الصحافيون نافعون للمجتمع لأنهم كائنات ضارة للسياسيين

غالبية الصحافيين العرب لا يتحولون إلى “كائنات ضارة” في حضرة السياسي العربي، فإنهم غير نافعين بالضرورة، وأن المعادل مفقود في معادلة الصحافي والسياسي العربي عندما يتعلق الأمر ببوريس جونسون أو دونالد ترامب.
معادلة الصحافي والسياسي العربي

مع أنه يصعب أن نجد معادلا بين السياسيين العرب لشعبوية وزير الخارجية البريطاني المستقيل بوريس جونسون الذي يجعل من الصحافيين كائنات نافعة لأنهم يشكلون له الضرر عند الرأي العام.

ولأن غالبية الصحافيين العرب لا يتحولون إلى “كائنات ضارة” في حضرة السياسي العربي، فإنهم غير نافعين بالضرورة، وأن المعادل مفقود في معادلة الصحافي والسياسي العربي عندما يتعلق الأمر بجونسون أو دونالد ترامب.

عندما يكون الصحافيون “كائنات ضارة” للسياسي، فإنهم سيكونون كائنات نافعة بالنسبة للمجتمع. لذلك يجتهد أن يكون الصحافي المتسق مع ذاته “كائنا ضارا” بالنسبة لأي سياسي من أجل تفنيد الأكاذيب المتصاعدة والمستمرة وكشف الفساد ومنع السياسيين من الاكتفاء المجرد بدفع ضريبة الكلام وحدها.

بوريس يفهم السياسة بأنها التعريف الأمثل للإعلام، لذلك أطلقت عليه الكاتبة البارعة سوزان مور اسم “بوريسكوني” في إشارة إلى رئيس الوزراء الإيطالي الأسبق سيلفيو برلسكوني، لأن فهمهما معا يعرّف السياسة هي الإعلام والرسالة هي الوسيط بينهما.

ولأن هذا الفخ مغر للصحافيين، فبوريس قصة إخبارية مستمرة منذ قيادته بريكست واستقالته بعدها من وزارة الخارجية، وزاد التشويق بعد التعبيرين المبتكرين اللذين أطلقهما بحق النساء المنقبات واصفا إياهن بصندوق البريد الذي لا يحمل غير فتحة العيون! بل وصلت به الجرأة إلى اعتبارهن صورة طبق الأصل من لصوص البنوك.

الصحافيون كانوا ينتظرون عودة الوزير المستقيل من إجازته الصيفية علّهم يظفرون بقصة جديدة فتوجهوا مباشرة إلى حديقة منزله، وفي ذهنهم تحتشد حزمة من التصريحات لكبار قادة حزب المحافظين متوعدين جونسون بالتحقيق بشأن احتمال انتهاكه مدونة قواعد السلوك الخاصة بالحزب لإسقاط أي أمل له بخلافة تيريزا ماي في رئاسة الحكومة البريطانية.

أندرو كوبر، عضو مجلس اللوردات المنتمي لحزب المحافظين ومستشار الحكومة السابق لشؤون الانتخابات، اتهم جونسون “بالخواء الأخلاقي والشعبوية”.

وقال في تغريدة له على تويتر “حقارة بوريس جونسون تتجاوز حتى عنصريته التلقائية ومغازلته العابرة بالقدر نفسه للفاشية. إنه سيؤيد حرفيا أي شيء يجذب مؤيدين له في أي لحظة”.

وهكذا أصبح بوريس جونسون القصة الصحافية البريطانية تماما كدونالد ترامب في الولايات المتحدة، فتحركت “الكائنات الضارة” علها تكون نافعة بالنسبة للمجتمع البريطاني الرافض للعنصرية والشعبوية.

ولأن جونسون صعد كصحافي قبل أن يكون سياسيا “هل تتذكرون تغطيته لحرب احتلال العراق كمراسل ودخوله منزل طارق عزيز واستحواذه على علبة السيجار الجلدية الخاصة بنائب رئيس الوزراء العراقي الراحل، الأمر الذي دفع الشرطة البريطانية لاحقا إلى مصادرتها منه”، فإنه لم يمنح الفرصة لزملائه السابقين كي يكونوا كائنات نافعة على حساب ضرره!

قدم جونسون الشاي لصحافيين تجمعوا خارج منزله لكنه رفض التعليق على تصريحاته الأخيرة بشأن صندوق البريد المغلق ولصوص البنوك.

وظهر مبتهجا وهو يسير باتجاه مراسلي وسائل الإعلام حاملا صينية عليها أكواب من الشاي. وعلى الرغم من تعرضه لضغوط المراسلين للتعليق على الجدل الذي صاحب تعليقاته الأخيرة، لم يجب جونسون عن الأسئلة واكتفى بالقول “ليس لدي ما يقال في هذا الصدد، باستثناء تقديم بعض الشاي لكم”.

لقد نجحت مهمـة جونسون الشعبوية في ظهوره أمام الصحافيين بملابس رياضية يحمل أقـداح شاي من النوع الرخيص وقنينة حليب صغيرة، ليسلب منهم المبادرة.

الأمر الذي دفع سوزان مور إلى إطلاق تساؤلها بمرارة عما إذا كان ما وصفته بـ“كيس الأكاذيب” قد نجح في شراء الصحافيين وسحرهم بقدح شاي؟ مخاطبة إياهم ماذا ستفعلون بقطعة البسكويت وقدح الشاي؟ ومقدمها لكم قد أفشل مهمتكم، إن كان أصلا ثمة مهمة تستحق الاهتمام بجونسون!

وتطالب سوزان الصحافيين بالتخلي عن “فكرة التردد” في مثل هذه الأمور، فالعالم يخوض حربا ذاتية بشأن المعلومات، والصحافيون ليسوا خارج هذه الحرب لأن الحقائق موجودة وفي الوقت نفسه يسقط الناس في الأكاذيب بسبب الأكاذيب المتصاعدة والمستمرة.

لقد أخطأ الناس بقدرة جونسون العالية على التعدي، لذلك تطالب سوزان الصحافيين بعلاج هذا الخطأ. تماما مثلما يعتقد ستيف بانون المسـاعد السابق للرئيس دونالد ترامب، بأن الفجوة الأخلاقية ليست جريمة في عالمه، ويعتقد جونسون بأن لا عواقب تمسّه على طبيعة الكلام، إنها مجرد مرونة في أن يفعل ما يفعل لجذب الاهتمام إليه ولا يعاقب على ما يقوله.

مهنة الصحافيين تتقوض بالأكاذيب المتصاعدة، ويمكن إلقاء اللوم ببساطة على مصطلح “ما بعد الحقيقة” أو مواقع التواصل الاجتماعي، وعدم الثقة بالصحافة خصوصا بعد فضيحة القرصنة الهاتفية وتسريب البيانات الشخصية. لذلك تعزو سوزان مور التنديد المتصاعد بوسائل الإعلام إلى منحها قدرا من الاهتمام لمن لا يستحقون ذلك.

فجونسون بوصفه وزير خارجية يعد مفارقة تاريخية في تاريخ الدبلوماسية البريطانية، فهو يدرك بأنه يثير استياء الآخرين، ويفتقر إلى الكفاءة ويحب الاستعراض، ذلك أنه في عالم معولم ومنفتح على الاتصالات، ربما يبدو وكأن فائدة السفراء، بل حتى وزراء الخارجية لا يمكن أن تتجاوز فائدة الحصان والعربة في عصر السيارات السريعة، وفق تعبير صحيفة فايننشيال تايمز. فجونسون ليس مثل مايك بومبيو، وزير الخارجية الأميركي، في الوقت الذي يحاول فيه إنعاش وزارة الخارجية المفرَغة من مضمونها، دائما ما يسير على بُعد خطوة واحدة خلف الرئيس.

إذا كان العصر الذهبي لوزراء الخارجية ربما يكون قد ولى، فإن على الصحافيين وهم يتوجهون إلى وزراء الخارجية، ألا يغفلوا أن عليهم بشكل دائم إعادة صناعة عصر ذهبي متجدد في الصحافة.