هل يكره العرب الديمقراطية أم أنها لا تناسبهم؟

النضج الفكري لا يحتاج الى وقت، بل الى إزالة العوائق الفكرية والسماح للإنسان أن يفكر بحرية دون مصادرة تفكيره.
الفرج قريب ونحتاج الى قرن واحد حتى تستقر الديمقراطية!
العائقان الأساسيان امام التحرر الفكري للعرب هما الحكام والدين

في حلقة يوم الثلاثاء 26 أكتوبر/تشرين الأول طرح الإعلامي المتميز سيد جبيل سؤال "هل يكره العرب الديمقراطية أم أنها لا تناسبهم؟"، وأجاب عليه بالمقارنة مع تاريخ أوروبا وخلص الى أن العرب يقفون عند النصف الأول من القرن السابغ عشر في أوروبا حيث سادت الفوضى وقتل مئات الآلاف في الحروب الأهلية ثم جاء المفكر البريطاني توماس هوبز وعرض فكرته أن الحل يكمن في "الدولة الوحش Leviathan " أي أن الدولة يحكها حكم مطلق بحيث يكون الحاكم فوق مستوى الشعب ولا يخضع للمساءلة كحل لأنهار الدماء التي كانت تسيل، ثم تطور الفكر الأوروبي وجاء بفكرة العقد الاجتماعي ونزل بالحاكم الى مستوى موظف لدى الشعب وعليه واجبات ومسؤوليات ويحاسبه الشعب ويعزله اذا قصر في أداء واجباته، وبما أن العرب يخوضون حروبا أهلية، فالحل يكمن في الدولة الوحش الى أن يتطور فكرهم وثقافتهم ويصلون الى مستوى العقد الاجتماعي ويثبتوا الحكم الديمقراطي. لكن العائق هو أن عهد العرب حديث بالاستقلال ولن يستطيعوا ترسيخ الحكم الديمقراطي ولا بد للتاريخ أن يأخذ مجراه الى أن يصلوا الى تلك المرحلة.

في ضوء هذا التحليل، فإن الفرج قريب ونحتاج الى قرن واحد حتى يستقر نمط الحكم الديمقراطي، ولكن هناك مآخذ على هذه الرؤية لأن المسألة ليست مرتبطة بالوقت، فهناك شعوب لا تناسبهم الديمقراطية والاتحاد السوفيتي انفرط بسبب شخص واحد حتى أن المسؤولين السوفييت يقولون أنه لم يكن لديهم علم بالخطة بين الولايات المتحدة وغورباتشوف، وهذا ليس من الديمقراطية في شيء. في المقابل، مارست أثينا الديمقراطية قبل الميلاد، فالمسألة لا تتعلق بالوقت، بل بالشخصية والاستعداد العقلي للفرد، وعندما يصل الفرد الى مرحلة الاعتزاز بالنفس، فلن يسمح لأحد أن يتجاوزه ويتدا على خقوقه، والفرد يعني الكل، واذ تجاوزه أحد، فإن القانون قوي وفعال، وإذا لم يكن القانون قويا وفعالا، فإن النتيجة هي الحرب، وإذا كان العرب يظنون أنهم قاتلوا وقدموا الشهداء، فإنهم لم يقدموا شيئا قياسا بالدول التي حاربت من أجل الديمقراطية وقدمت ملايين الضحايا، ولن يتفق الجميع على خوض هذا النضال طالما أنهم غير متفقين على أنهم يريدون الديمقراطية، فهناك تيارات متصارعة وليس أفرادا متصارعين، كالتيارات الدينية والشيوعية والعلمانية فكيف يضعون أهدافا مشتركة؟ وكيف يخوضون نضالا ليس له أهداف مشتركة؟ هناك من يناضل من أجل الخبز وهناك من يناضل من أجل الدين والطائفة وهناك من يناضل من أجل المنصب والامتيازات وهناك فعلا من يناضل من أجل العدالة للجميع من خلال الديمقراطية والعلمانية، وأي نضال وضحايا ستذهب هباء ولن تحقق شيئا ويعود الناس الى المربع الأول. وبالفعل، فقد عادت دول الربيع العربي الى المربع الأول.

عندما قررت ادارة أوباما في عام 2010 اطلاق الربيع العربي، أجرت استطلاعات واسعة النطاق لمعرفة توجه الشارع العربي ومن الذي سيفوز في حال إجراء انتخابات وتوصلت الى أن الشارع العربي سينتخب الاسلاميين، واتضحت الرؤية لديهم وبدأ أوباما بنشاطه الدبلوماسي بالتقرب من المسلمين والطبطبة على ظهورهم وزيارة الأزهر والهدف الخفي هو إقامة أنظمة حكم اسلامية في المنطقة من خلال انتخابات نزيهة تتصدى لروسيا والصين وتلتحم في حروب دينية وطائفية تضمن أمن إسرائيل، دون أن تدخل الولايات المتحدة في حروب مباشرة مع أحد، ولا يزال المشروع الأميركي قائما ويقوم بايدن باستكماله.

إن النضج الفكري لا يحتاج الى وقت، بل الى إزالة العوائق الفكرية والسماح للإنسان أن يفكر بحرية دون مصادرة تفكيره من قبل قوى طاغية كقوة الحاكم والدين والطائفة، ولو تمكن العرب من بناء شخصية الانسان العربي بعيدا عن التهديد بقوى فعلية أو قوى غيبية، لتمكن العرب من خلق اتفاق فكري وهو الخطوة الأولى في سبيل تحقيق الديمقراطية، ولكن الذي يجري على أرض الواقع هو أن حكام العرب لا يهتمون ببناء فكر حر لأنه يهدد سلطتهم وسرعان ما يمكنون التيارات المعارضة للديمقراطية حفاظا على عروشهم، وأبرز هذه التيارات هي التيارات الدينية والطائفية، ومن عايش حقبة مجاهدي أفغانستان يذكر جيدا كيف انقلبت الحياة بين عشية وضحاها وانتشرت الجلابيب والعمم في الدول العربية استجابة للرغبة الأميركية في إخراج الاتحاد السوفيتي من أفغانستان. فالعائقان اللذان يقفان في وجه التحرر الفكري واعتزاز الانسان العربي بنفسه هما الحكام والدين بشكل رئيسي، وبالفعل فقد عادت الدول الربيع الى مرحلة "الدولة الوحش" للسيطرة على الفوضى والدول التي لم يطالها الربيع العربي أصلا واقفة عند هذه المرحلة.