يحارب أشباحا ولا يرى الشعب

لا شيء يبدو واقعيا في العلاقة بين رئيس مثل البشير أو الأسد في علاقته بشعبه.

غالبا ما يستفيق الحاكم العربي من غيبوبته الطويلة على وهم، هو من صنعه ولا علاقة له بأسباب استفاقته التي غالبا ما تكون مزعجة له.

هناك صيحات احتجاج تدوي في الخارج، خارج القصر الرئاسي وخارج رأس الحاكم وما يدور به من مدائح وشعور بالعظمة.

تلك الصيحات المزعجة تنطلق في أوقات غير مناسبة وغير مخطط لها ضمن برنامج الحاكم الذي يعتمد أصلا على مناسبات الاحتفاء به.

بالنسبة للحاكم والمحيطين به لا يهم ما الذي يقوله أولئك المحتجون. ما يهم فعلا البحث عن القوى التي شجعتهم على الخروج إلى الشارع وفتح أفواههم التي كانت دائما مغلقة على كلام مؤجل وقابل للتأجيل دائما.

لا يرى جهاز الحكم الناس، بقدر ما يحاول أن يتخيل وجود أشباح تتنقل بينهم. تلك الأشباح التي توزع الكلام المحظور بين أفواه المحتجين الذين يقول الحاكم أنهم أبرياء تم تضليلهم واخراجهم من بيوتهم عنوة ليخلوا بالأمن ولينقضوا اتفاقا عُقد معهم منذ سنين طويلة ينص على أن يلتزموا الصمت مقابل التعهد ببقائهم أحياء.

يفضل الحاكم وجهازه أن يبحثا عن الأشباح على أن ينصتا إلى المحتجين الذين يقولان إنهم على حق في مطالبهم التي تنطوي على مظلومية يمكن النظر فيها في أي وقت من غير الحاجة إلى التظاهر.

يقر الحاكم أن الشعب محق في مطالبه كما أن الدستور كفل حق التظاهر ولكن المشكلة تكمن في أن هناك أشباحا يسمون أحيانا بالمندسين هم الذين أملوا على الشعب مطالبه وهم الذين حرضوه على الخروج محتجا.
بدلا من الانصات إلى مطالب الشعب التي يعترف الحاكم أنها حقيقية يذهب إلى البحث عن القوى التي تقف وراء مؤامرة هي نوع من الظنون المريضة التي يعتقد المحيطون به أنها ستهدأ من روعه وتنهي قلقه.

الغريب في الامر أن الحاكم العربي، بالرغم من اعترافه بالظلم الذي يتعرض له شعبه فإنه لا يسعى إلى إزالة أسباب ذلك الظلم. وهو ما يمكنه القيام به بيسر. فما الذي يدفع به إلى الانغماس في البحث عن المجهول؟

أعتقد أن السبب في ذلك انما يقع في أن فلسفة الحكم في العالم العربي تقوم أصلا على فكرة المؤامرة. لذلك فإن الحاكم حين يقف مضطرا أمام ثنائية الشعب والمتآمرين فإنه سرعان ما يتجه إلى الطرف الثاني باعتباره الطرف الذي يمثل خطرا على وجوده في السلطة.

في حمى اهتمامه في البحث عن أعدائه الوهميين يترك الحاكم الشعب لأجهزته الأمنية التي تسعى إلى الحفاظ على الأمن من خلال اللجوء إلى العنف. وهو ما كان الشعب يتوقعه حين خرج محتجاً على سوء الأحوال المعيشية.

ما يجري في السودان اليوم هو تكرار لما جرى في سوريا عام 2011.

في خطابه الأخير لم يتطرق الرئيس السوداني عمر حسن البشير إلى أزمتي الخبز والوقود بل تحدث عن المؤامرة التي تستهدف الدعوة الإسلامية وهو ما يذكر بخطاب الرئيس السوري بشار الأسد في بدء الاحتجاجات السلمية الذي سخر فيه من مطالب المتظاهرين مكرسا حديثه عن المندسين، الذين يتآمرون على سوريا.

في ظل ذلك السلوك يمكنني القول إن علاقة الحاكم العربي بالشعب الذي يحكمه صارت شائكة بما لا يمكن العودة بها إلى القوانين الواقعية التي تحكم صلة الحاكم بالشعب. فالحاكم الخائف من المؤامرات لابد أن يلجأ إلى العنف في تسوية الأحوال التي تحيط به من أجل القضاء على المؤامرة.

اما الشعب فقد صار عليه أن يدفع ثمن أوهام الحاكم الذي لم يعد يهمه إلا البحث بين صفوف المحتجين عن تلك الأشباح التي تهدد بقاءه في السلطة. وهو ما لن ينجح في الوصول إليه.

لن يفهم الحاكم أن وجوده الطويل في السلطة صار عائقا بينه وبين فهم ما يجري من حوله. مسكونا بالأوهام لا يتوقع أن الشعب هو القوة التي تسقطه. إنه يحارب أشباحا، يرى فيها صورة العدو الذي يحفر قبره.