هل هي مقدمة لحوار سياسي مختلف؟

لقد قرر أعداء إيران أن الوقت قد حان لكي تتعرف إيران على حجمها في ميزان القوى العالمي.
لأول مرة لم تهدد إيران بإغلاق مضيق هرمز
ليس من المستبعد أن تطوي ايران الرسمية وليست العقائدية صفحة عنادها القديم وتتقدم خطوة
هل ايران عاجزة فعلا عن معرفة ما يجري على أراضيها أم أنها لا تريد الاعتراف بتفوق أعدائها

من الصعب أن يقع تحول جوهري في السياسات التي ينتهجها النظام الإيراني. لكن ذلك النظام إذا ما تبنى تحولا بدرجة ما لابد أن يجد مَن يدافع عن ذلك التحول كونه إجراء وقائيا.

ما يهم النظام بالدرجة الأساس هو استمراره في حربه العقائدية وعدم تخليه عن خط الامام الخميني. وهو ما يعني اخلاصه لمبدأ تصدير الثورة. تلك فكرة مقنعة لإنصار ولاية الفقيه فيما إذا اضطر النظام إلى التراجع عن عناده وخضع لشروط المفاوضات مع الولايات المتحدة.

فإيران لا يمكن أن تظل صامتة وقتا طويلا إزاء ما يجري داخل أراضيها منذ أواخر يونيو/حزيران من حرائق وانفجارات استهدفت مواقع عسكرية ونووية وصناعية ومعامل لتكرير النفط ومحطات طاقة.

لا يزال الغموض يلف كل شيء. ذلك أمر غير مسبوق. فهل طهران عاجزة فعلا عن معرفة ما يجري على أراضيها أم أنها لا تريد الاعتراف بتفوق أعدائها؟ ذلك التفوق الذي تم تجسيده من خلال السلاح الغامض الذي استعمله الأعداء في تنفيذ هجماتهم التي لا تحمل أثرا يدل على منفذيها.

ومن الواضح أن إيران لم توجه ذيولها إلى القيام بحملة تهديدات موجهة إلى عدو بعينه. لذلك شمل الصمت الإيراني حزب الله أو الميليشيات العراقية.

العدو وإن كان جاهزا فإنه لم يعلن عن قيامه بالهجمات وهو ما كان مريحا بالنسبة لإيران التي يوجعها أنها تقف عاجزة أمام أنصارها.

لم تتحدث وكالات الأنباء الإيرانية عن التفاصيل. كان كل شيء مقتضبا كما لو أن تلك الأحداث ليست مؤثرة على البرنامج النووي ومشاريع التسلح. واللافت أيضا أن أحدا من زعماء الحرس الثوري لم يتفوه بأي تهديد موجه إلى العالم الخارجي وخصوصا إسرائيل والولايات المتحدة.

لأول مرة لم تهدد إيران بإغلاق مضيق هرمز.

تبدو إيران حائرة في تحديد عدوها. غير أنها ليست كذلك تماما. فهي ربما تمهد لمرحلة جديدة، مرحلة ستبدو فيها مستعدة للبدء بعقد تسويات جديدة قائمة على تفاهمات ستكون بموجبها برامج التسلح النووي والبالستي جزءا من الماضي الذي يجب أن يُمحى.

لن تجر إيران وراءها إلى المفاوضات حشدا من المشكلات. ستذهب خالية الوفاض. فدرس التفوق التقني سيكون حاضرا في الذهن الإيراني. وما لم تذهب إيران إلى المفاوضات فإنها ستكون مهددة بفقدان كل ما تملك من عوامل قوة تقليدية. ستفقد إيران كل ما لديها من مصانع وشركات ومحطات أنففت عليها مليارات الدولارات من غير أن تكون قادرة على تحديد العدو أو التقنية التي تم استعمالها في تلك الحرب الغامضة.

كان عليها أن تدرك أنها ستهزم في حربها ضد العالم فهي حرب غير متكافئة. وإذا ما كانت قد غطت على تلك المعادلة بضجيجها العقائدي الذي تبناه قطاع الطرق والرعاع في العراق ولبنان واليمن فإنها كانت في حاجة إلى درس مباشر يضعها مباشرة أمام حجم قوتها الحقيقية. وهي قوة عمياء لن تتمكن من رؤية مَن يوجه إليها الضربات.    

إيران الصامتة إزاء ما يجري لها ليست هي تلك القوة التي كانت تفخر بامتداد نفوذها من البحر المتوسط حتى البحر الأحمر.

اليوم تغير كل شيء.

لقد قرر أعداء إيران أن الوقت قد حان لكي تتعرف إيران على حجمها في ميزان القوى العالمي. لقد انتهى السباق. فالنظام الإيراني الذي أغرته القوة كان قد أنفق أموالا طائلة ثمنا لدخوله ذلك السباق على أمل الوصول إلى مرحلة توازن الرعب. وكان ذلك أملا خائبا.

لذلك فليس من المستبعد أن تطوي إيران الرسمية وليست العقائدية صفحة عنادها القديم وتتقدم خطوة في اتجاه المفاوضات رغبة منها في الحفاظ على شيء من سمعة نظامها.