نواف سلام في دمشق لتصحيح مسار العلاقات
بيروت – سلّم رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام اليوم الاثنين الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، خلال اجتماع في دمشق، دعوة لزيارة بيروت، آملا في فتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين.
وزار سلام يرافقه وزراء الخارجية والداخلية والدفاع دمشق، حيث التقى الشرع ووزير الخارجية أسعد الشيباني، في أول زيارة لمسؤولين من الحكومة اللبنانية الجديدة الى سوريا، بعد خمسة أشهر من إطاحة نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد في الثامن من كانون الأول/ديسمبر.
وتعد الزيارة الأولى لمسؤول رفيع المستوى في الحكومة اللبنانية الجديدة إلى دمشق، وتأتي بعد خمسة أشهر على إطاحة نظام الرئيس السابق بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول.
واعتبر سلام أن من شأن الزيارة "فتح صفحة جديدة في مسار العلاقات بين البلدين على قاعدة الاحترام المتبادل واستعادة الثقة، وحسن الجوار، والحفاظ على سيادة بلدينا وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لبعضنا البعض، لأن قرار سوريا للسوريين وقرار لبنان للبنانيين".
وبحث الوفد اللبناني جملة من الملفات مع الجانب السوري، من ضمنها "ضبط الحدود والمعابر، ومنع التهريب، وصولا إلى ترسيم الحدود برا وبحرا"، انطلاقا من اجتماع عقد الشهر الماضي في جدة بين وزيري دفاع البلدين برعاية سعودية.
وتضم الحدود بين لبنان وسوريا الممتدّة على 330 كيلومترا، معابر غير شرعية، غالبا ما تستخدم لتهريب الأفراد والسلع والسلاح. وشهدت المنطقة الحدودية الشهر الماضي توترا أوقع قتلى من الجانبين.
وشدد الطرفان وفق البيان على "تعزيز التنسيق الأمني، بما يحفظ استقرار البلدين". كما اتفقا على "تشكيل لجنة وزارية مؤلفة من وزارات الخارجية، الدفاع، الداخلية والعدل لمتابعة كل الملفات ذات الاهتمام المشترك".
وتطرقت المباحثات، وفق رئاسة الحكومة اللبنانية، الى "تسهيل العودة الآمنة والكريمة للاجئين (السوريين) إلى أراضيهم ومنازلهم بمساعدة الأمم المتحدة، والدول الشقيقة والصديقة"، في وقت تقدر السلطات اللبنانية استضافة 1.5 مليون سوري على أراضيها، بينهم أكثر من 755 ألفا مسجلون لدى الأمم المتحدة.
كما ناقش الطرفان، وفق المصدر ذاته، "مصير المفقودين والمعتقلين اللبنانيين في سوريا، بالإضافة إلى مطالبة السلطات السورية بالمساعدة في ملفات قضائية عدة، وتسليم المطلوبين للعدالة في لبنان"، إضافة الى "البحث في ملف الموقوفين السوريين في السجون اللبنانية" الذين تطالب دمشق بالإفراج عنهم.
ونُسب اغتيال الكثير من المسؤولين اللبنانيين المناهضين لدمشق إلى السلطة السورية السابقة. وكان أبرز هؤلاء رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري في انفجار وجهت أصابع الاتهام فيه إلى سوريا ولاحقا الى حليفها حزب الله.
وذكر سلام الأحد أيضا أن من بين أهداف زيارته الحصول على معلومات نهائية بشأن مصير المفقودين اللبنانيين في سجون نظام الأسد. وقال "سأنقل هذا الموضوع خلال زيارتي إلى سوريا، على أمل أن أستطيع العودة بأخبار جيدة".
الظروف السياسية قد تفرض أن يكون ترسيم الحدود جزءا من "صفقة شاملة" تحدد شكل العلاقة المستقبلية بين لبنان وسوريا
وكان مقررا أن يزور منسى دمشق الشهر الماضي للقاء نظيره مرهف أبو قصرة، قبل أن يتم إرجاء الزيارة بطلب سوري. إلا أن السعودية عادت وجمعت الرجلين بحضور نظيريهما السعودي الأمير خالد بن سلمان بن عبدالعزيز في جدة، حيث تم التوصل إلى اتفاق يؤكد على أهمية ترسيم الحدود اللبنانية السورية والتنسيق لمواجهة التحديات الأمنية والعسكرية.
الاتفاق لا يمثل ترسيما مباشرا للحدود، بل يُعد خطوة تمهيدية، إذ تم الاتفاق على تشكيل لجان قانونية وفنية مشتركة وتفعيل آليات التنسيق لمواجهة التهديدات الأمنية.
وذكر المصدر الحكومي اللبناني أنه سيتم أيضا استكمال البحث في مسألة ترسيم الحدود خلال لقاء الاثنين.
وعقب الحرب الأخيرة بين حزب الله وإسرائيل، انتُخب رئيس لبناني جديد وتشكلت حكومة جديدة تعهدت بتطبيق القرارات الدولية، لا سيما القرار 1680 الصادر قبل حرب 2006 الذي دعا سوريا إلى التجاوب مع طلب لبنان بترسيم الحدود وتبادل العلاقات الدبلوماسية ومنع تهريب السلاح.
وتمتد الحدود اللبنانية السورية على طول 375 كيلومترا، إلا أن ترسيمها لم يكتمل بعد، خاصة في المناطق الحدودية المتداخلة، حيث يعيش لبنانيون داخل الأراضي السورية والعكس، ما يعقّد الترسيم بسبب التداخل الجغرافي والديمغرافي.
وتعود جذور النزاع الحدودي إلى مرحلة ما بعد الحرب العالمية الأولى، حين خضعت المنطقة للانتداب الفرنسي الذي رسم الحدود بين "دولة لبنان الكبير (1920)" وسوريا، وعند استقلال لبنان عام 1943، تم اعتماد هذه الحدود التي رسمها الفرنسيون، إلا أن بعض النقاط بقيت غير واضحة أو محل خلاف.
وتُعد منطقة مزارع شبعا من أبرز المناطق المتنازع عليها، حيث بقيت تحت سيطرة إسرائيل التي انسحبت من جنوب لبنان عام 2000، باعتبارها أراض سورية بينما تصر بيروت على أنها أراضٍ لبنانية.
كما تسجل خلافات على مناطق مثل القموعة، العديسة، ومناطق في بعلبك الهرمل، بسبب عدم وضوح المعالم الحدودية.
أما بحريا، فلا تزال الحدود البحرية غير مرسّمة ما يثير إشكاليات بشأن حقوق التنقيب عن النفط والغاز، ويؤكد خبراء أن الترسيم يجب أن يتم استنادا إلى خط الوسط (مبدأ التماس) بين السواحل اللبنانية والسورية، وفق القانون الدولي.
وفي عام 2008 أعلنت سوريا ولبنان تشكيل لجنة مشتركة لترسيم الحدود، لكن التقدم كان بطيئا بسبب التوترات السياسية والأمنية.
ومع اندلاع الأزمة السورية والثورة ضد نظام الأسد عام 2011، توقفت معظم الجهود الرسمية، رغم وجود مؤشرات على استمرار بعض قنوات التواصل.
وفي هذا السياق، قالت خبيرة النفط والغاز بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا لوري هايتايان، إن "العلاقات اللبنانية السورية على مختلف المستويات – السياسية والأمنية والاقتصادية يجب أن تكون أولوية لدى الحكومة اللبنانية والرئيس جوزيف عون".
وأضافت أن "هناك تغيرات تحصل في المنطقة ولبنان جزء منها وهناك أيضا نظام جديد في سوريا والكثير من الدول تتواصل معه وإن كان بشروط أو تحفظات".
وأكدت أن "الحكومة اللبنانية يجب أن تكون واحدة من هذه الحكومات التي تتواصل مع الحكم الجديد في سوريا وأن تنطلق المناقشات على المواضيع التي تهم البلدين وخاصة بعد المواجهات الحدودية بين العشائر اللبنانية والجيش السوري".
وشددت هايتايان على "وجوب تعاطي الدولة اللبنانية بجدية مع السلطات السورية الحالية"، ورأت أن الاتفاقيات التي أُبرمت خلال عهد الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، وخاصة المتعلقة بترسيم الحدود البرية والبحرية، بحاجة إلى مراجعة وتحديث، لكنها لفتت إلى أن "لبنان لا يستطيع المضي في هذا الملف دون إعادة بناء الثقة مع الجانب السوري، عبر مسار دبلوماسي نشط".
وذكرت أن سوريا اليوم تولي اهتماما متزايدا بملف التنقيب عن النفط والغاز في البحر المتوسط، ما يستدعي من لبنان توطيد العلاقات والسعي الحثيث إلى ترسيم الحدود البحرية، بوصفه جزءا من تفاهمات أوسع.
وأوضحت هايتايان أن إنهاء النزاعات الحدودية من شأنه تشجيع المستثمرين في قطاع الطاقة، مشيرة إلى تقارير تحدثت عن رغبة تركية في تسريع ترسيم الحدود البحرية مع سوريا بعد وصول أحمد الشرع إلى السلطة، وهو ما قد يشكل فرصة للبنان.
لكنها شددت في الوقت ذاته على أن الظروف السياسية قد تفرض أن يكون ترسيم الحدود جزءا من "صفقة شاملة" تحدد شكل العلاقة المستقبلية بين لبنان وسوريا.
وزار رئيس الوزراء اللبناني السابق نجيب ميقاتي دمشق في يناير/كانون الثاني، بعد إطاحة الأسد والتقى الشرع.
وأشار المصدر الحكومي إلى أن الوفد اللبناني سيبحث في سوريا ملف إعادة اللاجئين السوريين، علما بأن لبنان يستضيف، وفق تقديرات رسمية، 1.5 مليون لاجئ سوري، بينهم 755426 مسجلا لدى الأمم المتحدة، ممن فروا خلال سنوات النزاع.
ودخل الجيش السوري لبنان في العام 1976 كجزء آنذاك من قوات عربية للمساعدة على وقف الحرب الأهلية، لكنه تحوّل الى طرف فاعل في المعارك، قبل أن تصبح دمشق "قوة الوصاية" على الحياة السياسية اللبنانية تتحكّم بكل مفاصلها، حتى العام 2005، تاريخ خروج قواتها من لبنان تحت ضغط شعبي بعد اغتيال الحريري.
وتعهد الشرع في ديسمبر/كانون الأول أن بلاده لن تمارس بعد الآن نفوذا "سلبيا" في لبنان وستحترم سيادته.