ماذا لو لم تكن وسائل التواصل الاجتماعي مجانية


إن من عليه أن يعمل من أجل السيطرة على الذعر من مواقع التواصل هي المجتمعات، وليس الشركات التي ستبقى ضامنة لأرباحها.
لنفترض أن مواقع التواصل الاجتماعي تحولت جميعها إلى نموذج اشتراك، هل سيتمكن الأغنياء وحدهم من الاستفادة من التواصل مع بقية العالم؟

مع أن هذا السؤال مستهل لحزمة أخرى من الأسئلة، فبمجرد أطلاقه لا يكتفي بكونه كاملا، ومع أنها في حقيقة الأمر ليست مجانية تماما، لأننا ندفع ما يقابل استخدامنا لهذه المنصات، كما أن الشركات التكنولوجية تجعل من المستخدمين أداة تبدو مجانية، لكنها تجلب عن طريقهم أموالا هائلة.

فكان واحد من أكثر الأسئلة سذاجة للمحققين من أعضاء الكونغرس الأميركي مع الرئيس التنفيذي لشركة فيسبوك مارك زوكربيرغ بعد فضيحة التسريبات الشهيرة، يسأله عن مصدر الأموال التي يجنيها فيسبوك بينما يقدم خدماته للمستخدمين مجانا. رد عليه زوكربيرغ “سيدي، الإعلانات مصدر أموالنا”!

مهما يكن من أمر، فإن سؤال مجانية مواقع التواصل الاجتماعي، ماذا لو كانت غير ذلك، تلتحق به مجموعة أخرى من الأسئلة على شاكلة: هل سيصبح المجتمع أكثر انعزالا؟ من السهولة بمكان المطالبة بشيء مختلف، كما من الضروري تخيل كيف يمكن أو ينبغي أن يكون الإنترنت مختلفا. إننا لا نقبل التخلي عن حياتنا بخلاف وجود الإنترنت.

مع ذلك ينبغي إدراك ما هو جيد وسيء سواء الموجود بالفعل أو ما يمكن أن يحل محل الإنترنت.

اليوم تتم استعادة الانطباع السابق الذي رافق انتشار الإنترنت بوصفه حلما مثاليا وخدمة جليلة تقدم للبشرية، مع التغيير الذي من الممكن أن يحدث عليه.

هنا تحضر وسائل التواصل الاجتماعي بوصفها المعبر الأهم بالنسبة للمجتمعات عن عصر الإنترنت. صحيح أن ما تقدمه الشبكة للبشرية أكبر بكثير من وسائل التواصل وحدها. لكن مواقع التواصل بدت بفائدة ملتبسة، فبينما هي الأكثر ضررا على المجتمعات في إشاعة الفرقة الإثنية والأخبار الملفقة، بيد أنها مثلت أفضل وسيلة لربط الناس مع بعضهم البعض، إلى درجة وصف فيها الأشخاص الذين رفضوا فتح حسابات لهم على مواقع التواصل بأنهم “أموات أو منعزلون”.

ذلك ما جعل صورة الأدمغة المصابة بالزيف تحت وطأة أخبار الشائعات هي الأقوى، بعد أن بتنا نتعامل مع شائعات عبر الإنترنت تنتشر كالوباء.

فما اللوم الذي يجب على الشركات التكنولوجية تحمله لأنها لا تحاول منع وصول تلك الألعاب النارية إلى الأيدي الخاطئة.

الحقيقة التي باتت تترسخ يوما بعد آخر، أن إدارة تلك الشركات مستفيدة من كل الذي يحصل وهو بالنسبة إليها معركة للسيطرة، ولا يتوقع أن تقوم بأي تراجع عن استمرار تأثير مواقع التواصل على المجتمعات والدول، حتى لو مرت تلك الشركات بتحول جذري في السنوات القادمة. فتلك الخوارزمية التي تعمل بها تكنولوجيا فيسبوك مثلا بمثابة القلب النابض بالقوة والأرباح، الأمر الذي يستحيل التراجع عنه.

فهل سيبدو الناس سعداء مثلا، لو لم تتسن لهم معرفة ما يعمله الآخرون كل لحظة؟ يمكن أن نعود إلى ساعات توقف فيسبوك وواتساب بسبب عطل طارئ قبل أشهر لندرك ما يشبه الإجابة على هذا السؤال!

حسنا، مجموعة صغيرة من خبراء الرياضيات الأذكياء الموهوبين والمحظوظين أيضا ابتكروا مواقع التواصل، ومجموعة كبيرة من الحمقى أساؤوا فهمها واستخدامها. لكن سوء الاستخدام هذا كان محرضا على الجشع من قبل أولئك الأذكياء، عندما أصبحوا أصحاب شركات يضعون الأرباح فوق أي اعتبار آخر.

لقد ثبت أن خوارزميات وسائل التواصل الاجتماعي تغذينا بالمزيد من المحتوى – سواء من نتعامل معه أو ما نكتفي بتصفحه – الذي جعل مجتمعاتنا أكثر انقساما، وساهم في ترسيخ أنظمة غير جامعة بشكل متزايد، جعلتنا جميعا غير مستعدين وربما غير قادرين على فهم الآخر. مع ذلك نحن أسرع مما يمكن تفسيره في تقبل التعامل مع هذا المحتوى.

هناك ما يلفت الانتباه في مستقبل علاقتنا مع الإنترنت المجاني، وكيفية استخدامه، فقد أعلنت شركة ميتا الوليد الجديد لفيسبوك، أنها ستزيل الإعلانات الحساسة المتعلقة بالعرق والتوجه الجنسي والانتماء السياسي، بينما أعلنت شركة تويتر أنها ستسمح للمستخدمين الذين يدفعون رسوما بالوصول إلى محتوى خال من الإعلانات، في محاولة للتفكير في الوضع الراهن لوسائل التواصل الاجتماعي، وما سيكون مفضلا مع التغيير الذي سيطرأ على استخدام الإنترنت، مع أنه لم يكن هناك سبب واضح لتفكير إدارتي فيسبوك وتويتر بالاشتراك المدفوع، فالواقع التجاري يقول إن الأرباح تنهال مضاعفة عليهما من إعلانات الاشتراك المجاني، فإذا كان لدى فيسبوك اليوم أكثر من ثلاثة مليارات مستخدم، هل يمكن أن نتوقع أي رقم لعدد المستخدمين عندما يصبح فتح حساب بمقابل مالي؟

إذا تمت إزالة الإعلانات المزعجة للمستخدمين اليوم، فهل هذا يعني أن المحافظة على الخصوصية ستكون ثمن الحسابات المدفوعة ومن يستطيع تحمل تكاليفها؟

لنفترض أن مواقع التواصل الاجتماعي تحولت جميعها إلى نموذج اشتراك، هل سيتمكن الأغنياء وحدهم من الاستفادة من التواصل مع بقية العالم؟ ولنفترض أن هذه المواقع الجديدة ستركز اهتمامها على جماهير أضيق ذوي اهتمامات نخبوية، فهل ستزدهر الحقيقة، وسيكون التبادل وحده للمعلومات والأفكار الديمقراطية من أجل ازدهار المجتمعات؟

ماذا عن البيانات المتدفقة بشكل هائل، وهي أكثر بكثير من حاجتنا إلى المعلومات، هل ستقل نوعا ما؟ هل ستكون الغلبة فيها لما هو حقيقي على حساب الملفق؟

من الصعوبة بمكان الحصول على إجابة في الوقت الحالي، ونحن بالأساس نفتقد إلى بيئة تنظيمية تسمح بالاستخدام الملائم لمثل هذه التكنولوجيا المعقدة، ونبدو إلى حد الآن أقل حذرا من أسوأ مخاطر إساءة توفير وتطبيق تلك المنصات في حالها المتاح اليوم. فمن غير الممكن أن نتوقع أن الشركات الرابحة تتخلى مستقبلا بسهولة عن أرباحها. وحتى إذا وفرت طريقة الدفع مقابل الاشتراك فإنها ستجد المئات من الطرق المجانية الأخرى من أجل استمرارية تدفق الأموال عليها.

في كل الأحوال، إن من عليه أن يعمل من أجل السيطرة على الذعر من مواقع التواصل هي المجتمعات، وليس الشركات التي ستبقى ضامنة لأرباحها سواء بالخدمة الحالية التي تقدمها مواقع التواصل أو بالخطط الاستباقية لتغيير طريقة الاستخدام.