1400 كيلومتر من الخيانة

تحول جبل النار الذي حلم به الخليفة عمر بن الخطاب إلى حقول تتنفس من خلالها بلاد فارس هواء الرخاء والترف.

الحدود التي تفصل بين العراق وإيران مفتوحة في اتجاه واحد.

من إيران إلى العراق وليس بالعكس. وهو ما جعل العلاقة بين الطرفين قائمة على أساس هيمنة طرف على طرف آخر. بمعنى أن المعادلة لم تكن متكافئة. وهو ما لم تصنعه إيران وحدها، بل كان للطرف العراقي مساهمة كبيرة في صنع تلك المعادلة الظالمة.

كانت تبعية العراق الاقتصادية انعكاسا طبيعيا لتبعية حكوماته العقائدية التي تشكلت بعد عام 2003.

لقد قام نوري المالكي في مرحلة حكمه التي امتدت لثمان سنوات بربط الاقتصاد العراقي بالاقتصاد الإيراني بطريقة عضوية لكي يكون من الصعب على الحكومات التي تلي حكومته أن تفكر بقطع تلك الصلة والانتقال إلى خيارات بديلة.

إن أية محاولة لغلق الحدود بين الطرفين تعني تعريض العراقيين لخطر المجاعة.

وإذا ما تغاضينا عن المواد الغذائية التي يُشك بمستوى صلاحيتها للاستعمال البشري والبضائع المقلدة ذات النوعية الرديئة فإن قطاع الكهرباء هو أكثر القطاعات حساسية حيث تزود إيران عددا من المحافظات بالكهرباء بعد أن كانت حكومة المالكي قد أنفقت حوالي ثلاثين مليار دولار على مشاريع وهمية للكهرباء.

ولأن الحدود العراقية المفتوحة على إيران محروسة من قبل ميليشيات وأجهزة أمنية تدين بالولاء للولي الفقيه فقد صارت ممرا آمنا لتجارة المخدرات وهي تجارة تتخطى إيراداتها مبلغ العشرة مليارات دولار الذي هو حجم التبادل التجاري المعلن وهو ما يخطط الإيرانيون الآن وبعد أن فُرضت عليهم العقوبات الأميركية إلى أن يصلوا به إلى العشرين مليارا.

إيران تعرف جيدا أن العراق لن ينضم إلى الدول التي تنفذ العقوبات الأميركية. وهو ما تعرفه الولايات المتحدة هي الأخرى وقد تغض النظر عنه. ذلك لأنها تدرك أن أي التزام حكومي لا معنى له في مقابل 1400 كيلومتر فالتة تتحكم بها ميليشيات عراقية ترى في انقاذ إيران مستقبلها وجوهر وجودها.  

لقد تحول جبل النار الذي حلم به الخليفة عمر بن الخطاب إلى حقول تتنفس من خلالها بلاد فارس هواء الرخاء والترف. وهنا بالضبط تقع خيانة الوصية العمرية وهي خيانة تؤكد من خلال نتائجها أن الخليفة الثاني كان على حق بمقولته الرمزية.

فما من شيء مفيد يأتي من إيران.

إيران في علاقتها مع العالم العربي هي الشر المطلق. وسيكشف التاريخ من خلال وثائقه وشهاداته أن إيران كانت تقف وراء الجزء الأكبر من فجائع العراقيين في عصرهم الحديث.

حين سلم المحتل الأميركي الحكم لأتباع إيران فإنه كان على علم بأنهم سيذهبون بالعراق إلى الجحيم من خلال تنفيذهم الأجندة الإيرانية التي تفوق أجندته توحشا وقذارة وهمجية. فكان أن عاش العراق سنوات من الحرب الاهلية التي أسست لواقع، صار من خلاله العراق مائدة مفتوحة للغزاة المحررين. غير أن كل الطرق كانت تقود إلى طهران.

لذلك فإن إيران مطمئنة إلى مستقبلها في العراق. هناك 1400 كيلومتر يحرسها رجالها القابضون على السلطة في بغداد. الخيانة جاهزة في كل وقت. فهي التجسيد الأمثل للوفاء العقائدي. العقيدة الخمينية هي التي تحكم العراق وهي التي تفتح حدوده لكل ما يقبل من إيران. سيكون السم الإيراني عسلا بالنسبة لمَن تربى في أقبية الحرس الثوري الإيراني.

1400 كيلومتر من الخيانة هي واحدة من صور الجغرافيا التي تصنع تاريخا ملعونا، ستنظر إليه الأجيال العراقية القادمة بغضب. ذلك لأنه حرمهم من واحدة من أعظم فرص الحرية والاستقلال والتنمية البشرية.

فلولا التبعية التي فرضتها الأحزاب الطائفية الحاكمة لكان العراق اليوم بلدا ناهضا، تسوده العدالة الاجتماعية القائمة على مبدأ المواطنة المنصفة ولما سادت الامية والجهل والفقر والمرض بين الملايين من سكانه.