يسقط أم يبقى؟

بعد أن اعتاد النظام الإيراني على تخويف المنطقة بوجوده، ها هو يخوفها برحيله وبديله.

ليس بالامكان أبدا وصف الاوضاع في إيران حاليا بأنها عادية وطبيعية بل وحتى لا يمكن وصفها بأنها أفضل من الاوضاع السيئة التي سبقت التوقيع على الاتفاق النووي في اواسط عام 2015. الذي يلفت النظر كثيرا ويسترعي الانتباه، هو إن نبرة التصريحات الصادرة من جانب المسٶولين الايرانيين تحمل في ثناياها قلق توجس واضح جدا من الاحداث والتطورات ووجود حالة من التشاٶم بينهم ولا يمكن اعتبار التصريحات المتشددة الصادرة من جانبهم بمثابة دليل على كون الامور عادية بل إن واحدة من أهم المميزات التي يتميز بها النظام الإيراني هي إنه وكلما تضيق به الاوضاع ويكون في محنة أو مأزق فإنه يلجأ الى إطلاق هكذا تصريحات.

مع إن النظام في إيران قد واجه ظروفا وأوضاعا صعبة ومعقدة بحيث إن بعضا منها هزته بعنف وكادت أن تطيح به، لكن لم يصدر ولو تصريح أو موقف واحد من جانب القادة والمسٶولين الايرانيين يشير أو يوحي حتى ضمنيا لإحتمال سقوط النظام أو من إنه مهدد بالسقوط. لكن وبعد الانتفاضة التي إندلعت ضده في اواخر العام الماضي وبدايات العام الحالي، فإن التصريحات المختلفة من جانب المسٶولين الايرانيين صارت تحفل بالتحذير من إحتمالات سقوط وإنهيار النظام، بل وإن وزير الخارجية محمد جواد ظريف قد إستطرد بعض الشيء بهذا الصدد بحيث وصل الى حد تحذير بلدان المنطقة من خطورة سقوط النظام في إيران وإحتمال أن يتكرر السيناريو السوري في إيران!

هذه التصريحات غير العادية من جانب المسٶولين الايرانيين بخصوص التحذير من سقوط وإنهيار النظام، تناغمت معها تصريحات ومواقف صادرة من جانب شخصيات سياسية غربية متأثرة بصورة أو أخرى للوبي الايراني العامل في الولايات المتحدة الاميركية وبلدان الاتحاد الاوروبي، والذي يمكن ملاحظته جيدا بين تلك المواقف المعلنة إنها تحذر جميعها من إحتمال سقوط النظام والخطورة التي سيشكلها هذا السقوط حيث ستصبح إيران بمثابة بٶرة لمشكلة إنسانية عويصة وتٶثر سلبا وبقوة على بلدان المنطقة. والانكى من ذلك إن بعضهم بات يقارن بين النظام القادم والنظام الحالي والتأكيد على إن النظام الحالي سيكون أكثر أمنا للمنطقة خصوصا وإن هناك تجربة وتعاملا سابقا ويمكن التفاهم معه، في حين إن النظام الآخر (القادم) أشبه بالمجهول والذي يمكن أن يكون الاخطر لأنه سيحمل كل مساوئ النظام وليس حسناته، وكأن لهذا النظام حسنات ستجد بلدان المنطقة والعالم ذات يوم إنها محرومة منها!

هذه المساعي المثيرة للكثير من الشبهات والتي باتت بعض الاوساط السياسية والاعلامية الدولية وحتى العربية تٶخذ بها أو حتى تنطلي عليها، تعمل من أجل تحقيق رزمة من الاهداف الملحة للنظام من أهمها:

ـ إنها تصادر وتلتف على النضال الطويل والضاري والمرير الذي خاضه الشعب الايراني من أجل الحرية والديمقراطية.

ـ إنها تعمل على التشكيك في قدرات ونوايا وإمكانيات المعارضة الايرانية الفعالة المتواجدة في الساحة والمتمثلة في المجلس الوطني للمقاومة الايرانية وعلى عدم إمكانها من السيطرة على الاوضاع بعد سقوطه.

ـ إنها تهدف الى منح جرعات من المعنويات لركائز ودعامات النظام التي تتعرض للتصدع وجعلها متماسكة.

ـ إنها تهدف الى إثارة المخاوف والشكوك إقليميا ودوليا بشأن البديل الذي سيعقبها لكي تدق أسفينا بين العالم كله وبين هذا البديل.

بعد هزيمة نابليون في معركة واترلو، تم الاتفاق على إرجاع الملكية الى فرنسا من خلال شعار "إرجاع القديم الى قدمه". لكن يبدو إن نظام الجمهورية الاسلامية الايرانية قد إستفاد من هذا الشعار ولكن بصيغة مختلفة قليلا وهي "إبقاء القديم على قدمه". وهنا يطرح أهم سٶال نفسه: هل سينفع ذلك مع شعب يكاد أن يعيش على سطح صفيح ساخن ومع معارضة شعارها الاساسي إسقاط النظام؟