هل هو إستسلام غير مباشر؟

الحديث عن برنامج النفط مقابل الغذاء الإيراني الأوروبي دليل آخر على وصول خيارات النظام إلى نهاية مسدودة.

على مر الاسابيع المنصرمة صدرت تصريحات ومواقف رافضة ومشككة وطاعنة بالدور الاوروبي في مواجهة العقوبات الاميركية من جانب قادة ومسٶولين إيرانيين كبار وفي مقدمتهم المرشد الاعلى للنظام. لكن الذي لفت النظر إن هذه التصريحات والمواقف حرصت على إبقاء خطوط الرجعة مع الاوروبيين خصوصا إنه ومع تفاقم الاوضاع في الداخل سوءا وعدم تمكن حكومة روحاني من معالجتها بالصورة المطلوبة، فإن الانظار بقيت ترنو لأوروبا عسى أن تجد مخرجا لهذا المأزق القاتل الذي يواجهه النظام الحاكم في إيران.

ما قد ذكرته وسائل إعلام إيرانية من أن بير فيشر، مدير القناة المالية الأوروبية للتعامل مع إيران التي تعرف بـ "اينستكس"، عقد مباحثات في طهران يوم الثلاثاء الماضي، حول تفعيل الخطوة الأولى من هذا المشروع والذي يركز على بيع الغذاء والدواء مقابل النفط الإيراني تفاديا للعقوبات الأميركية، يأتي بمثابة تأكيد على إن معظم التصريحات والمواقف النارية ضد الدور الاوروبي إنما كان مجرد "هواء في شبك" وضحك على الذقون الايرانية نفسها، إذ لا يبدو إن بإمكان طهران التخلي إطلاقا عن الدور الاوروبي فقد كانت ولا تزال تعول عليه وتعتبره الرئة الوحيدة التي تتنفس من خلالها.

تفعيل مشروع بيع الغذاء والدواء مقابل النفط الإيراني تفاديا للعقوبات الأميركية، لن يكون بالضرورة أبدا كما تطمح وتريد طهران، وقطعا فإن هناك التجربة العراقية أيام حكم الرئيس السابق صدام حسين لا زالت ماثلة للأعين، ويمكن الاستفادة منها من مختلف الجوانب ولاسيما المتعلقة منها بالالتفاف والتحايل على المشروع، خصوصا وإن لطهران عزال وخصوم كثر وستكون هناك أعين كثيرة تحدق بكيفية تنفيذ المشروع ومدى إلتزام النظام الايراني به والامتثال لإلتزاماته بهذا الصدد.

أهم مافي هذا المشروع، هو إنه ليس هناك من مال في مقابل النفط وإنما هناك غذاء ودواء كما طالبت العقوبات الاميركية حرفيا، غير إنه ومع ذلك يجب الاخذ بنظر الاعتبار بأنه بإمكان النظام أن يتلاعب بالغذاء والدواء ويقوم بإستغلاله بطريقة أو أخرى بما يخدم أهدافه وغاياته خصوصا إذ ما تذكرنا بأنه قد قام بإستخدام كافة الاموال الايرانية المجمدة التي أطلقتها الادارة الاميركية السابقة من أجل مخططاته الخاصة ولاسيما في تدخلاته ببلدان المنطقة وتطوير صواريخه الباليستية. ومن المهم جدا منذ الان وضع هذه النقطة في الحسبان والتفكير في كيفية معالجتها والتصدي لها، ولا ريب من إن طهران لن تتمكن طويلا من الاستمرار في الاوضاع الحالية وهي بحاجة ماسة لما تهدئ به من روع الشعب الايراني الغاضب والساخط عليها وإن سد الثغرات التي من الممكن أن يتحايل النظام من خلالها سوف يكون مفيدا للشعب الايراني نفسه وفي ذات الوقت ضمانة قوية لإلتزام طهران بتعهداتها مع التذكير بأن الامور لو سارت بهذه الطريقة فإن النظام لن يستمر طويلا!