ورقة روسيا في سوريا... ليست ورقة!

لا يعني انتصار النظام في مثل هذه الحرب شيئا في وقت تفتت سوريا وصارت تحت وصايات عدة تتنازع أراضيها.

في مثل هذه الايّام من العام 2015، باشر سلاح الجو الروسي مشاركته المباشرة في الحرب على الشعب السوري. ففي اليوم الأخير من شهر أيلول – سبتمبر من ذلك العام، بدأت القاذفات الروسية تقلع من قاعدة حميميم قرب اللاذقية مستهدفة مواقع للتنظيمات المعادية للنظام القائم. قصفت أيضا مدارس ومستشفيات.

هناك تنظيمات تضمّ بالفعل عناصر إرهابية تنتمي الى مجموعات دينية متطرّفة استهدفتها الطائرات الروسية، لكن السؤال هل خطورة هذه المجموعات المتطرفة تقلّ عن خطورة الميليشيات المذهبية التي ترعاها ايران في الأراضي السورية والتي تحولت بين ليلة وضحاها الى حليف لموسكو؟

تعود مشكلة روسيا في سوريا، منذ البداية، الى انّها تدعم نظاما اقلّويا لا شرعية له يعتمد بالدرجة الاولى على الاجهزة الأمنية التي اثبتت غياب فعاليتها لدى اندلاع الثورة الشعبية في آذار – مارس 2011. سارعت ايران وقتذاك الى نجدة النظام من منطلقين. الاوّل انّه يمثل الاقلّية العلوية والآخر ان فرصة لاحت كي تلعب دورا في تغيير طبيعة التركيبة السكانية لسوريا. فوق ذلك كلّه، اكتشفت ايران فرصة لا تعوّض لتدمير المدن السورية الكبيرة التي كان حافظ الأسد يكن كرها كبيرا لها، مثل حلب وحمص وحماة. امّا دمشق، فجرى تطويقها من كلّ الجهات وذلك كي تصبح معزولة عن البعد السنّي للعاصمة، أي عن المجتمع السوري وسوريا العميقة التي نسبة ستة وسبعين في المئة من سكانها من اهل السنّة الذين يعتبرون من اهل الاعتدال في اكثريتهم.

كيف يمكن لعاقل المشاركة في حرب على شعب بكامله غير مدرك للنتائج التي يمكن ان تترتب على مثل هذه الحرب؟ الأكيد ان لروسيا حساباتها الضيّقة القائمة على فكرة ان سوريا ورقة يمكن استخدامها في مقايضات مع الولايات المتحدة وأوروبا. لكن هل هناك من يريد بالفعل الدخول مع صفقة مع روسيا من انطلاقا من امتلاكها الورقة السورية؟

من الواضح، اقلّه الى الآن، ان ليس في نيّة الولايات المتحدة الدخول في هذه اللعبة. ما ينطبق على اميركا، ينطبق ايضا على المانيا التي لا تبدو مهتمة باي صفقة مع روسيا بحجة انها تمتلك الورقة السورية. الظاهر ان السيطرة الروسية على سوريا شيء وإمكان توظيف هذه السيطرة في صفقة ما تشمل أوكرانيا وغير اوكرانيا شيء آخر.

تظلّ مشكلة روسيا في سوريا من دون افق في غياب من هو مستعد لاعتبار سوريا ورقة. في النهاية ما الذي تستطيع روسيا ان تفعله في سوريا؟ قبل كلّ شيء، لا تستطيع اعادة الحياة الى نظام صار في مزبلة التاريخ منذ فترة طويلة. لم يعد لدى هذا النظام ما يفعله في هذه الايّام سوى ابتزاز الدروز عن طريق "داعش" من اجل حملهم على ارسال شبابهم للخدمة في الجيش التابع للنظام. كيف يمكن لشيوخ الطائفة الدرزية في سوريا وللشخصيات التي تمتلك حيثية ما في اوساط الطائفة القبول بان يدخل الشباب الدرزي في معارك مع سوريين آخرين معظمهم من أبناء الطائفة السنّية. هناك بين الدروز ما يكفي من العقلاء لمعرفة ان لا مصلحة لابناء هذه الطائفة في الدخول في حرب على الشعب السوري. لا يعني انتصار النظام في مثل هذه الحرب شيئا في وقت تفتت سوريا وصارت تحت وصايات عدة تتنازع أراضيها. هناك وجود أميركي شرق الفرات، وهناك وجود روسي وتركي في الشمال وعلى الساحل وفي حلب وهناك وجود إيراني في مناطق عدّة وهناك إسرائيل التي أجبرت الايرانيين، ولو نظريا على الابتعاد نحو مئة كيلومتر عن الجولان المحتلّ. ليس السؤال هل إسرائيل لاعب في سوريا؟

تزداد مشاكل روسيا في سوريا يوما بعد يوم. هذا عائد أساسا الى ان فلاديمير بوتين لم يستطع التخلّص من عقلية زعماء الكرملين في ايّام الاتحاد السوفياتي. لم يتوقف بوتين، الذي يريد ان يعطي عن نفسه صورة الزعيم القوي القادر على استعادة امجاد الاتحاد السوفياتي، امام المرآة ولو للحظة كي يطرح على نفسه سؤالا في غاية البساطة. ما الفائدة من التورط عسكريا في سوريا ما دام على روسيا الاعتماد على ايران عندما يتعلّق الامر بوجود قوات على الأرض؟ الاهمّ من ذلك كلّه، كيف التوفيق بين ايران وإسرائيل. هل في استطاعة روسيا ان تكون مع ايران وإسرائيل في الوقت ذاته، خصوصا انّها تعلم تماما ان ايران لا تستطيع الانسحاب عسكريا من سوريا.

الواقع، ان النظام الايراني يلعب بمصيره في سوريا. الى جانب ازمته الداخلية المستعصية، وهي ازمة اقتصادية اوّلا عائدة الى انه يعتمد اليوم اكثر من أي وقت على عائدات النفط والغاز، هناك ازمة التورط العسكري في سوريا. أي انسحاب عسكري للنظام الايراني من سوريا، سيعني انسحابه من طهران. سيعني أيضا فقدان قدرته على متابعة فرض الوصاية على لبنان عبر اداته المسمّاة "حزب الله".

في النهاية، هناك وجوه عدّة للتورط الروسي في سوريا. الى جانب عدم القدرة على توفير المال لاعادة اعمار سوريا، نظرا الى ان المال موجود عند الولايات المتحدة وعند الاوروبيين، في مقدمهم المانيا، ولدى الصين الى حدّ ما، لا وجود لمن يريد شراء الورقة السورية ولا حتّى ورقة رأس النظام. اكثر من ذلك، لم تستطع روسيا ان تفعل شيئا بعد مناداتها بعودة اللاجئين السوريين الى الداخل السوري. يحتاج البلد الى مليارات الدولارات لاعادة الحياة اليه. لا تمتلك روسيا هذه المليارات. في انتظار غد افضل لمشروعها السوري، تستطيع ان تفعل ما تشاء، بما في ذلك الدوران في حلقة مقفلة. لعلّ افضل تعبير عن هذا الدوران في تلك الحلقة العجز عن التعاطي مع موضوع الوجود الايراني في سوريا من جهة والسيطرة الاميركية على "سوريا المفيدة" من جهة أخرى. في "سوريا المفيدة" النفط والغاز والثروات الطبيعية، بما في ذلك الزراعة والمياه.

في غياب من يريد شراء الورقة السورية من روسيا، ما الذي ستفعله موسكو بهذه الورقة التي تحوّلت عبئا عليها؟ الجواب بكل بساطة انّ ليس امام روسيا سوى إعادة النظر في سياساتها السورية. كلّ ما في الامر ان الولايات المتحدة شجعتها على الغرق في الرمال المتحرّكة السورية الى ان وصلت الى يوم وجدت فيه ان الورقة التي في يدها ليست ورقة!

تركيا، التي تعاني كل نوع من أنواع المشاكل بسبب العقلية الاخوانية التي تسيطر على رجب طيب اردوغان وتتحكم بتصرفاته وجدت نفسها في وضع افضل منها في سوريا. وجدت تركيا قسّا تبيعه الى الاميركيين فأفرجت عن القس اندرو برانسون مما ادّى الى تحسن فوري لسعر عملتها الوطنية وبدء الحديث عن تعاون عسكري تركي – أميركي في مناطق سورية معيّنة.