وأخيرا تظاهر عراقيون ضد الشيطان الأكبر

الرأي العام في العراق يميل إلى زيادة جرعة التدخل الأميركي من أجل التخلص من إيران ومشتقاتها.

تقول الأخبار أن مئات العراقيين تظاهروا أمام المنطقة الخضراء وهي منطقة الحكم والسفارات منددين بالتدخل الأميركي في مسألة تشكيل الحكومة التي ستقع عليها مسؤولية إدارة البلاد وتصريف شؤون مواطنيها في المرحلة المقبلة.

طبعا تلك التظاهرات لن تؤثر في شيء على ما هو مقرر من تسوية بين طرفي القرار في العراق وهما إيران والعراق. غير أنها تكشف عن أن الإيرانيين يحاولون عن طريق الإيحاء أن يقنعوا الأميركان بأن ما يقومون به في العراق انما يلقى ردود أفعال سلبية على مستوى الشارع العراقي، وهو أمر غير صحيح. ذلك لأن العراقيين باتوا على قناعة من أن كل الخيارات تؤدي إلى النتيجة نفسها. فما من فرق بين رجل أميركا ورجل إيران على المستوى العملي. ذلك لأن في إمكان سياسيي العراق الحاليين أن يلعبوا الدور الذي سبق لأحمد الجلبي أن لعبه في سالف أيامه.

كان الجلبي رجل أميركا في العراق الذي اتهمته أجهزة المخابرات الأميركية بالعمالة لإيران. ففي الوقت الذي أسس فيه الجلبي البيت الشيعي، وهو أول مؤسسة طائفية في العراق، كان يتشدق بليبراليته.

بالتأكيد كان مسموحا له أن يلعب على الحبلين اللذين كان على يقين من أنهما حبل واحد. وكان في ما توصل إليه سابقا لعصره.

اليوم يدرك العراقيون وفي مقدمتهم الساسة أن العراق هو مختبر تجارب مشتركة، يديره الأميركان والإيرانيون في سياق تفاهمات، لا علاقة لها بنقاط خلافاتهما الأخرى.

النموذج الذي قدمه أحمد الجلبي صار مكرسا بطريقة لا تقبل اللبس.

وهو ما تعلم منه السياسيون العراقيون الكثير من الدروس، بحيث يجرؤ حيدر العبادي وهو الموعود بولاية ثانية على أن يطلب من الولايات المتحدة أن يتم استثناء العراق من معضلة العقوبات المفروضة على إيران.

ما يمكن اعتباره مغامرة في هذا الوقت الضيق هو في حقيقته نوع من التفهم لحقيقة العلاقة الإيرانية ــ الأميركية في العراق. شيء من هذا القبيل يمكن أن يكون قاعدة للحكم على تظاهرات العراقيين ضد الشيطان الأكبر.

من المؤكد أن تلك التظاهرات مدفوعة الثمن انما هي محاولة لاستعراض معاد للولايات المتحدة لن تكون السياسة الأميركية في العراق مقصودة من خلاله، ذلك لأنه موجه أصلا إلى الشعب العراقي الذي ينتظر بفارغ الصبر القرار الأميركي المتعلق بتشكيل الحكومة.

هناك مَن يرغب في القول إن الشعب العراقي قد قال كلمته في ما يتعلق بالتدخلات الأميركية في مسألة تشكيل الحكومة. ولكن ماذا عن التدخلات الإيرانية التي لن تقع على الأرض من غير موافقة أميركية؟

واقعيا فإن الشعب العراقي ليس في وارد الاعتراض على تدخل أميركي في مسألة ثانوية مثل تشكيل الحكومة.

الأزمة المصيرية التي يعيشها الشعب العراقي لا تمر بذلك الخانق الضيق. وهي أكبر من التدخلات الخارجية في مسائل سياسية، لن تؤثر في شيء على ما يعانيه الشعب من حرمان وفقر ومرض وجهل وتيه ونقص في القدرة على التأثير في القرار السياسي.

يحمل الكثير من العراقيين الولايات المتحدة مسؤولية ما آلت إليه الظروف المعيشية من أوضاع مأساوية. وهم بسبب ذلك ينتظرون منها أن تتدخل من أجل تصحيح أخطاءها. تلك الأخطاء التي استفادت منها إيران وعملت من خلالها على تكريس هيمنتها ونفوذها في العراق.

الرأي العام في العراق يميل إلى أن تزيد الولايات المتحدة من تدخلها في الشأن العراقي من أجل التخلص من إيران ومشتقاتها.

ذلك ما سعى رعاة التظاهرات وممولوها إلى التغطية عليه.

ففي الوقت الذي صارت إيران حذرة في تنظيم المسيرات الجماهيرية التي تندد بالشيطان الأكبر داخل مدنها، بسبب حرصها على عدم استفزازه في انتظار أن يعفو عنها فإن مواليها في العراق لا يجدون مانعا في القيام باستعراضات بديلة، يعرفون جيدا أن الأميركان لن يحركوا ساكنا في مواجهتها.