هو وهي في "جدرانك قدري"

أكثر قصص خلود المومني مجموعتها القصصية تقوم على ثنائية هو وهي، وتنطلق من الحياة اليومية للأسرة العربية.
الكاتبة تعرض الحياة المأزومة التي تعيشها كثير من الأسر في مجتمعنا الأردني، وتحمل الرجل مسؤوليتها وتجعله سببها ومسببها
قصص المجموعة تقترب من حياة الناس، وتشتبك مع تفصيلات حياتهم اليومية

"جدرانك قدري" هي المجموعة القصصية الثانية بعد "همس القوارير" للكاتبة الأردنية خلود المومني، الصادرة عن دار هبة ناشرون وموزعون عام 2019 بدعم من وزارة الثقافة الأردنية، وهي تحوي ست عشرة قصة قصيرة ومجموعة من القصص القصيرة جدا وضعتها تحت عنوان" حكايا الولد".
وتقوم أكثر قصص هذه المجموعة على ثنائية (هو) و(هي)، وتنطلق من الحياة اليومية للأسرة العربية، ومن بيت الزوجية حيث تنشأ المجتمعات وتتشكل القيم والشخصيات، وتحت مظلة هذه الثنائية تشرق ثنائيات مختلفة تحرك الصراع في القصص وتؤطر حدوده، وتضع بداياته ونهاياته، إذ تعرض الكاتبة في هذه المجموعة القصصية الحياة المأزومة التي تعيشها كثير من الأسر في مجتمعنا الأردني، وتحمل الرجل مسؤوليتها وتجعله سببها ومسببها، وقد ابتدأت الكاتبة اعتمادها هذه الثنائيات من عتبة النص "جدرانك قدري" الذي حمل ثنائيات (هو) الذي وقع بين ثنائية الواقع والمأمول؛ واقع مشوه ومأمول ملأته الكاتبة بما يجب أن يكون عليه هذا الجدار لتستند إليه فـ(هو) في هذه القصص بيت العائلة الذي تسعى (هي) للمحافظة عليه، وهو الحامي والملجأ والملاذ والحبيب والمحب والرفيق والحارس والوراث وحامل اسم العائلة العادل، والهدف، و(هي) التي لم تتغير صورتها في أكثر القصص، وجاءت فيها بريئة مبرأة انتقت لها الكاتبة الصفات التي تجعل التعاطف معها أمرا مستساغا مرغوبا؛ فهي تجعل منها ضحية وديعة لطيفة رقيقة مضحية محبة مخلصة، وتستبعد كل ما سار بين الناس من صفات للمرأة ، وعرضتها بلا ثنائيات منفرة؛ فهي الأنثى المرأة المحبة اللاجئة الضعيفة الباحثة عن الحب والأمان المضحية المرتبكة المظلومة المهملة، وهي الزوجة التي تحفظ توازن الأسرة لتظل على قيد حياة، وهي الأنثى الباحثة عن الحب والسكينة والرضا، وهي العاقلة المدبرة الوفية.
وتأتي صورة الغلاف لتوحي بما ستقوله الكاتبة عن هذه العلاقة الواهنة غير المتوازنة بين هو وهي، إذ حمل الغلاف صورة لجدار مهدم متآكل مهترئ ضعيف هو المعادل الموضوعي للحياة الزوجية وبيت الأسرة، وجاء العنوان "جدرانك قدري" ليؤكد أن الكاتبة تحمل في هذه القصص (هو) وزر معاناة المرأة وسبب الوهن في البيوت.  

في المجموعة مشاهد اجتماعية وأسئلة جريئة وكلام شفيف على الواقع الأسري، ورؤية عميقة للحياة، وسرد متقن لطيف السبك والنسج، وعرض قصصي مشوق لطيف لبعض مشاهد الحياة والواقع

ويتماهى راوي قصص هذه المجموعة مع راوي الحكايات فهو يكثر من السرد والوصف والرسم بالكلمات. وقد يشارك الراوي أبطال القصة حركتهم كما في قصة "صحوة أنثى"، أو يلبسُ عباءة أحدهم فينطق باسمه وبلغته كما في قصة "جدرانك قدري"، وتسيطر الكاتبة على شخصيات القصص بحزم؛ فهي تقودها إلى حيث تريد، وتنسج على ألسنتها حوارات تتحكم بأطوالها وأشكالها وبلغتها بوساطة الراوي حينا أو بالتدخل الحي أحيانا بتحريكها لتلك الشخصيات برفق كما بدا واضحا في الحدود القاسية الجافة التي وضعتها لأكثر شخصيات (هو) الزوج الذكر الرجل؛ فهي حددت حركته، وقلّصت مشاركته، ولم تعطه حرية الدفاع عن نفسه إما بتغييبه وجعله في خلفية القصة كما في قصة "كومبارس" و"أنا وعبير" و"المعلمة" أو بربطه بسلوك محدد لا يتجاوزه، وبنطاق محدد من الفكر الحواري كما في قصة "جدرانك قدري"و"صحوة أنثى" و"ولي العهد" و"الممثل".
وتبرز في العنوان ثنائية الاختيار والإرادة والجبر والفرض فهذه الجدران قدر هذه الأنثى، فـ (هو) الذكر مقدر أن يكون جدارَها، و(هي) الأنثى مقدر أن تكون هي اللاجئة إلى هذه الجدران. 
وتقترب قصص المجموعة من حياة الناس، وتشتبك مع تفصيلات حياتهم اليومية؛ فهي في قصة "جدرانك قدري" تتحدث عن آثار فقد الأم في العائلة وتداعيات هذه الآثار على ما يحيط بهم من أشياء كبيت العائلة التي كان يحتويهم ويجمعهم، ولهم فيه ذكريات طفولة ملأتها الأم بالحب. 
وفي قصة "صحوة أنثى" تسعى الثلاثينية الذميمة إلى كسب ود زوجها العاطل من العمل وتثبيت نفسها على هذه الأرض بحوارات داخلية تكشف عن حجم معاناتها بعد أن اختل توازنها بسبب إهمال زوجها لها. وفي قصة "الممثل" تقود الكاتبة الصراع الحواري في عقل الزوج الذي كان يجري موازنات عميقة منصفة بين زوجته وهؤلاء الجميلات المتنوعات اللواتي تطوعن برغبة وحب وإصرار ليكن عشيقاته، إلى انتصار ولائه للزوجة. 
وفي قصة "ولي العهد" تضع الكاتبة المرأة في اختبار أمام إرادة الله، لتؤكد عظم صبر المرأة، ورقة قلبها، وعظم حبها، فهي لم تتخل عن الطفل المنغولي وأحبته وخافت عليه واعتنت به حتى توفاها الله، فوجد الأب، الذي غيبته الكاتبة عن مراحل نمو الفتى نفسه أمام عبء لا يستطيعه واحتاج فترة حتى اعتاده وألفه. 
ولأن قصص المجموعة تقترب من بيوت الناس وتدخل مساكنهم فترصد علاقاتهم داخلها، ونبض الحياة اليومي فيها فإنها قد اقتربت قليلا في لغتها من لغة الناس اليومية وابتعدت كثيرا عن الألفاظ غير الدارجة والصور المركبة العميقة، فجاءت لغةً بسيطة سهلة لا تكلف فيها كما في قولها في قصة "رجل الإطفاء" (ص60): "قد تكون ميسورة الحال؛ أعرفه أبوك يعبد القرش"، وجاءت صورها شفيفة رقيقة غيرَ متتابعة متداخلة كما في قولها في قصة "حنين" (ص107): "طفولة يلفها الضباب، يحاصرها الرماد". وقولها في قصة "المعلمة" (ص 103): تلبدت سماء الروح بغيم الأمل". وقولها في قصة "أنا وعبير" (ص89): اضطرب القرط بأذنيها". وهي لغة لا تتعب القارئ ولا تجهده في البحث عن معاني مفرداتها كما في قول رجل الإطفاء العاشق في قصة "رجل الأطفاء" (ص59): "سيارة الإطفاء التي أقودها تطفئ نيرانا كثيرة والحمم التي في صدري لا تنطفئ أبدا مذ رأيتها غزالة شاردة، سأطاردها حتى أصطادها". 
ومع هذه البساطة والسهولة والرقة التي تسم لغة قصص هذه المجموعة يلمس القارئ ذكاء واضحا في اختيار المفردات التي تعبر وتوحي وتعطي إشارات وعلامات تشرك المتلقي في السرد لما فيها من إيحاء للقارئ بأن هناك ما يجب ملؤه من فجوات كمثل اختيارها لكلمة: (الأربعون) في قصة ولي العهد (ص 34) التي جاءت معرفة وفي بداية الفقرة لتوحي للقارئ بأن يتفكر في هذا الرقم ودلالاته وما يعنيه لهذا العمر كأن يكون عمرا غير مناسب لتحمل المرأة مشاق الحمل، وأن الحمل في هذا العمر فيه مخاطرة وخطر، واختيارها لكلمة (بيتنا) في "جدرانك قدري" (ص17) للدلالة على العلاقة الروحية الثابتة التي تربط الراوي الشخصية الرئيسة في القصة ببيت العائلة، إضافة إلى ما يوحي به ضمير جماعة المتكلمين من حميمية وجمع وتواصل وترابط. ويظهر ذكاء الكاتبة أيضا في التقديم والتأخير كما في قولها في بداية فقرة (ص 15) في قصة "جدرانك قدري": "صورنا أنا وإخوتي ما زالت تزين المكتبة والجدران" حيث قدمت ما يجلب الذكريات مصورة. 
ولا شك أن موضوعات القصص التي استقتها الكاتبة من حياتنا اليومية وحركة المجتمع الطبيعية كان لها الأثر الأكبر في اقتراب السرد في كثير من القصص من الحكي، وابتعاده عن التكثيف والرمزية العميقة البعيدة أو الإغراق في الغموض أو الإبهام. فموضوعاتها هي الحياة بما فيها من حركة غير طبيعية للزوجة والأم والفتاة والابنة والأمومة والطفولة. وفيها تنظر الكاتبة بعين فاحصة إلى المجتمع فتنتقي من حركته ما يهم ويشغل ويحتاج إلى رتق، وتصوغ بمهارتها السردية المتقدة بالجدة والرقة والهدوء والتشويق مما تقتطعه من هذه الحياة من مواقف ومشاهد وصورٍ وعلاقات وسلوكات نصوصا قصصية متينة منسوجة بإبداع جميل صاف لا تكلف فيه. 
وجاء الحكي أيضا من استخدام الكاتبة للفعل الماضي في أكثر قصصها واعتمادها عليه في أكثر السرد كما في قصة "جدرانك قدري" وقصة "شظايا" وقصة "رأس" مع إسناده أحيانا بالفعل المضارع لغايات تصويرية وصفية أو بالجمل الاسمية لغايات وصفية تنوعت بين الجمل الخبرية  والإنشائية، أو إسناده بفعل الأمر لتثبيت الأحكام على الشخصيات وتأكيد صفاتهم ولاستغلال ما في فعل الأمر من قدرات على اختصار كثير من الأحداث والإيحاء بما يمكن أن يحدث أو بما يحمله الشخص من مشاعر. 
ففي قصة "صحوة أنثى" وقصة "رد" و "حرير" و"أنا وعبير" حمل الفعل الماضي رؤية الكاتبة بمساندة الجمل الاسمية، وفي قصة "الممثل"، وقصة "ولي العهد"، وقصة" الحارس" كان الفعل الماضي هو الفعل الرئيس مع مساندة مؤثرة من الفعل المضارع التصويري، وفي قصة "زائر ثقيل" كان الفعل المضارع التصويري هو الفعل الرئيس مع مساندة مؤثرة من الفعل الماضي، وفي قصة رجل الإطفاء كانت الجمل الاسمية هي المسيطرة مع مساندة من الفعل الماضي.
وتشير الإحصائية السابقة أن الفعل الماضي يسيطر على أكثر جمل المجموعة القصصية وأن الفعل المضارع كان يسانده في تصوير الحدث.
ويمتد أثر الموضوع إلى تقنيات السرد في هذه القصص إذ تعتمد الكاتبة تقنيات غير معقدة في تنقلها بين أحداث القصص، وفي تطويرها للأحداث وتأزيمها لها، وفي الوصول بالقارئ إلى حل عقدها وعرض نهايتها؛ فهي تعتمد المنولوج والحوار الذي قد يمتلئ بالأسئلة، والسرد السهل القريب من الحكي أحيانا كما في قولها في قصة "رجل الإطفاء" (ص59): "لن أتنازل عن أم العيال، أولادي روحي معلقة بهم" وقولها في قصة "زائر ثقيل": لا تنظري لي بهذه الطريقة؛ لحظة ضعف أردت أن أخدم صديقي" وقوله في قصة "ولي العهد": "احتوت الصغير، أكثر ما كان يؤلمها مضايقات أطفال الجيران له، ومحاولة استفزازه والسخرية منه، كانت الحامية له حتى حلقت الروح ودفن الجسد.. انتقلت مسؤولية الصبي بالكامل إلي، كنت أقل صبرا منها، تكفل الوقت بنسج خيوط العلاقة وتمتين بيننا".
ولم تعتمد الكاتبة الزمن المتتابع المستقيم غير المقطوع إلا في منولوج يحمل الذكريات للنفس، كما في قصة "جدرانك قدري" (ص16)، وقصة "حرير" (ص80)  وقصة "صحافة" (ص 109) فقد كان أكثر هم الكاتبة في هذه القصص هو الوصول بالقارئ إلى الفكرة والرؤية من غير تعقيد وبقليل من الحركة المادية الجسدية وبكثير من السرد والحوار والوصف والأسئلة ولذلك لم تلتفت إلى التعريف بالشخصيات بل إن معظم شخصيات القصص تحركت في القصص بلا أسماء.
ولم تعن الكاتبة كثيرا بإظهار المكان وصفا أو تأثيرا إلا حين يكون هو محور القصة كما في قصة "جدرانك قدري" التي عنيت بوصف المكان وآثاره في النفس والعائلة، وقصة "الحارس" وقصة "رياضيات"، ولم تعن كثيرا بوصف الزمن والحديث عنه، فهي تشغل نفسها بالوصول بالمتلقي بلغتها السهلة وسردها المضمخ بالحكي إلى عقدة القصة وحلّها، وقليلا ما كانت الكاتبة تعنى بالزمن المشير إلى عدد الساعات والأيام وإنما ربطت الزمن بالمعنى كما ربطته في قصة "حنين"، أو اختصرته في لفظة "حياة" كما في قصة "صحافة" ولكنها رسمته بعناية في ظل ثنائية ضدية بين الماضي والحاضر كما في قصة "جدرانك قدري، وقصة "ولي العهد" وقصة "حرير" وقصة "أنا وعبير" وقصة "مشاعر" وقصة "صحافة".
وتظهر في قصص هذه المجموع ثنائية الواقع والخيال قوية في أكثر القصص، التي ترتبط بثنائية "هو"  و"هي" التي سيطرت على حركة التضاد وأطرت الصراع في القصص، ومنحت السرد مادته الأثيرة من الأحداث والحركة والفكر، وجعلت أحداث القصص تسير بخطوات إبداعية نحو الرؤية التي لم تبتعد كثيرا عن دائرتين عميقتين في هذه المجموعة القصصية: دائرة هو ودائرة هي اللتين ارتبطتا بثانئيات ضدية منها الواقع و والحلم والحقيقة والخيال، والمتحقق والمأمول، والممكن والمستحيل.
وأتقنت الكاتبة رسم صورة المرأة في المجتمع وهي بيتها وعملها وفي الشارع، وسارت بها بين واقع متعب مؤلم مؤذ أو محب مُقدِّر، ونقلتها من صراع إلى صراع مختلف لتشكل في وعي القارئ صورة لامرأة مظلومة حزينة مرتبكة ولكنها صابرة صامدة محبة لا تخون وظيفتها أو واجبها أو قيمها أو زوجها مع كل ما يحيط بها من محبطات ومغريات وأسباب تقربها من الانهيار والسقوط والخيانة.
وظهر الرجل في هذه القصص مستغلا ذكورته أبشع استغلال مسببا للمرأة العناء والقلق وعدم الاتزان والعذاب.
ويظهر ذلك في قصة "جدرانك قدري" التي تنطلق أحداثها من بيت العائلة وترتبط به، فبين ماضيه وحاضره دار صراع عميق قاس مكانه عقل الشخصية الرئيسة، وهذه الثنائية الضدية التي رسمت صورة البيت وهو يعج بالحياة والفرح والراحة بأنفاس الأم التي كانت تجمع العائلة حولها، وصورته وهو مغطى بالحزن والصمت والغبار ويلفه الإهمال والفراغ ويسكنه الإهمال والذكريات، وتحاصره رغبات بالتخلص منه، ولذلك تحركت (هي) وهي الراوي والشخصية الرئيسة في النص بين الماضي والحاضر بين ما كان وما صار، وبين ما فعلته وما لاقته، وبين حرصها واستهتار إخوتها، وبين تمسكها بالبيت الذي يجمع وتمسك إخوتها ببيع البيت مما يسبب التفرق. 
ولم يكن تحديد دور الذكر في هذه القصة أمرا عابرا حين غيبت الكاتبة الأب عن القصة، وحددت دور الإخوة بمواقف الاستهتار والاستفراد بالقرار، وعدم الانتباه لرأي الأنثى في إدانة صريحة لموقف (هو) من رغبة (هي) في أمر التركة، وفي حقها بالتمسك بما يفرحها وما له في قلبها قيمة ومكانة، وفي عدم النتباه لما يمثله البيت لهم وللها من قيمة معنوية.

وفي قصة "صحوة أنثى" تكافح (هي) المرأة الثلاثينية من أجل البقاء على قيد زواج، وتكافح من أجل استرداد توازنها من ارتباكها الشديد وفقدانها لاتزانها الأنثوي بسبب إهمال (هو) الزوج لها، وبسبب دمامتها إلا أنها لم تخن، وبحثت في روحها عما يوجب على الزوج التمسك بها فهي تعمل لتعيل الأسرة وهي ثابتة كصخرة في العمل، وهي تنفق دخلها على طعام أولادها، ولا تشتري لنفسها شيئا ، وتصارع لاسترداد ثقتها بأنوثتها ونيل حقها في الحب، وتعرض علينا الكاتبة بفنية عالية صراعا داخليا في حوارات متتابعة مع النفس وخارجيا عن العمل وطعام الأطفال وتوفير مصروف البيت. 
وتطرح الكاتبة في هذه القصة قضية حاجة المرأة لمن يحبها ويشعرها بأنوثتها، وتضحيتها بمالها كما فعلت ليلى من أجل هذا الحب واستمراره . وتأتي نهاية القصة لتؤكد أن (هو) لن يحب امرأة ذميمة إلا إذا كانت تحقق مصالحه المادية، وأما غير ذلك فسيكون رجلا خرفا فقد بوصلته الذكورية لترجح بذلك كفة قلق المرأة الفقيرة الذميمة في مجتمعنا على ما يقابلها من صفائها واتزانها مع دمامة بوجود المال أو غيره، تقول (ص23): "أعتذر منك، والدي يعاني من الخرف وتصدر منه احيانا تصرفات تحرجنا".
وفي قصة "الممثل" يعيش (هو) بين عدد من الثنائيات الضدية: ثنائية الزوجة والعشيقة، والصواب والخطأ، والواقع والخيال، وثنائية الرغبة والواجب، وثنائية الوفاء والخيانة، وثنائية التمسك بالقيم والتفلت منها فهو ممثل بارع تحيط به رغبات المعجبات الكثيرات المختلفات الجميلات المتنوعات اللواتي يتحن له الحصول على إشباع حاجات الأنا من غير التزام أو مقابل. وينتصر حبه لزوجته في الصراع الداخلي العميق الذي عقد فيه الكاتب موازنات منصفة بين زوجته والمتاحات له من (هي). وانتصرت الزوجة في نفسه لأنها الحقيقة ولأنها المحبة عملا وقولا، ولأنها ظله وسماؤه، ولأنها أم أولاده وزوجته ومديرة المنزل، ولأنها صبغت جدران بيته بالراحة والجمال، ولأنها تحبه حب الأم والزوجة، وكأن الكاتبة تقول لـ (هي) بصوت عال أحبيه وقومي بوظيفتك كزوجة وأم خير قيام لكي لا تنتصر رغبات الانفلات في نفس الرجل الذي يعيش دائما في عالم مليء بالخيارات.
وتظهر ثنائية (هو) و(هي) بوضوح في قصة "ولي العهد" لتؤكد سيطرة الرجل على مفاصل الحياة، وتمسكه بمكتسبات ورثها عن السلف؛ ففي الكلام الضمني على علاقة (هو) و(هي) يظهر الذَّكر مطلوبا مرغوبا ليرث العائلة ويحمل اسمها، والمدلل الذي ترغب الأم بوجوده وحضوره وتخطط لمستقبله، وفي الجهة المقابلة تتحدث الأم عن (هي) وكأنها تؤدي واجبها في التربية والإعداد؛ فهي سوسنة محبوبة يوفر لها كل ما يلزم الأنثى. وتظهر في الحوار إشارات موحية إلى حاجة (هو) لذكرٍ يحمل اسمه، وعدم قبوله بمغادرة الحياة بلا وريث حتى لو اضطر للزواج مرة أخرى. وبين عالم الأحلام وعالم الواقع تقف (هي) وهي مثقلة بالهموم، التي تنتهي بتحطم أحلامها كلها وخططها كلها بالواقع المتحقق من ولد منغولي.
ويحتدم الصراع بين (هي) وظلال (هو) الخائن الباحث عن مصلحته في قصة "رد" إلى محاولة (هي) الرد على خيانة (هو) الذي تظهره القصة كما في أكثر من قصة باحثا عن المال في المرأة، ولكن (هي) في القصة مع كل حقدها على تصرف الرجل الذي بدا مسيطرا بقيت عاجزة عن الرد والانتقام فبدت ضعيفة وبقيت تخوض مع نفسها حوارات لا تقربها من الانتقام حتى نضبت أفكارها فأوقفتها الكاتبة على نهاية القصة لتفكر بطريقة لإعادة تربية الكاتب.
وتشير قصة "الحارس" إلى تهميش (هو) لـ (هي) حين يتخذ قرارته من غير استشاراتها فيطرد من عمله ليلاقي جزاء وقوعه فريسة أحلامه التي رسم فيها لنفسه صورة أبعدته عن الواقع والممكن وسحبته إلى عالم الخيال، وجزاء اتخاذه قرارته من غير مشاورة (هي)، وأبقت الكاتبة (هي) في حال من التوازن والثبات لتمسك زمام الحفاظ على العائلة.
وتكرر الكاتبة صورة (هو) السابقة في قصة "زائر ثقيل" مع اختلاف بسيط هو أن (هي) في قصة الحارس صورت من بعيد ومن الإيحاء عميق فهم دورها، وأن (هي) في قصة "زائر ثقيل" كانت الملاذ والملجأ الذي آوى إليه (هو) فطلب منها أن تربت على شعره وأن تكلمه وأن تغني له.
 وتدين الكاتبة (هو) في قصة رجل الإطفاء فتصوره أنانيا ناكرا للعشرة يرجح حياة الفرح المأمولة على حياته مع أم العيال فهو لم يأبه لمنطق العقل والواجب فاختار مهرجان الفرح المأمول في الصبية الغزالة التي ستضيء له أحلامه وتعيد إليه شعوره بالشباب بعد أن قصفت حصونه بضحكتها الصافية واستولت على خياله بشعرها الأسود. وتوحي صورة الصبية التي رسمتها الكاتبة بأن أم العيال قد أصابها الوهن وغزا الشيب شعر رأسها، ولم تعد تستطيع الإصغاء إلى (هو) أو ملاطفته بسب إنشغالها بتربية الأولاد وبواجباتها البيتية الكثيرة. تقول الكاتبة على لسان الزوج: "لا يا عزيزتي ليست أحمل منك ،لكنها تضج بالأنوثة لا تكرس اهتمامها لزوج وأسرة، تعتني بمظهرها. وتدين الكاتبة الرجل حين تجعله يرى في الزوجة مهرجان الفرح وجسدا للمتعة مع تجريدها من أمومتها لأنه نسي زوجته والمشاعر الصبينية منذ أنجبت طفلهم الأول (ص60).
وفي قصة "شظايا" توازن الكاتبة بين هو وهي في  حضورين وغيابين فترجح أثر غياب هي وحضورها في الحياة لأن الطفل في غيابها جاع، ولأن البنت في غياب أمها حزينة مرتبكة فاقدة للتوازن، ولا تتحدث القصة عن أثر غياب هو أو حضوره في الشخصيات وتترك للمتلقي تقدير ذلك.
وبين الماضي والحاضر الثنائية المتعبة للنفس تفقد المرأة في قصة "حرير" اتزانها للحظات وترتبك فتجري موازنات عميقة بين (هو) الحبيب المحب المحبوب و(هو) الزوج الذي لم تحبه يوما فلا تنتصر في روحها الخيانة بل إنها تصر على تمزيق كل ما في قلبها من حب للماضي.
وهي في ظل مجتمع يحكمه (هو) ويسيطر عليه ويراقبها ويحاسبها على كل خطوة حاجتها للنصح والإرشاد والتنبيه والمدح دائمة فهي في قصة "أنا وعبير" تستنصح صاحبتها المجربة، وأن (هي) أما أوصديقةً ملاذها وملجؤها.
وفي قصة كومبارس تؤكد (هي) خضوعها لسيطرة الرجل وتعليماته وقرارته حتى في طريقة حصولها على لقمة العيش فهو يحدد لها الوسيلة التي تستطيع منها أن تحصل على لقمة العيش.
وفي قصة "المعلمة" كانت (هي) الأم التي لا يُغني عن وجودها أحد، وأن المسميات التي قد تحملها (هي) الأنثى كمعلمة الروضة، والصور كالمعلمة الجميلة قد لا تكون عندها حب الأم لطفلها وحرصها عليه.
ويظهر (هو) في قصة "بيوت" بلا شخصية أو قرار، ووجهة سهلة لصراع معلن لتخطيطات العجوز التي تريد أن تزوجه، والزوجة التي تخطط لإرسال العجوز لدار المسنين.
وأوحت قصة "نساء" بصراع عميق بين الباطن والظاهر في تعامل (هي) مع (هو) فإن وجود (هو) كاف ليجعل النساء الرزينات يشطح بهن خيالهن بأن رجالا يحلمون بهن، وهن أنفسهن اللواتي يقلبن شفاههن استنكارا إذا مرت صبية تسكنها الأنوثة وأثارت اهتمام (هو).
وبين ثنائية الواقع والحلم والوفاء والخيانة في قصة "قميص" تتحرك (هي) الزوجة الوفية وحين تعجز عن الوصول إلى قلب (هو) الزوج الخائن تلجأ إلى عالمها الافتراضي فتبني لها معه علاقة جميلة كلها حب.
أما في قصة "ويحدث" فإن ثنائيات التقدير والاستهانة والاهتمام والتجاهل تشعل الصراع في قلب (هي) التي تصل إلى قرار الاستسلام للواقع بعد أن وجود الرجل مع كل ما فيه من مساوئ وعدم وجوده في حياتها. 
حملت مجموعة قصص خلود المومني كثيراً من النقد والإدانة لـ (هو) ولكنها لم تنس أن توجه بعض اللوم لـ (هي) تاركة المجال لها وله ليعدلا من سلوكهما لتحسين نبض حياتهما وحصولهما على السعادة والفرح فهي على الرغم من إدانتها لسلوك (هو) إلا أنها لم تغلق باب الرشد والعودة للطريق السليم للعيش الكريم والحياة السعيدة فكانت أكثر نهايات قصص المجموعة فيها اجتماع وعودة لبيت العائلة بيت الزوجية ورشد بعد غي. فقد جاءت النهايات المفتوحة منها والمغلقة لتؤكد انحياز الكاتبة لمبدأ الصلح خير مع كل إداناتها لـ (هو). فهي في قصة "صحوة أنثى" تركت الباب مفتوحا لـ (هي) الزوجة المهملة لتسترد توازنها وثقتها بأنوثتها من باب مباح آخر. وتنتهي قصة الممثل بعودة (هو) إلى رشده وتغلب حبه للعائلة على ما زين له. وتنتهي قصة "ولي العهد" بأن يؤدي (هو) المهام التي كانت (هي) تؤديها مع اعتراف بأهمية ما كانت تقوم به وصعوبته. وتنتهي قصة "رد" بإصرار (هي) على التمسك بـ (هو) الخائن واسترداده، وتنتهي قصة الحارس بعودته إلى بيته ليسترد توازنه ويبدأ من جديد حياته، وكذلك تنتهي قصة "الزائر الثقيل" التي يلجأ فيها(هو) المذنب إلى زوجته ليتطهر من ذنبه ويستقوي بها.
في مجموعة خلود المومني "جدرانك قدري" مشاهد اجتماعية وأسئلة جريئة وكلام شفيف على الواقع الأسري، ورؤية عميقة للحياة، وسرد متقن لطيف السبك والنسج، وعرض قصصي مشوق لطيف لبعض مشاهد الحياة والواقع.