ما الذي يحدث في العراق
قبل أكثر من شهر استهدفت ضربات بطائرات مسيّرة رادارات قاعدتين عسكريتين، الأولى تقع في منطقة التاجي قرب بغداد والثانية تقع في الناصرية جنوب العراق.
وقبل أيام أعلنت السلطات العراقية عن إسقاط طائرة مسيّرة في محيط مصفاة بيجي بكركوك.
وإذا كان الهجوم الأخير لم يحقق هدفه فإن الهجومين الأوّلين قد حققا هدفهما بتدمير الرادارات التي يُقال إنها كلفت العراق أموالا باهظة.
ترى هل هناك علاقة بين ما حدث والضغوط الأميركية التي تحدثت عنها جهات سياسية عراقية وأدت إلى تأخر صرف رواتب الحشد الشعبي أو عرقلته؟
في إطار الحرب التي دارت رحاها بين إسرائيل وإيران كان العراق هو المجال الجوي الذي مرت فيه الطائرات الإسرائيلية والصواريخ الإيرانية معا. وليس العراق موقع ثقة بالنسبة إلى الطرفين. فهو بالنسبة إلى إسرائيل إيراني الولاء أما إيران فإنها تعرف أنه مخترق من قبل الموساد الإسرائيلي.
يخشى الطرفان أن يعمل عراقيون على تسريب معلومات توثقها الرادارات الدقيقة التي تم تحطيمها. ولأن العراق من دون غطاء جوي فإن تلك المعلومات لا بد أن تُستعمل لأغراض تستفيد منها فصائل دون غيرها. والفصائل المسلحة كثيرة في العراق، بعضها يُحسب على الحشد الشعبي والبعض الآخر يعمل خارجه. ذلك ما يُقال. لكن في الحالتين تظل الفصائل كلها تابعة للحرس الثوري الإيراني وتتلقى التعليمات منه. ذلك لا يمنع من حدوث اختراق إسرائيلي.
ما حدث في التاجي والناصرية على حد سواء مؤشر خطير على أن الفصائل الموالية لإيران وهي الجهة التي تملك طائرات مسيّرة لا تمانع في الإضرار بالعراق إذا ما كانت أفعالها تخدم إيران. ذلك استنتاج ساذج لأنه متوقع وطبيعي. ميليشيات تخدم الجهة التي تدعمها وتدافع عن استمرارها وكانت في السابق تمولها. ولكن قد يكون ذلك الاستنتاج غير صحيح والصحيح أن الفصائل التي ضربت الرادارات فعلت ذلك بعد أن تلقت تعليمات إسرائيلية. لقد خشي الإسرائيليون أن يتم تسريب معلومات عن حركة طيرانها. ذلك أمر متوقع. لمَ لا وقد اكتسبت الميليشيات مهارات في الفساد.
أما قصف مصفاة بيجي فإنه يقع على هامش الصراع الثنائي. لقد دبرت الميليشيا التي قصفت الرادارات مكيدة تتوجه من خلالها الأنظار إلى إيران. قصف المصفاة يقع في خدمة إيران اقتصاديا ولا علاقة لإسرائيل به لا من قريب ولا من بعيد. تلك كذبة مفضوحة بدليل أن الدفاعات الجوية تمكنت من اصطياد المسيّرة التي كانت ذاهبة إلى المصفاة.
وزارة الخزانة الأميركية وهي التي تمول العراق بأموال نفطه كان لديها رأي مختلف. ذلك الرأي يقوم على فكرة أن يكف العراق عن تمويل ميليشيات توالي إيران. ذلك موقف عادل في خضم الصراع الذي تشهده المنطقة. فالعراق حين يستمر في تمويل الميليشيات الإيرانية يكون طرفا في الحرب وهو ما يتناقض مع موقفه الرسمي الذي عبرت عنه حكومته من خلال رغبتها في النأي ببلادها عن الحرب. تملك وزارة الخزانة الأميركية وثائق تؤكد ضلوع تلك الميليشيات في ممارسات تخدم النظام الإيراني. وقد لا يحتاج المرء إلى تلك الوثائق إذا ما عاد إلى تصريحات زعماء الميليشيات.
كان قرار عدم قصف القواعد الأميركية في العراق إيرانيا وليس عراقيا. ولو تُرك الأمر للعراقيين لارتكبوا الحماقة التي سيكون فيها مقتلهم. وهذا ما تمناه الكثيرون. غير أن إيران أوقفتهم عند حدود الحماسة اللغوية. ذلك لأنها لا تريد أن تفقد العراق مثلما فقدت غزة ولبنان وسوريا. لم تتح إيران لإسرائيل فرصة الانقضاض على العراق كما فعلت بلبنان ولم تفتح شهيتها لقتل زعماء الميليشيات في العراق مثلما حدث للقيادات السياسية والعسكرية لحزب الله في لبنان.
في جانب عملي آخر فإن لعبة تحويل الحشد الشعبي إلى مؤسسة رسمية لم تمر على الإدارة الأميركية. العراقيون سذج حين يعتقدون أن الإدارة الأميركية تصدق ما يقولونه. لدى تلك المؤسسة العميقة معلومات مؤكدة عن طبيعة الحشد وأهدافه وما هي الجهة التي تديره وما هي مهماته. يمكن القول إن لدى الأجهزة الأميركية معلومات عن الحشد الشعبي أكثر دقة ممّا تملكه الحكومة العراقية.
ولكن قرار الخزانة الأميركية لا بد أن يؤدي إلى إلحاق الضرر بمئات الآلاف من العراقيين المستفيدين من رواتب الحشد الشعبي. تلك مسألة شائكة. فهل سينظر الأميركان إلى تلك المسألة من زاوية إنسانية؟