هل سيقع بوتين في فخ أوكرانيا

سبق وان استدرجت الولايات المتحدة صدام حسين إلى الكويت. نعرف بقية الحكاية. الآن نحن أمام حكاية مشابهة.
هناك ليونة وتساهل من جانب الإدارة الأميركية تجاه نوايا الهجوم الروسي على أوكرانيا
هل يجري استدراج الدب الروسي لتوجيه ضربة له تعيده للمربع الأول كحاله في التسعينات

بتاريخ 25 تموز/يوليو 1990 وأثناء اجتماعها مع الرئيس الراحل صدام حسين عبرت السفيرة الأميركية في بغداد ابريل غلاسبي عن أن الولايات المتحدة غير مهتمة بالصراعات العربية - العربية في اشارة للنزاع بين العراق والكويت. وحسب نسخة من مضمون اللقاء تم إرسالها في برقية من السفارة الأميركية إلى واشنطن قالت غلاسبي للرئيس: "يمكننا أن نرى أنكم نشرتم عددا كبيرا من الجنود في الجنوب. في العادة هذا الأمر لا يخصنا ولكن عندما يحدث ذلك في سياق تهديداتكم ضد الكويت فسيكون من المعقول أن نشعر بالقلق. لهذا السبب تلقيت تعليمات أن أطلب منكم بروح الصداقة – عدم المواجهة – وفيما يتعلق بنواياكم: لماذا تحشد قواتكم قريبا جدا من حدود الكويت؟" في وقت لاحق نشر جزء من كامل النص الذي قالته غلاسبي للرئيس كما يلي: "ليس لدينا أي رأي حول الصراعات العربية العربية مثل نزاعك مع الكويت" نشرته صحيفة نيويورك تايمز في أيلول/سبتمبر 1990.

ومع أن غلاسبي تعرضت للمساءلة من قبل لجنة من مجلس الشيوخ حول مقابلتها مع صدام، لكن أحدا لم يستطع توجيه اللوم إليها حيث كان من الواضح أنها قد التزمت بتوجيهات وزارة الخارجية الأميركية حول ذلك الموضوع.

لا يمكن أن يختلف اثنان في أن الرسالة التي أوصلتها غلاسبي لصدام كانت مخصصة لتضليل صدام ودفعه للاعتقاد أن الولايات المتحدة ستدير وجهها بعيدا عن هجومه الوشيك على الكويت، وأنها ستحاول حل الأمور معه بطريقة ديبلوماسية وربما ستكتفي بدعم سياسي لبقية دول الخليج ومصر في مسعى عربي لدفع صدام للانسحاب من الكويت مقابل ثمن تحدده المفاوضات.

أي أن السياسة الأميركية استدرجت صدام لاحتلال الكويت تمهيدا لتوجيه ضربة قاصمة للجيش العراقي هناك كما حصل بالفعل.

اليوم ربما يتكرر السيناريو مع بوتين. في البداية هناك ليونة وتساهل من جانب الإدارة الأميركية تجاه نوايا الهجوم على أوكرانيا. عواقب احتلال اوكرانيا ليست سوى فرض عقوبات اقتصادية غير محددة. الغرب بزعامة الولايات المتحدة يقول لروسيا لن نقف في وجهكم، ولن نحارب ضدكم، فقط لدينا حزمة من العقوبات الاقتصادية ربما تكون مؤلمة للاقتصاد الروسي وهذا كل شيء.

بالطبع الجميع يعرف أن تهديدا كهذا لا يمكن أن يدفع بوتين للتراجع، بل سيشجعه على المضي نحو الأمام. بوتين ربما يفكر على النحو الآتي: بعد احتلال اوكرانيا وتنصيب رئيس موال ستبدأ المفاوضات مع الغرب لرفع العقوبات من موقع القوة. مثال ايران حاضر أمام بوتين، وروسيا تمتلك من الأوراق أكثر مما تمتلكه ايران، ربما يستغرق الأمر بعض الوقت، لكن في النهاية سيرضخ الغرب للأمر الواقع في اوكرانيا كي لا يغضب الدب الروسي ويتحول غضبه نحو بلد أوربي آخر مثل بولندا.

لكن ماذا اذا اشتعلت المقاومة ضد روسيا في اوكرانيا، وفتحت الولايات المتحدة ترسانتها الحربية لإمداد الاوكرانيين الذين شعروا بأن بلدهم أصبح تحت الاحتلال، وشيئا فشيئا انخرطت أوروبا في مواجهة سياسية واقتصادية وإعلامية شاملة مع روسيا بحيث تصبح روسيا معزولة وينظر اليها كدولة توسعية عدوانية تهدد السلام العالمي.

روسيا ليست الاتحاد السوفييتي السابق، وحجم اقتصادها لا يؤهلها لحرب طويلة في المستنقع الاوكراني، وليست لديها القدرة لمواجهة الغرب حتى في ضعفه الراهن.

فهل يجري استدراج الدب الروسي للخروج من قلعته والوقوع في الفخ الأوكراني تمهيدا لتوجيه ضربة له تعيده إلى المربع الأول كحاله في التسعينات من القرن الماضي؟

غرور بوتين واندفاعه نحو استعادة مكانة الاتحاد السوفييتي وما أظهره بايدن من ضعف في طريقة انسحابه من أفغانستان كما انشغاله بالخطر الصيني كل ذلك يهيئ الطريق لمنزلق نحو الفخ الاوكراني، منزلق قد لا يكون سهلا التراجع عنه حين يقفل باب القفص على الدب الروسي.