ولاداتنا المشوهة.. المستمرة!

لا توحد العرب في مواجهتم اسرائيل ولا يتوحدون الآن في التفاهم على التعايش مع وجودها.
الجامعة العربية اشبه بتحفة اثرية حافلة بالذكريات
مشكلة العرب انهم كانوا الضحية في خضم هذه المتغيرات
نجد انفسنا باستمرار نولد من جديد لكن بحجم أصغر وعافية أقل

مؤخرا تابعت لقاء على احدى الفضائيات محوره التطبيع مع اسرائيل. لفت انتباهي احد الضيوف وهو كاتب واعلامي عربي معروف، حين قال ان هناك تحولات حدثت ولا بد للعرب ان يتفاعلوا معها، مذكرا بمرحلة ما بعد حرب العالم 1973 وحرب العام 1991 التي افرزت واقعا عربيا جديدا، وصولا الى مرحلة ما بعد "الربيع العربي"، مؤكدا ان العالم كله تغير ولم يعد كما كان، ولابد من التفاعل مع الواقع الجديد.

كلام دقيق ولا اعتراض عليه، لكن مشكلة العرب انهم في كل هذه المتغيرات كانوا الضحية التي بني عليها ما هو جديد لغيرهم، بسبب عدم استثمارهم لثقلهم الاقتصادي وموقعهم الجيوسياسي المهم، ولو نسبيا. فبعد حرب تشرين 1973 لم يوحدوا موقفهم امام العالم ويعلنوا عن رؤية موحدة لحل القضية الفلسطينية، وظلوا في جدال غير مثمر بين رافض للتسوية بشكل قاطع، وبين ذاهب اليها بحماسة، فاضعفوا انفسهم جميعا، وقدموا خدمة لاسرائيل من حيث يعلمون او لا يعلمون. وتكرر الامر في الكوارث اللاحقة التي حلت بهم، ما يعني اننا باستمرار نجد انفسنا نولد من جديد، لكن بحجم اصغر وعافية اقل مع قائمة جديدة من الامراض، تضاف الى ما نعانيه سابقا.

مؤتمر وزراء الخارجية العرب الذي عقد مؤخرا، لم يؤيد خطوة الامارات في تطبيعها مع اسرائيل ولم يدنها ايضا، وهذا يأتي في سياق المواقف الغامضة والمرتبكة للأنظمة العربية وغياب الشجاعة عندها في اعلان موقفها بشكل واضح وصريح. فالعرب ذهبوا الى "مؤتمر السلام" في مدريد العام 1991 بعد حرب الخليج، ووافقوا على حل الدولتين في مؤتمر القمة العربية العام 2002 في بيروت، ما يعني انهم من الناحية المبدئية موافقون على حل القضية الفلسطينية بالتفاوض، لكنهم في الوقت نفسه مختلفون في كيفية التفاوض وعاجزون عن افراز وفد عربي مشترك يتحدث باسمهم جميعا، ليضع عواصم القرار الدولي امام مسؤولياتها، وليحرج اسرائيل امام الراي العام العالمي، بدلا من اعطائها فرصة التملص من القرارات الدولية الضامنة لحقوق الشعب الفلسطيني المقررة من قبل مجلس الامن والامم المتحدة.

مأزقنا الحقيقي ليس في اعدائنا وخصومنا، بل في عجزنا البنيوي الذي يتمثل بتشرذم القرار وغياب التكامل في كل شيء، حتى باتت الجامعة العربية اشبه بتحفة اثرية، تذكّر شيوخنا بحكاية تأسيسها قبل ثلاثة ارباع القرن ويستعيدون من خلالها ذكريات صباهم التي ترافقت مع صبا الامة او ولادتها الجديدة بعد الحرب العالمية الاولى، حين كان ابناؤها مثقلون بالاحلام قبل ان تتبخر تدريجيا، وصولا الى ما انتهينا اليه اليوم.