هناك شعب آخر في لبنان لا تعرفه سيد نصرالله

الحرب الأهلية التي يهدد بها نصرالله هي حرب حزبه على الشعب الذي لا يزال مصرا على انهاء الوجود الشاذ لحزب الله.

كما كان متوقعا دخل حسن نصرالله زعيم حزب الله على خط التظاهرات في لبنان. في المرة الأولى كشف عن دوره عرابا للسياسة الداخلية اللبنانية التي أدت إلى انفجار غضب الشارع اما في المرة الثانية فقد ظهر ملوحا بسلاحه حين هدد بالحرب الأهلية.

يُفهم من تهديده الأخير بأن المتظاهرين وإن لم يرفعوا شعارات ضد هيمنة حزبه وإيران من خلفه على الحياة السياسية وعلى الدولة فإنهم يهدفون إلى اسقاط دولته من خلال اسقاط الطبقة السياسية التي صارت بمثابة غنم يسوسها بما يخدم مصالحه وفي المقابل فإنه يغطي على فسادها بجعجته الفارغة من أي معنى عن المقاومة التي صارت بمثابة ثقب كبير تضيع من خلاله ثروات البلد ويُشل الاقتصاد اللبناني حين يتعرض ذلك الثقب لأي نوع من الرقابة أو الملاحقة القانونية.

في حقيقته فإن حسن نصرالله يعرف أن حزبه سد الأفاق كلها. لم يعد الآمر الناهي في شؤون السياسة كما يخيل للبعض حسب بل صار أيضا الوصي على مصير لبنان الاقتصادي. وليس ما يشهده لبنان من انهيار مالي إلا انعكاسا للموقف الدولي من حزب الله باعتباره تنظيما إرهابيا تابعا لإيران المحاصرة.

لن يجد نصرالله أفضل من الحكومة التي يطالب المحتجون باستبعادها وطرد أعضائها من حلبة السياسة أداة لتنفيذ مشروعه التعويضي بعد أن فقد الجزء الأكبر من التمويل الإيراني. وهذا ما يدفعه إلى التمسك بها ضد إرادة الشعب اللبناني. وما الحرب الأهلية التي يهدد بها نصرالله إلا حرب حزبه على الشعب الذي لا يزال مصرا على قلب طاولة الحياة السياسية بما فيها الوجود الشاذ لحزب الله فيها.

ولأن نصرالله فقير الخيال، وهو في ذلك مثله مثل كل سياسيي لبنان، فقد خيل إليه أن التهديد بالحرب الأهلية سيخيف الشعب اللبناني. لم تساعده فطنته التي لطالما تغنى بها مناصروه على إدراك حقيقة أن تلك الحرب صارت جزءا من الماضي بالنسبة للبنانيين وأن الحرب الوحيدة والأخيرة التي يمكن أن يشهدها لبنان هي حربه على الشعب اللبناني وهي الحرب التي سيخسرها بكل تأكيد. ذلك لأنه لن يتمكن من خلالها أن ينهي الانتفاضة السلمية.

حين خرج اللبنانيون إلى الشوارع والساحات محتجين على غياب العدالة الاجتماعية فإنهم لم يفكروا بالطوائف بل كانوا على العكس من ذلك يفكرون في هدم المعابد التي اختبأ في عتمتها زعماء الطوائف. فالاحتجاج على الحكم يحمل في ثناياه وبشكل مباشر احتجاج على النظام الطائفي وهو المسؤول بشكل رئيس عن غياب العدالة الاجتماعية.

ذلك يعني أن تجييش الطوائف لن يكون له معنى. فباستثناء حزب الله لن يتمكن نصرالله من العثور على مَن يقف في خندق الطائفية. فالمظاهرات أنهت خرافة لبنان الطائفي التي هي عبارة عن عهدة استعمارية. لديه شرذمة من المسيحيين والسنة هم بقايا العصر القديم غير أنها ستكون عاجزة عن استنهاض النزعة الطائفية لدى اللبنانيين. تلك فكرة رثة طويت صفحاتها ولم يعد الإغراء والترهيب من خلالها ممكنا.

لقد تحرر اللبنانيون من عقدتي الطائفية والحرب الأهلية. وهو ما لم يتحرر منه نصرالله ومعه السياسيون اللبنانيون الفاسدون. فهم لا يتصورون أن هناك شعبا لبنانيا جديدا، لم تعد المفاهيم القديمة تعنيه في شيء. وهو شعب يؤمن بوطنه وبالوطنية وبمبدأ المواطنة. وهنا بالذات ما يفصح عن عجز نصرالله بسبب عزلته العقائدية عن اكتشاف حقيقة الشعب الذي يسعى إلى استعباده من خلال تهديده بحرب لم يعد لها وجود.

ذلك شعب آخر لا تعرفه سيد نصرالله. وهو شعب لا تعرفه الطبقة السياسية الفاسدة. لذلك سيكون تهديدك موضع سخرية أكثر من أن يكون سببا لإشاعة الذعر. فالشعب اللبناني لا تقرر مصيره الحروب بل الإرادة الشعبية هي ما تفعل ذلك.