'ولولة الروح' دراما مغربية تعود بالجمهور إلى السبعينات

فيلم المخرج عبدالاله الجواهري يوثق دور فن العيطة في سنوات الرصاص.

الرباط - يُعتبر فيلم "ولولة الروح" من الأفلام التي تجمع بين الواقعية والرمزية، حيث يمزج بين العناصر الواقعية التي تنتمي إلى الحقبة الزمنية والمكانية الحقيقية، ويتناول فترة زمنية محددة في السبعينيات والأحداث التي تتعامل مع قضايا المجتمع والسياسة. وفي الوقت نفسه، تحتوي المشاهد على عناصر رمزية تجذب الانتباه وتضيف طبقات إضافية للقصة والشخصيات. على سبيل المثال، مشهد فن العيطة وشخصية الشيخ الروحاني والشيخة الزهرة، حيث يُمثلون جوانب روحانية وثقافية وتراثية في المجتمع المغربي. كما أن لغة الدارجة المغربية المستخدمة تضيف رمزية وجاذبية للأحداث والحوارات.

هذا المزج بين الواقعية والرمزية يعد جزءًا من أسلوب الإخراج والسيناريو، الذي يسعى لتقديم قصة غنية ومعقدة تستحق النقاش والتفسير. يتيح هذا التنوع الإبداعي في الفيلم للجمهور التمتع بتجربة سينمائية غنية وتفاعلية.

وتعالج أحداث الفيلم عدة تناقضات وجوانب مختلفة من المجتمع المغربي خلال السبعينيات. تبدأ من شخصية "إدريس"، الذي كان ناشطاً يسارياً في الحركة الطلابية، وبعد تعيينه في الشرطة، يجد نفسه مضطرًا لمواجهة صراع داخلي بين الأفكار والمبادئ التي كان يؤمن بها وبين مهامه كشرطي. هذا التناقض يُظهر تحديات مراهقة الشخصية وضغوطات المجتمع.

يؤرخ المشهد الذي يتم تقديم حياة خربوشة، الفنانة الشاعرة، التي قتلت على يد القائد بن عمر بسبب مواقفها الجريئة والمناهضة للظلم.

ومن الجدير بالذكر أن موتها لم يعنِ الانتهاء منها بل انتقلت روحها وإبداعها إلى الخلود. تُمثل خربوشة وجه مشرق للمرأة المغربية التي تحدت السلطة وأصرت على التمثيل الفني الذي يُعبّر عنها رغم محاولات السلطة المسيطرة التلاعب بوجودها والتشكيك في فنها العيطة.

يُظهر الفيلم تضافر قصتين متشابكتين؛ الأولى تعود إلى فترة سنوات الرصاص في السبعينيات، حيث تتم تصفية المعارضين والمهمشين على يد النظام البوليسي القمعي. أما القصة الثانية، فتركّز على قطب الفن الشعبي والدور الكبير الذي لعبته خربوشة في مقاومة الظلم من خلال الفن كأسلوب رمزي ليصور هاتين الحكايتين.

يتطلب المشاهد خلفية فكرية عميقة وثقافة أصيلة تعرف جيدًا تاريخ المغرب المعاصر وتفهم معنى العيطة وأهمية رموزها الحقيقية. من الجوانب المميزة أيضًا التصوير الجمالي واختيار الأماكن والديكورات التي تعكس جو المغرب القديم والثقافة المحلية والذي يتميز بألوانه الساحرة واستخدامه المبدع للإضاءة.

لا شك في أن أداء الممثلين كان حاسمًا في تقديم القصة على نحو متميز وإيصال رسالتها بشكل فعّال.

وقدمت سعيدة باعدي، الشيخة الزهراء في الفيلم، أداءً رائعًا واستطاعت أن تبرز الجانب الروحاني والثقافي بإتقان حصلت عنه على جائزة مرموقة في مهرجان الإسكندرية السينمائي، مما يعكس تميزها وقدرتها على إضفاء عمق إضافي للشخصية.

من جانبه، أبدع محمد الرزين في تجسيد دور الشيخ الروحاني بمهارة وقدم أداءً قويًا ومقنعًا يمزج بين التقاليد والعمق النفسي للشخصية كما كان أداؤه ضروريًا لتوازن الفيلم ولإبراز تفاصيل ثقافية هامة.

ونجح هؤولاء في نقل رؤية المخرج بمهارة، وقدموا أداءً فنيًا مميزًا أضاف قيمة للفيلم، وساهم توازنهم واختيارهم الدقيق للأدوار في جعل هذا الفيلم تجربة سينمائية مميزة وتجذب الجماهير دون ريب.

عندما نتناول الحديث عن الإخراج السينمائي في هذا العمل يمكن وصفه بأنه كان مؤثرًا وذكيًا في تقديم القصة ونقل الرسالة التي يحملها الفيلم بشكل تقني وجاذب، اذ ان الإخراج يمثل عملية قيادية تنظم وتوجه جميع عناصر الفيلم بما في ذلك الأداء التمثيلي، التصوير، الإضاءة، الموسيقى، والمؤثرات البصرية لخلق تجربة سينمائية متكاملة.

يتميز الإخراج بالتصوير المميز واختيار الأماكن بعناية لتوفير جو تاريخي وثقافي يتناسب مع فترة السبعينيات في المغرب. ويميزه أيضًا إبراز الثقافة المحلية والتراثية المغربية، بما في ذلك فن العيطة والأشكال الفنية الأخرى التي تحمل رمزية للمجتمع المحلي.

ويسلط الاخراج الضوء على الشخصيات بعمق، مما يجعل المشاهدين يتعاطفون مع تحولاتها وتجاربها ومعالجتها للمواضيع الحساسة بطريقة تساهم في إيصال رسالة الفيلم المركبة والمتعددة الجوانب بقوة وتأثير.

ويلعب السيناريو دورًا حاسمًا في صناعة هذه القصة الرائعة والمؤثرة، اذ إنه النص الأساسي الذي يحتوي على الحوارات والأحداث وتطورات الشخصيات والمشاهد الرئيسية التي تجمع بين مختلف الأنواع السينمائية، بما في ذلك العناصر الغنائية والتاريخية والبوليسية. تشكل تلك التنوعات تحديًا كبيرًا أمام السيناريست، حيث يتعين عليه مزج هذه العناصر بمهارة وموازنتها بين الجوانب الاجتماعية والثقافية.

على الرغم من النجاح الذي حققه العمل والجوائز التي نالها، يبدو لبعض المشاهدين أن هناك جوانب سلبية تنبع من تفضيلاتهم الشخصية، اذ انه من الممكن أن يروا أن التركيز الكبير على فن العيطة والثقافة المحلية تأثر سلبًا على تسلسل القصة وأن الفيلم يفتقد للعمق في التعامل مع قضايا أخرى مهمة في المجتمع المغربي.

ويؤدي هذا إلى اختلاف في تفضيلات المشاهدين، حيث يرى البعض أن الفيلم يبرز الجوانب الإيجابية لفن العيطة والثقافة المحلية دون التركيز الكافي على الجوانب السلبية. وهذا يترك بعض الجمهور يشعر بأن الفيلم لم يتعامل بشكل محدد مع المواضيع الاجتماعية والثقافية الحساسة.

ويمكن القول إن الفيلم  هو عمل سينمائي يجمع بين الجمالية البصرية والأداء التمثيلي المميز والإخراج الذكي. إنه فيلم ينقل رسالة ثقافية هامة ويبرز تراث المغرب بشكل ممتاز، ومع ذلك، فإن تصور العمل والتركيز الكبير على بعض العناصر يمكن أن يثير بعض التساؤلات من قبل بعض المشاهدين.