هشام بنجابي يستعيد صور الزمن السعودي الجميل

الفنان التشكيلي السعودي: نحتاج لإقامة متاحف فنية بكل مدينة لتسويق أعمال الفنانين.
اهتمام الحكومة وولي الأمر جعل الفنون بوجه عام، والفن التشكيلي بوجه خاص في المرتبة الأولى من حيث الإهتمام
الاهتمام بالفنون غير نظرة الأجانب القديمة إلى المملكة ورؤيتها على أنها مجرد صحراء

قال الفنان التشكيلي السعودي، هشام بنجابي إن المملكة العربية السعودية، غنية بتراثها وعاداتها وتقاليدها، فى المأكل والمشرب والملبس وفي الزخارف والألوان، وان ذلك الغنى التراثي، انعكس بالإيجاب على الفنانين السعوديين، كون الفنان هو الشخص الأقدر على ترجمة ذلك التراث وتلك الحياة، سواءاَ بالرسم، أو الكلمة، أو التمثيل.
وأشار بنجابي إلى أن الفنان التشكيلي السعودي، لم يأخذ حقه فى بدايات ظهور الفنون التشكيلية بالمملكة، لكن اهتمام الحكومة وولي الأمر جعل الفنون بوجه عام، والفن التشكيلي بوجه خاص في المرتبة الأولى من حيث الإهتمام، وغيرت الفنون نظرة الأجانب القديمة إلى المملكة ورؤيتها على أنها مجرد صحراء. 
وحول حاضر ومستقبل المشهد التشكيلي السعودي والخليجي، قال بنجابي - الذي يعد أحد رواد الفن التشكيلي فى السعودية - إن المملكة - وإلى عهد قريب - كان فيها الفن التشكيلي متواضعاَ، وكان الفنانون التشكيليون عددهم محدودا في جميع مناطق المملكة، وبالطبع فقد كان ذلك  نقطة ضعف في الفن التشكيلي السعودي. 
لكن – وبحسب قوله – منذ قرابة أربعة أو خمسة عقود مضت، أصبح للفنانين التشكليين رصيد كبير لدى المجتمع، وصارت الصحافة وكل وسائل الإعلام تلقى الضوء عليهم، وتبرز فنونهم.
ومنذ ذلك الزمن صارت الفنون التشكيلية بالمملكة تساير التطور الحادث في الفنون ببلاد كان فيها الفن التشكيلي مشعاَ مثل العراق والمغرب والسودان ومصر وسوريا. 
وأشار الفنان هشام بنجابي إلى أن دول الخليج كان لها دور في تطور الفن التشكيلي العربي، وأخذت الحركة التشكيلة بها حظها مع الجهات المسؤولة في دول الخليج مثل الكويت والامارات فقد اهتموا بالفن التشكيلي بشكل كبير.

رؤية 2030 :
وأشار بنجابي إلى أنه مع رؤية أمير الشباب محمد بن سلمان ورؤية 2030 أحدثت حراكا شاملا في منطقة الخليج بالكامل، وليس داخل السعودية فقط، بما في ذلك الحراك الكبير الذي أحدثته تلك الرؤية المتكاملة داخل المشهد الفني والتشكيلي السعودي.
فقد ألزمت رؤية 2030 – بحسب الفنان هشام بنجابي – كافة المؤسسات الحكومية باقتناء أعمال الفنانين التشكيليين في المملكة.
وأكد على أن فناني المملكة العرببية السعودية، صارت لهم مكانة كبيرة، وهم جميعا ينطلقون في أعمالهم من نقطة أولى هي حب الوطن وتراثه، وطاعة ولي الأمر في رؤيته وفكره، فالفنان – بحسب بنجابي – هو نواة المجتمع، ومن هنا فهو بمثابة "حجر ساند" بما يقدمه من فكر وفنون وإبداع.
ورأى بنجابي أن هناك خطىَ مبشرة على طريق المشهد التشكيلي سعوديا وخليجيا وعربيا، لكنه لفت إلى أنه من الصعب على الفنان التشكيلي أن يعيش من نتاج فنه، وأن الفن والفنان يحتاجان للمزيد من الدعم والمساعدة من أجل أن يتمكن الفنان من أن يوفر تكاليف معيشته من بيع أعماله، وان يكون الفن مصدر رزق له.
وأشار إلى أنه في حال وجود متاحف فنية فى كل مدينة، لعرض أعمال الفنانين المعاصرين من الأعمال التشكيلية، سيكون وقتها لدى الفنان القدرة على تسويق وبيع أعماله وأن يجعل من ممارسته للفنون التشكيلية مصدر رزق له، وأضاف بأن مثل تلك المتاحف ستنتقل بالفنون وبالفنانين إلى مرحلة جديدة من التطور والرقى والتألق والإبداع.
 الإعلام والفنون التشكيلية :
وأكد الفنان هشام بنجابى، على أن هناك فنانين سعوديين أخذوا حظهم من الشهرة، عن طريق وسائل الإعلام مضيفا بأن  الإعلام له دور كبير في رفع مكانة الفنان، لانه يقدمه إلى الناس، ويقدم أعماله لهم فيصير معروفاً ومشهوراً ، ووقتها يستطيع أن يجعل من ممارسته للفنون مصدر رزق له.
وحول رؤيته لما يعانى منه الفنان التشكيلى العربى، قال بأن الفنان التشكيلي العربي يحتاج لتحقيق الإنتشار له ولأعماله داخل وطنه، عبر نشر المتاحف وقاعات العرض الفنية، ليتمكن بعد أن تنتشر أعماله داخل وطنه، من الخروج بأعماله وعرضها دولياً وعالمياً. 
وشدد على ضرورة أن يكون الفنان ملماَ بثقافة المدارس الفنية وروادها، ومن أين أتت وأن يتعرف على التقنيات الفنية التي تستخدمها كل مدرسة، حتى يكون مطلعاً ولديه القدرة على التحدث بمنهجية وبأسلوب فني عن أعماله التشكيلية.
صور الزمن الجميل :
واستعاد الفنان السعودي الكبير هشام  صور الزمن الجميل في مدينة جدة، حيث يقيم، حين كان تقارب البيوت بالمملكة يجعل أهل الحارة والجيران يعيشون حالة من التآخي والمودة والألفة والمحبة الصادقة، فيتشاركون في كل المناسبات، فكان إذا أقبل أحدهم على زواج أحد أبنائه أو بناته، يجد كل الجيران يجتمعون من حوله، ويساعدونه في ترتيب وتجهيز كل شيء، والكل يفتحون بيوتهم للمشاركة في الإحتفال، ويشير إلى أنه حتى كان من المعروف لديهم تأسيس غرفة تسمى (الريكة) وهي غرفة أو مجلس داخل البيت كان الكل يساهم في ترتييبها وتأسيسها وتزيينها، من الجيران والأهل من أجل أن يتم فيها التعارف بين أهل العروسين، وقراءة الفاتحة، أو عقد القران، وإتمام مراسم حفل الزفاف وهذا الريكة – بحسب قول "بنجابي - كان كل أهل جدة يعتزون بها.  

fine arts
علامة بارزة في خارطة التشكيل السعودي

وحول صور التواصل الإجتماعى الحقيقي – وليس الإفتراضي كما هو اليوم – حكى الفنان هشام بنجابي، عن أنه كان إذا توفى رجل البيت أو سافر خارج المدينة، تقوم زوجته بوضع "زنبيل" على باب البيت، وهو عبارة عن كيس أو سلة من "الخسف" يعرف منها أن صاحبة البيت في حاجة لشراء مواد غذائية، فكان أي شخص يجد هذا "الزنبيل" يقوم بشراء احتياجاتها، ويضعها في "الزنبيل" دون أن تعرف من الذي قام بذلك من الجيران.
تجسيد العمارة التراثية :
وتحدث الفنان الفنان هشام بنجابي، عن الألعاب التراثية في المملكة بوجه عام، ومدينة جدة بوجه خاص، مثل لعبة "الغولة" ولعبة "الحجيلة" والتي جسدها في لوحاته بهدف تخليدها وتعريف الأجيال الجديدة بها، وأشار إلى أن أصحاب المهن الشعبية، كان لهم نصيب كبير في لوحاته، مثل السقا والفران والصياد. 
وأنه رسم البيوت القديمة، وجسد صور الأطفال وهم يلعبون أمامها، بالعجلة الصغيرة، كما رسم بيت خميس والمحال ومسجد الشافعي وسوق الجامع، وهي مبان تراثية سعودية، حيث يرجع تاريخ مسجد الشافعي على سبيل المثال لـ 800 عام مضت، وهو – وبحسب بنجابي – تحفة من التحف المعمارية بمدينة جدة.
ورأى بنجابي بضرورة تجسيد هذه النماذج التراثية وكل العادات والتقاليد الأصيلة، في الأعمال الفنية، من اجل إتاحة الفرصة أمام الأجيال القادمة للتعرف على تراث وتاريخ بلادها وعاداتها وتقاليدها وموروثاتها الشعبية.
ولفت الفنان هشام بنجابي، إلى أن تلك الحياة التى عاشها بكل ما احتوته من تراث وعادات وتقاليد تعلم كيف ينقلها برؤيته خاصة وأنه لم يكن هناك تصوير ينقل ويجسد ذلك التراث وتفاصيل تلك الحياة في تلك الفترة التي يحكي لنا عنها، فكان يقوم بتجسيدها بالاسكتشات، حيث لا تزال تلك الصور موجودة بذاكرته.
وأشار إلى أن وجود جدة التاريخية والبيوت القديمة والأسر والعوائل المعروفة فيها، يجعلها مثار فخر لنا بتلك الأصالة.
وأضاف بأن هناك بيوتا في جدة التاريخية، لها عراقتها وأصالتها في العمران وقيمتها لدى الفنان السعودي، وذلك مثل بيت الشلبي، وباعشن، وبيت المنصور، والزامل، والمدبولي، والمتولي، وباناجه، والجفري، وبيت سلامة، وبيت ناظرة، وباديب، وغيرها.
وأشار إلى أن التكوين الجغرافي لمدينة جدة كان مقسما أربعة حارات هي: حارة المظلوم، وحارة الشام، وحارة اليمن، وحارة البحر، وأنه في هذه الحارات سكنت أغلب العوائل المعروفة في جدة، وأن الفنان السعودي أو العربي يجسد الحارات في لوحاته وكذلك البيوت والأسواق والمهن والبحر والسفن. 
وقال بنجابي بأنه رسم الحياة الاجتماعية بكل تفاصيلها من بيوت وـلعاب ومهن، والمرأة السعودية والعمدة والبحر والصيادون والبواخر القديمة. 
كما رسم (الكنداسة) التي كانت بمثابة محطة لتحلية مياه البحر، وأن عائلة هناك عائلات تسمى بهذا الاسم في مكة المكرمة وفي جدة، نسبة إلى تلك المهنة، وهي محلية تحلية مياه البحر من خلال تبخيرها وتقطيرها.
وحكى الفنان عن طقوس "الشاهي" و"الكماج" - الكيكية المصنوعة في البيت - والفصفص واللوز واللعب بالسقيطة، وغير ذلك من تفاصيل الحياة التى كانت لها حلاوتها برغم أنها كانت حياة  بسيطة.
وابدى بنجابي أسفه لأن الناس افتقدوا اشياء كثيرة كانت جزءَا من حياتهم، حيث كان الغربيون يبدون انبهارهم بتلك الحياة القديمة، وتلك العادات التراثية الراقية، وكانوا يتعجبون من ذلك الرقي الذي عرفناه في حياتنا الإجتماعية قديما.
وكشف عن أن كل تلك العناصر في الحياة الإجتماعية بجدة التاريخية، مثلت له أهمية وقيمة كبيرة، واستوحى منها الكثير من لوحاته، وجسدها في الكثير من أعماله الفنية.
كما أنه درس الأبواب التراثية القديمة، دراسة وافية مثل نوع الخشب والحفر وأبعاده بالنسبة للبيت ومسميات تقسيم الأبواب، وكذلك تفاصيل ما يعرف بالرواشين في العمارة السعودية التراثية، وتأثرها بالنقش العثماني والمغربي والسوداني.  

مقابلة بالملك فيصل: 
الفنان هشام بنجابي، روى تفاصيل مقابلته المبكرة مع الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود، وقال بأنه ذلك اللقاء الذي ظل محفوظا بذاكرته يرجع تاريخه إلى فترة في المرحلة الثانوية، بأنه رسم الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود، وحين شاهد وزير التعليم آنذاك تلك اللوحة، طلب مني أن أقوم بعرضها على الملك فيصل، وأن الوزير رتب له موعدا مع الملك، وأنه حين قابل الملك فيصل شعر بفرحة كبيرة. وذكر أن الملك فيصل اقتنى لوحته، مما زاد من فرحته، وأنه بعد ذلك تشرف بلقاء الملك خالد، والملك فهد، والملك عبدالله، والملك سلمان بن عبدالعزيز.
فنان عاشق لوطنه:
يذكر أن الفنان التشكيلي، هشام بنجابي، هو أحد رواد الفنون التشكيلية بالمملكة العربية السعودية - وبحسب معهد مسك للفنون، بالمملكة العربية السعودية - من مواليد مكة المكرمة عام 1375هـ، ودرس الأدب الإنجليزي من جامعة الملك عبدالعزيز بجدة عام 1395 هـ ، وجامعة أدنبره عام 1979، وفي مسيرته الفنية اهتم بالواقعية التسجيلية، وحياة الإنسان والمرأة، وعني بالخيل، وأجاد فن البورتريه، ينفذها بجمالية اللون في الواقعية المعاصرة حيث تبدو الروح والملامح الإنسانية مشعة في أجمل صورها.
وهو فنان عاشقٌ لموطنه مفاخر وغيور على إرث بلاده، مستلهمٌ من ذاكرته الأولى والبيئة المحلية مصدراً ثرياً لمنتجه الفني، غاص في التراث والمظاهر الاجتماعية وهضمها وأحبها، وقدم إبداعا مبنياً على ثقافة متكاملة بقدرة تنفيذية عالمية فأجاد وأمتع، محققاً أعلى درجات التوازن الفني والحضور الخاص الذي يؤكد أصالة منتجه وتميز شخصيته الفنية، ترك أثراً واضحاً ونهجاً يُحتذي شاهد على إبداعه وتميزه، حتى أصبح علامة بارزة في خارطة التشكيل السعودي، وبدأت مشاركاته عام ۱۳۹۳هـ في المعرض الأول لجمعية جدة للفنون الجميلة للجاليات الأوروبية. 
وقد عمل الفنان هشام بنجابى مديراً لمتاحف المنطقة التاريخية بجدة من عام 1407 هـ إلى عام 1409 هـ. وأسس جمعية جدة للفنون الجميلة للجاليات الأوروبية في عام 1393 هـ، وعمل مديرا للمركز السعودي للفنون الجميلة بجدة، نائبا لرئيس بيت التشكيليين بجدة من عام 1413 هـ، ورئيس بيت التشكيليين بجدة من عام 1415 هـ - 1420 هـ، ومدير الجمعية السعودية للفنون التشكيلية فرع جدة (جسفت) من 1438 هـ، ورئيس لجنة الفنون التشكيلية بالغرفة التجارية بجدة 1434 – 1437 هـ، كما شارك فى عضوية العديد من اللجان والمؤسسات الفنية.