نقاد المسرح يوثقون ويحللون بدايات الكوميديا المصرية 

النقاد تناولوا كوميديا المسرح المصري قبل 1952 في ضوء نظريات الضحك عبر نماذج علي الكسار وأمين صدقي وعثمان عبدالباسط وبديع خيري.
أبوالعلا: التعاون المشترك بين أمين صدقي وعلي الكسار، انعكست نتائجه الايجابية عليهما معا، ولم يكن لأحدهما فضلا على الآخر
أحمد نبيل: المصريون عادة ما يلجأون إلى الفكاهة للسخرية من الأزمات ومآسي الحياة التي يمرون بها، فيضحكون ويتندرون عليها

تواصلت فعاليات المؤتمر الفكري الذي يقام في إطار فعاليات الدورة الـ 11 لمهرجان العربي للمسرح المنعقدة حاليا في القاهرة، حيث شهد جلستين متتاليتين وثقت بحوثهما وناقشت الكوميديا والميلودراما المصرية أشكالها، تطوراتها، خطاباتها. حيث تناولت الجلسة الأولى التي شارك فيها النقاد أحمد عبدالرازق أبوالعلا وعبدالكريم الحجراوي ود. أحمد نبيل، كوميديا المسرح المصري قبل 1952 في ضوء نظريات الضحك عبر نماذج علي الكسار وأمين صدقي وعثمان عبدالباسط وبديع خيري، بينما ناقشت الجلسة الثانية الميلودراما والمجتمع سؤال البنية والهوية بمشاركة الباحثين د. نجوى عانوس، عبدالغني داوود.
قدم الناقد أحمد عبدالرازق أبو العلا خلاصة لتجربة الكوميديا في المسرح المصري خلال النصف الأول من القرن الماضي مؤكدا أن التجربة محور الدراسة مر عليها مائة عام ونيف، منذ أن قام عزيز عيد بتقديم المحاولة الأولى للمسرحية الكوميدية في مصر في عام 1907، حين كوَّن فرقته بالاشتراك مع الكاتب أمين صدقي، وقدم من خلالها مسرحية ضربة مقرعة على مسرح دار التمثيل العربي، ولقد شهد ذلك العام ظهور أول ممثلين مصريين احترفا تمثيل الفصول المُضحكة بعد أن كانت حكرا على الشوام وهما أحمد فهيم الفار ومحمد ناجي، وكان الفار في بدايته يعرض فصوله المُضحكة ضمن برنامج الفرق المسرحية الكُبرى، ومع إقبال الجمهور على فصوله، أصبحت له حفلات خاصة يعرض فيها فصوله المضحكة بصورة مستقلة، وتطورت هذه الفصول فيما بعد لتصبح مسرحيات كوميدية مرتجلة ذات ثلاثة فصول، عرض الفار بعضها بمسرح شارع عبدالعزيز، وبكازينو "المنظر الجميل" بالإسكندرية، ومنها دخول الفلاح العسكرية والعجائب والغرائب والشيخ المتصابي.  

اعلانات الكوميديا

أما محمد ناجي فكان يقدم فصوله المُضحكة في نهاية عروض مسرحيات الفرق، والجمعيات التمثيلية، أمثال فرقة سلامة حجازي، وفرقة أولاد عكاشة، وشركة التمثيل الكبرى، وجمعية التمثيل العصري، ومجتمع الاتحاد المصري.
ولفت أبو العلا إلى أن جوق أمين صدقي وعلي الكسار تكونت في عام 1918 وقال إن "التعاون المشترك بين أمين صدقي وعلي الكسار، انعكست نتائجه الايجابية عليهما معا، ولم يكن لأحدهما فضلا على الآخر، وذلك لأن اسم علي الكسار صار معروفا ومكتوبا في الصحف، منذ عام 1914، خاصة بعد ارتدائه لقناع البربري عثمان عبدالباسط الذي لفت الأنظار إليه، وأصبح منافسا لنجيب الريحاني الذي سبقه بارتداء قناع كشكش بك بثلاثة شهور فقط. وفي الوقت نفسه فإن أمين صدقي استطاع أن يُثبت وجوده ككاتب من كتاب الكوميديا، منذ بدأ مشواره مع عزيز عيد 1907، ثم مع نجيب الريحاني، وأصبح اسمه معروفا وسط الفرق والمسرحيين والجمهور، من هنا فإنه لا فضل لأحدهما على الآخر، لأن كل واحد منهما كان متحققا، فتحققت الفائدة المُشتركة.
وعالج عبدالكريم الحجراوي في ورقته المسرح الكوميدي في مصر ما بين عام 1905 - 1952، متناولا أشكال هذا المسرح، من فصول مضحكة، فودفيلات، وفرنكو ـ آراب، وريفيوهات، واسكتشات، وكيف وتطورت، وسعى إلى الكشف عن خطاب هذا المسرح الذي كان في جزء منه جادًا في مضمونه معبرًا عن آمال الشعب في البحث عن الحرية، فحوت الورقة على الكثير من الأغاني الوطنية مثل أنا المصري كريم العنصرين، وختام العروض بأغاني تنادي بحرية الوطن، خاصة في فترة ثورة 1919، وبسبب هذا الموقف الجاد منع الرقباء عرض العديد من هذه المسرحيات، وهناك عروض هزلية كانت تهدف إلى إضحاك المشاهدين فقط. 
وبلغت قوة المسرح الكوميدي أوجها فترة الحرب العالمية الأولى وما تلاها، وصولًا إلى 1939 التي تأثر بعدها المسرح عمومًا في مصر، وقلت الأخبار عنه بسبب الحرب العالمية الثانية، وبسبب السينما التي نافسته بقوة، واتجه إليها الكثير من المؤلفين والممثلين المسرحيين.
 وسلط الحجراوي الضوء على المسرحيات الكوميدية من منظور نظريات الضحك التي وصلت إلى أكثر من 100 نظرية، وتناول وظائف الضحك بالمسرح الكوميدي المصري، وآليات الإضحاك التي اعتمد عليها الكتاب المسرحيين، والتي غلب عليها الطابع الشعبي، مما جعل المسرح الكوميدي حافظًا للعديد من أشكال الفكاهة التي لم تدون، مثل فن القافية، والردح، والنكات، والقفشات.
وقال د. أحمد نبيل في بحثه "الشخصية النمطية وتحولات الحكاية في المسرح المصري - عثمان عبدالباسط نموذجًا": إن المصريين عادة ما يلجأون إلى الفكاهة للسخرية من الأزمات ومآسي الحياة التي يمرون بها، فيضحكون ويتندرون عليها، فالسخرية وسيلتهم لتخفيف هموم الحياة وأعبائها وعدم القلق من المستقبل وما قد يحمله من عقبات ومشكلات، فالسخرية والضحك وسيلتهم للتغلب على المآسي والقيود الاجتماعية، والشعور بالقدرة على تجاوزها، والسيطرة عليها.
ورأى أن مسرح الكسار وجد في تلك الظروف نجاحًا كبيرًا يفوق مسرح الريحاني، بل دفعت الظروف الريحاني إلى أن يحتذي بما كان يقدمه الكسار، فيقول الريحاني في مذكراته: رأيت أن كازينو "دي باري" المجاور لنا، والذي يعمل به الأستاذ الكسار قد احتكر إقبال الجمهور، وأدهشني أن أرى أن كل ما هناك عبارة عن استعراض يغلب عليه الطابع الإفرنجي، وتتخلله بضع مواقف فكاهية يظهر فيها الأستاذ الكسار، ولم يكن الاستعراض يحوي موضوعًا ما". وبذلك انتعشت الحركة المسرحية على يد الكسار والريحاني، وأدى ذلك إلى ظهور كاتبين كان لهما دور كبير في الحركة المسرحية آنذاك وهما: أمين صدقي، وبديع خيري، واللذان قدما عددًا كبيرًا من الروايات لمسرح الكسار، والريحاني.
وأضاف أن الكسار نجح بفضل موهبته في خلق شخصية عثمان عبدالباسط التي حملت كل التناقضات الرئيسية المضحكة، وأصبح يعيشها كل ليلة على مسرحه ليحكى مغامرات بربري مصر الوحيد، وحماقاته، ونزواته، فقد وجد فيها الكسار الشرف والحكمة، والرغبة الجامحة في الحياة، وحب الشراب والنساء، والافتتان الذي لا حد له بالمرح والشجار، والولع بالرقص والغناء، وطيبة القلب.
وأوضح د.أحمد نبيل أن أمين صدقي وبديع خيري كان لهما دور كبير في نجاح مسرح الكسار حيث قدم صدقي للكسار مسرحيات مثل: القضية نمرة 14، عقبال عندكم، فلفل، لسه، مرحب، أحلاهم، راحت عليك، فهموه، اللي فيهم، بشائر السعد، شهر العسل، البربري حول الأرض، البربري في الجيش، سوء تفاهم، دولة الحظ، الغجرية، عريس الهنا، حلال عليك، أنا لك وأنت ليَّ. أما بديع خيري فكتب لفرقة الكسار عدة مسرحيات مثل: ابن الراجا، الوارث، حكيم الزمان، الحساب، بدر البدور، حلم والا علم، غاية المنا، الشيخ عثمان، أبو زعيزع، مافيش منها، ملكة الغابة، قاضي الغرام، خير إن شاء الله، بتاع الزيت، هانت، يا بنت الإيه، الغول. 
وفي الجلسة الثانية رصد عبدالغني داوود وحلل دور الهواة في تأسيس المسرح المصري حيث تتبع ظهور فرق هواة المسرح علي الساحة المصرية في الفترة من 1905-1952، وهي الفرق التي تختلف عن فرق المحترفين وفرق المحبظين وفناني الضحك الجوالين وغير الجوالين، وفرق الشوادر والأفراح والأسواق.
وأكد أن فرق هواة المسرح التي جاءت في البداية على شكل جمعيات وأندية للتمثيل، أو علي شكل فرق تتبع بعض الأندية والجمعيات والمدارس. وأن الهواة هم الذين اضطلعوا بالدور الأكبر في نمو وتطور الحياة المسرحية في مصر، وإكساب الجماهير عادة التردد على دور المسارح. وقال "كان لمبادرات التجربة والاقتباس والتمصير على يدي هواة المسرح من الذين أدركوا قيمة العلم والثقافة من أمثال بديع خيري، وأمين صدقي، وأدمون توما، واسكندري فرح، فنهضوا بحركة الترجمة والنشر والطباعه، وهم الذين اعتمدت عليهم فرق المحترفين من أمثال فرق رمسيس، وعلي الكسار، ونجيب الريحاني وغيرهم من الفرق. وان الهواة هم الذين قاموا بمغامرة تأسيس الفرق المسرحية منذ عبدالعزيز حمدي، وعبدالرحمن رشدي وغيرهم. وفي النهاية نقرر أن المسرح المصري بدون هؤلاء الهواة الذين تحملوا عبء هذه المهمة الشاقة، ولولا جهودهم لم تكن لحركة المسرح في مصر أن تتمكن من الاستمرار والتواصل. 
ورأت د. نجوى عانوس في بحثها "بنية الميلودراما والمجتمع في المسرح المصري" أن الميلودراما ازدهرت بعد عام 1921 نتيجة لتذبذب شخصية كشكش في مسرح الريحاني بين الاختفاء والظهور ونتيجة لوعي المصريين السياسي، فاضطرت الحكومة البريطانية إلى سياسة المُلاينة أمام صراع المصريين والوفد، وبدأت المفاوضات على جلاء الانجليز من مصر، واضطرت الحكومة البريطانية إلى إصدار تصريح 28 فبراير 1922 أعلنت فيه إلغاء الحماية البريطانية مع الاحتفاظ بشروط، ورفضه سعد زغلول وتم القبض عليه، وبرزت الطبقة البرجوازية، فقدم الكُتاب مثل عباس علام الفودفيل والكوميديا والميلودراما؛ إذ قدم فودفيل "سهام" المقتبسة من رواية "حانة مكسيم" لجورج فيدو ثم "السارق" لهنري برونشتين ثم ميلودراما "كوثر" وغيرها، واحتدت المنافسة بينه وبين يوسف وهبي من ناحية والريحاني من ناحية أخرى حتى اختفى الفودفيل تدريجيًا ورجحت كافة الميلودراما.
وأوضحت أن الميلودراما نوعان الأول: ميلودراما التزمت بمدلولها الغنائي، وتدور حول قصة حب رومانسية بين فقيرة وثري، ويتعاطف الجمهور مع الفقيرة، وتحْفُل بالتخفي والمفاجآت ومحاولة الاختطاف، أو يحاول الأجنبي اختطاف المحبوبة المصرية وحرمانها ممن تحب، وتخلو من مشاهد القتل والفزع والدم لأنها لا تتفق مع الغنائية الرومانسية، وتشارك الطبيعة الشخصيات حزنها وفرحها كعادة الرومانسيين؛ إذ ظهرت الأبنية الثابتة للميلودراما منبثقة من الرومانسية عند موسيه وهوجو، وتأثر بها المسرح المصري والأدب الحديث بوجه عام. 
بدأ هذا النوع على يد الشيخ سلامة حجازي عندما انتقل من مسرحه بحديقة الأزبكية في 1906 إلى صالة فيروي بشارع الباب البحري وأطلق عليها ميلودراماتيك مثل هناء المحبين ومطامع النساء وعواطف البنين وغيرها، ثم ظهر سيد درويش الذي لحن ميلودراما الهواري والدرة اليتيمة لإبراهيم رمزي، والعشرة الطيبة لمحمد تيمور، وأزجال بديع خيري التي مُثلت في 1920، وشمشون ودليلة لإبراهيم رمزي ولهذا ترادف مصطلح الميلودراما في هذه المسرحيات مع الاوبريت.

أما النوع الثاني من الميلودراما ابتعد تمامًا عن الغنائية، ويهدف إلى النقد الاجتماعي، واعتمد على إثارة الانفعالات، والشخصيات النمطية، ومشاهد القتل والذبح والانتحار والعنف وإثارة الفزع والرعب والرهبة، والمبالغة في التعبير عن المشاعر والحيل والمفاجآت الصادمة والمُحزنة للمتلقي والمخططات الشريرة، وإثارة التوتر، وتقديم الدروس والعظات عن طريق الخطب الطويلة والأحداث المثيرة المبكية للمتلقي، ومن أبرز كُتاب هذا النوع إسماعيل عاصم الذي كتب ثلاث مسرحيات هم صدق الإيخاء في 1849، ثم حسن العواقب في 1895، ثم هناء المحبين في 1897، وكتب فرج أنطون مسرحيته مصر الجديدة ومصر القديمة، كما قدمت فرقة جورج أبيض في 1913 مسرحيات بنات الشوارع وبنات الخدور ويغلب عليها الطابع الاستعراضي.
 ورأت عانوس أن عباس علام هو الأب الشرعي لهذا النوع من الميلودراما، فكتب أسرار القصور أو ملك وشيطان في 1913، كما أقتبس طمع إبليس في الجنة وآه يا حرامي ونهاد أو الزوجة العذراء في 1933 وطمع إبليس في الجنة وتحمل مسرحياته جميع تقنيات هذا النوع من الميلودراما، وكتب أنطون يزبك في 1918 ميلودراما الذبائح، وكتب محمد تيمور مسرحيته العصفور في القفص والهاوية، وكتب توفيق الحكيم في 1923 المرأة الجديدة، وكتب إبراهيم رمزي مسرحيته صرخة الطفل، وقدم يوسف وهبي مسرحياته غرام الأعمى ودماء في الصعيد وأعظم امرأة والصحراء والاستعباد وأولاد الفقراء في مسرح رمسيس.