هجرة العقول العربية مرشحة للزيادة في عصر العولمة

الدول العربية ستجد نفسها يوما خالية من العلماء

القاهرة - حذرت دراسة متخصصة من عواقب "هجرة الأدمغة" ‏العربية الى الدول المتقدمة بحثا عن ظروف أفضل للعمل وبيئة مناسبة لتطبيق أفكارهم ‏ ‏وخبراتهم مؤكدة الحاجة الى "استراتيجية عربية" للتعامل مع هذه المشكلة الحيوية.
وأشارت دراسة حديثة لمركز الخليج للدراسات الاستراتيجية إلى أنه بعد عدة سنوات ستجد الدول العربية أنها ‏قد أفرغت من عقولها وخبراتها المهاجرة الى الخارج.
وأوضحت أنه على الرغم من وقوف الدول الغربية ضد هجرة مواطني الدول النامية ‏اليها وسنها قوانين ولوائح لمواجهتها "الا أنها تتبنى سياسات مخططة ومدروسة بدقة ‏لاستقدام أصحاب الكفاءات والمهارات الخاصة من هذه الدول".
وذكرت الدراسة أن الدول الغربية في ظل انخفاض عدد السكان خلال السنوات القادمة ‏"بحاجة الى جذب المهاجرين المهرة الذين لا يتسببون في مشكلات من وجهتي النظر ‏الاقتصادية والاجتماعية بل سيدعمون الاقتصاد القومي للبلاد المهاجرين اليها".
واعتبرت أن من أهم فوائد هجرة العقول بالنسبة لاقتصاديات الدول المهاجرين ‏اليها أنها تساعد على خفض التضخم وزيادة معدل الانتاجية فضلا عن الاستفادة من ‏الخدمات الاجتماعية التي تكون عادة منخفضة بين المهاجرين مقارنة بالسكان ‏الأصليين.
واستعرضت الدراسة نماذج لتشجيع العقول على البقاء في الدول التي ‏هاجروا اليها مثل قرار للكونغرس الأمريكي بزيادة تصريحات الحصول على بطاقات ‏الاقامة للمتخرجين الأجانب في مجال التكنولوجيا المتطورة من 90 ألفا في السنة الى‏ ‏150 ألفا ثم الى 210 آلاف العام الحالي.
وأوضحت أن الاحصاءات تشير الى أن نحو 60 بالمائة ممن درسوا في الولايات ‏المتحدة خلال العقود الثلاثة الأخيرة لم يعودوا الى بلادهم وكذلك بالنسبة لـ 50 ‏بالمائة ممن درسوا في فرنسا فيما تشير الأرقام الى هجرة نحو 750 ألف شخص من ذوى ‏الكفاءات من البلدان النامية الى البلدان المتقدمة.
واشارت الى تأكيد أحد الكتاب العرب أن ظاهرة هجرة العقول الى الدول المتقدمة ‏ستتزايد في المستقبل نتيجة لنظام العولمة والقوى المحركة لها حيث البحث عن العقول ‏والكفاءات المبدعة في سوق عالمية واحدة.
وتوقعت في هذا الاطار أن تتزايد ظاهرة هجرة العقول كذلك نتيجة لانخفاض نسبة ‏الكفاءات العلمية في الدول الصناعية الكبرى بسبب انخفاض نسب الولادة وعدد ‏المتخصصين في الفروع العلمية والتقنية مما يجعلها تبحث عن عقول وكفاءات أجنبية ‏ ‏لملء هذا الفراغ.
واستغربت الدراسة أنه في الوقت الذي تحشد الدول المتقدمة جهودها من أجل ‏المحافظة على علمائها وتوفير كل ما يستلزم لبقائهم في بلادهم وعدم هجرتهم للخارج" ‏ ‏فان الدول النامية لا تعطى أهمية ملحوظة لمخاطر هجرة عقولها النادرة الى الخارج بل ‏وتشجعها على هذه الهجرة".
وضربت أمثلة على قيام الدول المتقدمة بالحفاظ على عقولها النادرة من الهجرة ‏ ‏للخارج مثل وضع الحكومة البريطانية خطة خصصت لها بليون دولار اضافية في ميزانية ‏البحث العلمي" بهدف توفير كل ما يحتاجه العلماء والباحثون لتشجيعهم على البقاء في بريطانيا ‏ ‏وعدم الهجرة الى أمريكا أو أي من الدول الأوروبية الأخرى".
‏وأفادت الدراسة بالمقابل أنه ليست هناك خطة عربية واضحة لوقف نزيف ‏هجرة العلماء العرب الى الخارج أو تشجيع العلماء المهاجرين على العودة الى بلادهم ‏باعتبار " أن العلم هو معيار التفوق وأساس التمايز بين الأمم والشعوب".
وأكدت في هذا السياق الحاجة الى استراتيجية عربية تقوم على عدة أسس منها وضع ‏المشكلة في بؤرة اهتمام الجامعة العربية ومؤسساتها المختلفة من خلال التنبيه الى‏ ‏خطورتها والدعوة لمعالجتها ورصد احصاءاتها الدقيقة لتقديمها الى الجهات المتخصصة ‏في الدول العربية اضافة الى تبنى مشروعات عربية مشتركة تدعو اليها هؤلاء العلماء ‏الموجودين بالخارج.
وأكدت ضرورة اعتبار هذه القضية" قضية أمن قومي" على المستوى العربي على أساس ‏أن "تفريغ أي أمة من عقولها النيرة يعني تركها أمة خاملة وتابعة وغير قادرة على ‏الابتكار".
وحثت على تبنى المواهب المختلفة وعدم اهمال الاختراعات التي تقدم بالمئات الى ‏الجامعات وأكاديميات البحث العلمي في العالم العربي دون أن تجد طريقها للتنفيذ على أرض الواقع مؤكدة أن مسؤولية كبيرة تقع على القطاع الخاص في تبنى المخترعات‏ ‏العلمية التي تساعد على تطوير أعماله ومنتجاته كما يحدث في الدول الغربية.
وشددت أيضا على الدور البارز للجامعات والمعاهد العربية من خلال حرصها على ‏علمائها وتوفير كل السبل التي تتيح لهم العمل والابتكار والابداع "سواء من خلال ‏ ‏تقديرهم ماديا أو أدبيا والتوسع في انشاء الأكاديميات التكنولوجية والبحثية".
ودعت الى ضرورة التعاون العربي سواء من خلال الجامعة العربية أو مراكز البحوث ‏‏والجامعات أو مؤسسات الأعمال والقطاع الخاص فضلا عن ضرورة وضع الضوابط اللازمة ‏التي تحول دون بقاء أعضاء البعثات في الخارج وخضوعهم لاغراءات تقدم لهم.
وأوصت بضرورة وضع ضوابط محددة لهجرة العلماء العرب للخارج "لا تصل الى حد‏ ‏تحريم الهجرة وانما تقييدها" الأمر الذي يحتاج بدوره الى مناقشة القضية مع الدول ‏المستقبلة والتوصل الى صيغة معينة.(كونا)