هل يحتاج العراق الى حكومة طوارئ أو إنقاذ وطني

تبذل الولايات المتحدة واطراف اقليمية جهودا حثيثة لكي لا تخرج الأمور عن السيطرة في العراق. البعد الإيراني حاضر دائما في الشأن العراقي.

لم تحير تعقيدات الوضع العراقي المتابعين للشأن السياسي العراقي ورجال القانون وحسب، بل أربكت حتى خبراء الإستراتيجية الأميركية أنفسهم، الذين صارت تراودهم كثير من الشكوك وعلامات الريبة والقلق من تراكمات الوضع العراقي. وهم وإن كانوا ينظرون الى إن الحالة العراقية برمتها مسيطر عليها الى حد ما، الا انهم لا يستبعدون أن يواجه العراقيون المخاوف من أن تخرج الأمور في بلدهم عن السيطرة، إن بقيت تفاعلات الوضع العراقي وانهياراته المتسارعة تدور على تلك الشاكلة من التناقض والاحتراب في المواقف، حتى بين أقرب المقربين من أطراف التحالف الوطني، الذين يعدون أنفسهم الكتلة الأكبر، وهم أنفسهم وراء أغلب علل تلك الأزمة في البلد وهم سبب تعقيداتها، بسبب ارتباطاتهم بجهة إقليمية تفرض أرادتها عليهم من جهة، وعدم وجود رؤية لائتلافاتهم السياسية لطريقة الخلاص مما آل اليه الوضع العراقي من تدهور بسبب مصالحهم الأنانية الضيقة، ووصول الأمر حد رفع السيف بوجه الآخر، إن كانت المصلحة تتطلب أن يشهر كل طرف السلاح بوجه الآخر ويعلنها حربا شعواء تريد ارغام الآخر على الاستسلام للأمر الواقع، ثم يتدخل الطرف الايراني في كل مرة لتهدئة نيران الصراعات، ويحاول قدر إمكانه ان يمسك العصا من وسطها قبل أن تنفلت الأمور الى ما لا يحمد عقباه.

ويمكن إجمال تعقيدات الوضع العراقي وبخاصة بعد اتهامات تزايدت وحالات تزوير واسعة شابت الانتخابات الأخيرة، ومن ثم اضطر البرلمان قبل ان ينفرط عقده الى اصدار قرار بإعادة العد والفرز اليدوي وعدم اعتماد العد الالكتروني، وما تبعها بعد أيام قليلة من قضية إحراق مخازن صناديق الاقتراع واتساع الدعوة الى الغاء الانتخابات ومطالبات بإقامة حكومة انقاذ وطني (أو حكومة طوارئ)، لنضع كل تلك التعقيدات على طاولة البحث وعلى الوجه التالي:

مفهوم حكومة الإنقاذ الوطني بين مواد الدستور العراقي وميثاق الامم المتحدة

1- البعض من المحللين السياسيين ومن فقهاء القانون يقولون أن الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة يسمح بتشكيل حكومة إنقاذ وطني في الدول التي تعاني من الفوضى والارباك وتلك التي لا تستطيع تشكيل حكومة، وقد تؤثر تداعياتها على حالة السلم الأهلي للدول المجاورة خاصة والعالم بشكل عام.

2- يشير بعض المحللين السياسيين وخبراء القانون الى أن الحال في العراق لا ينطبق عليه حالة اقامة حكومة انقاذ وطني، لكون العراق لديه دستور أقر بعد ان استفتي عليه من قبل الشعب، فضلا عن وجود برلمان أفرزته نتائج انتخابات شاركت فيها جميع مكونات واطياف الشعب العراقي، مؤكدين انه وحسب الصيغ الدستورية فإنه لا توجد مصطلحات لحكومة انقاذ وطني او مشاركة او توافق وانما تطرح هذه المصطلحات لتدارك ازمات وطنية ولانهاء الخطورة التي تتعرض لها الدول المعنية من جرائها.

3- ويرى آخرون أن حكومة انقاذ وطني تعني انقلابا وطنيا داخليا ابيض والغاء نتائج الانتخابات وعدم الاعتراف بنصوص الدستور، ومثل هكذا مصطلح يعني الغاء نتائج الانتخابات وعدم الاعتراف بما نص عليه الدستور.

4-  يرى البعض أن سلطة الامم المتحدة أو مجلس الامن لا تعتبر سلطة فوق سلطات الدول، والمعنى القانوني لهذا هو أنه لا يحق للامم المتحدة أو اية جهة اخرى فرض نوع الحكومة المراد تشكيلها في دولة من الدول.

5-  ويرى البعض الآخر أنه يوجد نص في ميثاق الامم المتحدة يجيز لها فرض الوصاية على الدول في حال كانت اوضاعها تهدد السلم وتفرض حالة من الخطر على العالم. ويوضحون ذلك بالقول أنه اذا ارادت الامم المتحدة ان تتدخل فيجب عليها العودة الى مبدأ الوصاية الذي طبق بعد الحرب العالمية، اذ كانت اغلب الدول مستعمرة، ما حدا بالأمم المتحدة الى ان تضعها تحت الوصاية حتى تستعيد سيادتها الكاملة وترتب أوضاعها.

6-  لا يحق لدولة كانت تحتل العراق مثل الولايات المتحدة الاقدام على اقامة حكومة طوارئ او انقاذ وطني لاسيما في العراق، الا عن طريق نافذة الامم المتحدة، حينذاك ننتقل الى وصاية الامم المتحدة ويتم الغاء نتائج الانتخابات ونصوص الدستور، وان حكومة الانقاذ الوطني في هذه الحالة تعني انقلاباً وطنياً على استحقاق وطني او انقلاب من جهة على جهة لتشكيل حكومة بعيدة عن الاستحقاقات البرلمانية.

7-  أما حكومة الوحدة الوطنية فهي من وجهة نظر المهتمين بعلم السياسة هي حكومة تتكون من الكتل الفائزة في الانتخابات وفق الاستحقاق الانتخابي واخذ الاستحقاق الوطني بعين الاعتبار او معناها حكومة تتمثل فيها أغلب اطياف البلد.

8-  ويرى آخرون أنه لا يحق لاية جهة فرض نوع الحكومة على القادة السياسيين حتى لو كانت الامم المتحدة، وانه في حال فشلت الجهود العراقية في تشكيل الحكومة حينذاك يكون لكل حادث حديث.

9-  ويرى البعض من السياسيين ان حكومة الانقاذ الوطني هي الحل الأسوأ، وهو أمر يرفضه الجميع لانه يخرج عن حدود الاطر الديمقراطية التي شرعها الشعب سواء في استفتائه على الدستور او انتخابه لمن يمثله ويجب على الجميع احترام رأي الشارع العراقي، وإن طرح هذا الامر بعد أشهر من المفاوضات التي تلت الانتخابات يؤكد بما لا يقبل الشك فشل الساسة في التوصل لحلول منطقية لتشكيل الحكومة، وأن حكومة الانقاذ الوطني وآلية تشكيلها ستكون من قبل شخصيات وطنية وبإشراف دولي وهي برهان ملموس يبرهن فشل ساسة البلد في تجاوز الأزمة.

ومن جانبه يرى الخبير القانوني طارق حرب انه لا توجد في جميع دساتير العالم مصطلحات حكومة انقاذ وطني او شراكة او توافق او حتى حكومة وحدة وطنية، ولكن توجد حكومة تتكون من رئاسات الجمهورية ورئيس الحكومة والبرلمان.

وقال حرب "ان هذه التسميات تطرق لتدارك ازمات وطنية في دول لانتشالها من الخطر"، مبينا بان مصطلح انقاذ وطني هو مصطلح غربي وليس عربيا وهو يتجاوز على الدستور والقانون. واضاف ان القصد من المصطلح من الجهة الدستورية والقانونية هو مشاركة فئات أخرى لم تحصل على نسب او مقاعد برلمانية واعطائها مزيدا من الاصوات ليتسنى لها المشاركة بفعالية في تشكيل الحكومة، مشيرا الى ان الدستور الجديد ينص على ان تحظى جميع القرارات ومنها اعطاء الثقة للحكومة او اقالتها بالموافقة بنسبة 50+1 من الاصوات وهذا الامر دفع الكيانات السياسية الى جعل ممثلين عنها اعضاء في الحكومة.

ويضف حرب قائلا: إن الغاء الانتخابات لا يجوز قانونيا وان تدخل الامم المتحدة يجب ان يقتصر على الارشاد وبيان الرأي لتشكيل الحكومة لا التدخل في تشكيل نوع الحكومة، الا في حال صدور قرار طبقا لصلاحياتها وما نص عليه الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة بانه يجوز للامم المتحدة فرض وصايتها وتشكيل حكومة في حال وجود خطر يهدد السلم العالمي وحينذاك يعتبر نافذا شاء الفرقاء أم أبوا.

واكد حرب أنه في وضع العراق وما آلت اليه نتائج الانتخابات لا يوجد داع لتطبيق هذه الفقرة موضحا بان التدخلات الاميركية الغربية في تشكيل الحكومة لن يجدي نفعا.

ويرى المحلل السياسي الدكتور حيدر سعيد أن مثل هذا الطرح مناورات وضغوط سياسية على الاطراف المشتركة في العملية السياسية للتعجيل بتشكيل الحكومة الوطنية.

وأكد الدكتور حيدر أن حكومة الانقاذ الوطني وحكومة الوحدة الوطنية مفهومان سياسيان لا يرتبطان بالدستور، ومع ذلك فان الذي سيحصل في العراق هو تشكيل حكومة حسب الاطار الدستوري، مبينا ان أطراف التحالف الوطني ستحسم الجدل على القضايا العالقة في العملية السياسية ليتجاوز اية اعاقة للاطر الدستورية المتفق عليها واضاف انه لو حدث فعلا ما قيل عن حكومة وطنية فهذا يعني ان هناك كارثة في العملية السياسية لما يترتب على الامر من تداعيات لأنه بمثابة العودة الى نقطة الصفر وافراغ العملية الدستورية من محتواها.

وتابع انه في الوقت الذي ينادي العالم ويعلن عن اعادة بناء عراق المؤسسات والديمقراطية فإننا نجد البعض يناور لاجهاض العملية الديمقراطية، مشيرا الى ان الولايات المتحدة تفرض جزءا من ارادتها في العملية السياسية.

من هذا نخلص من كل ما عرضناه الى النتائج التالية:

1- أن إقامة حكومة انقاذ وطني، أو حكومة طوارئ، تأتي بعد استنفاد كل وسائل وأساليب الحلول والتدخلات الدولية والاقليمية، في العراق، وبعد ان تستشعر الدول الكبرى ومنها الولايات المتحدة ومجلس الأمن ان العراق مقبل على مرحلة حرب أهلية أو تفاقم لأوضاعه السياسية ويهدد وحدة البلاد وسيادته الاقليمية، عندها يكون إقامة حكومة انقاذ وطني او طوارئ واردة، وهو ما يميل اليه أغلب قادة العملية السياسية وجمهور كثير من العراقيين وهم الناقمون على سياسات الجهات السياسية المتصارعة التي على سياسات الجهات السياسية المتصارعة التي لا تعرف كيف تدير أزمة وتنهي تعقيداتها بأكثر الطرق عقلانية وأقلها خسائر، وان الكتل الكبيرة تتمترس خلف المقاعد الكبيرة التي حصلت عليها لتعد نفسها أنها "الوصية" على الآخرين وهي من تفرض رؤيتها عليهم، وان تلك الجهات هي من تروج للحرب الأهلية وهي من تضع الرأي العام العراقي في مأزق اليأس من الخلاص من الوضع الراهن وتداعياته الخطيرة.

2- ان الحكومة الحالية بإمكانها ان تمدد سلطاتها لأشهر بدون أن يكون هناك فراغ دستوري وهي تبقى تتمتع بكل الصلاحيات مادامت قضية الانتخابات لم تحسم، وما دامت هناك انتخابات ونتائج ظهرت للعيان، وان الجدل هو بشأن بعض نتائج الانتخابات، وما رافقها من عمليات تزوير، يمكن حلها، ولو لم تكن هناك انتخابات لكان الأمر قد تحول الى حكومة تصريف أعمال، لكن الحالة العراقية الان لن تدخل في مرحلة فراغ دستوري كما يؤكد فقهاء القانون، وان بإمكان الكتل الكبيرة ان تتوافق مع الرغبة الشعبية والاقليمية الساعية الى حل الأزمة بأقل الخسائر عبر تفاهمات لحلحلة الأزمة، وإشراك الجميع في الحكومة، أي حكومة ممثلة لجميع الاطياف الوطنية ومن يريد ان يكون في صف المعارضة فيمكنه اللجوء الى هذا الخيار، ويبقى قوة ضاغطة على الحكومة تصحح مساراتها، وقد تحين لها الفرصة لاسقاطها ان لم تتوفر للحكومة سبل النجاح وعبور الأزمات، وتبذل كل من الولايات المتحدة واطراف اقليمية جهودا حثيثة لكي لا تخرج الأمور عن السيطرة في العراق، وبخاصة أن الولايات المتحدة امام مواجهة ازمات أخرى استجدت وهي ايران وقضية الوضع السوري والعلاقة مع كوريا الشمالية، وليس لديها الوقت للانشغال بأزمات أخرى في العراق، ولهذا فهي تبقى داعمة للتوجهات التي تدخل فيها الكتل السياسية العراقية كبيرها وصغيرها في تحالفات وتفاهمات وتوافقات، وتنهي تلك ألازمة في بضعة شهور قادمة، دون اللجوء الى خيار حكومة الطوارئ او حكومة إنقاذ وطني.