد حسين 2021 و"دفاتر دون ريغوبرتو"، ترجمة صالح علماني     1997  و"امتداح الخالة"،  ترجمة صالح علماني 1999 و"من قتل بالومينو موليرو"، ترجمة صالح علماني  2001، "حفلة التيس"،        صالح علماني 2018 و"الفردوس على الناصية الأخرى"، ترجمة  صالح علماني 2004 و"رسائل إلى روائي شاب"، ترجمة صالح علماني  1997، و"شيطنات الطفلة الخبيثة"، ترجمة صالح علماني 2006،  "ليتوما في جبال الأنديز"، ترجمة صالح علماني  1993 و"الكاتب وواقعه"، ترجمة بسمة محمد عبد الرحمن 2005، و"الجراء" (رواية قصيرة)، ترجمة هالة عبد السلام أحمد 2007 و"الرؤساء" (مجموعة قصصية)، ترجمة هالة عبد السلام أحمد 2007 و"حلم السلتي"، ترجمة صالح علماني     2012 و"البيت الأخضر"، ترجمة رفعت عطفة 2015 و"البطل المتكتم"، صالح علماني 2016 و"خمس زواي"ا، ترجمة مارك جمال 2021، "زمن عصيب"، ترجمة مارك جمال 2021، "الخالة خوليا وكاتب السيناريو"، ترجمة مارك جمال     2023 .