مايكروسوفت تتربع على عرش الانترنت

سان فرانسيسكو- من آندي غولدبيرغ
توصلت شركة مايكروسوفت، عملاقة منتجي البرمجيات الاميركية مؤخرا إلى تسوية مع وزارة العدل الاميركية من شأنها ألا يطرأ بموجبها تغيير يذكر على وضع الشركة المهيمن على عالم الكومبيوتر الشخصي وعلى الجيل القادم من برمجيات الكومبيوتر وخدماته. ويتفق في ذلك أصدقاء مايكروسوفت وأعداؤها على حد سواء.
ورغم أن محكمة استئناف فدرالية سبق أن قضت بأن مايكروسوفت أخلت بقوانين حظر الاحتكار من خلال عدد من الانشطة، إلا أن التسوية التي أبرمت مؤخرا لم تسلب الشركة أيا مما جنته بفضل هذه الانشطة التي اعتبرتها المحكمة غير قانونية. بل كل ما فعلته هو أن أرست قواعد سلسلة من الاجراءات تتيح لمنافسي مايكروسوفت نظريا التنافس على قدم من المساواة معها.
ولكن الموقف بنظرة أكثر عملية، هو أن منافسي مايكروسوفت باتوا الان مثل أسماك صغيرة يحق لها التعارك مع سمكة قرش ضخمة، اكتسبت ضخامتها هذه بعد أن ابتلعت عددا من المنافسين الصغار دون أن تقع تحت طائلة العقاب.
وقد يساعد الرجوع إلى الوراء على فهم ما جنته مايكروسوفت من هذه التسوية. فطالما هيمن نظام ويندوز للتشغيل الذي أنتجته على عالم الكومبيوتر بحيث وصلت نسبة الاجهزة التي تعمل بمساعدته إلى تسعين بالمائة من الاجهزة في العالم.
صندوق الدنيا الجديد
وكانت أول منافسة حقيقية تواجه مايكروسوفت هي برنامج "نتسكيب نافيغيتور" لتصفح الانترنت والتي سرعان ما لاقت إقبالا كبيرا من المستهلكين بمجرد ظهورها في الاسواق. فقد أدركت شركة نتسكيب في عام 1994 أن الاتصال بالانترنت سيكون أول أسباب التعامل مع الكومبيوتر بالنسبة لمعظم الناس.
وكانت الرؤية التي تحركت بها نتسكيب هي أن الناس سيريدون الاتصال بالشبكة المعلوماتية العنكبوتية دون حاجة بهم إلى استخدام نظم التشغيل المعقدة التي تنتجها مايكروسوفت.
وسرعان ما أدركت مايكروسوفت ومؤسسها بيل غيتس طبيعة التطورات التي طرأت على عالم الكومبيوتر، وكان أن أنتجت هي الاخرى برنامج "انترنت اكسبلورر" لتصفح الانترنت وطرحتها في الاسواق مجانا ثم ما لبثت أن ضمنتها نظام التشغيل ويندوز المفروض بطبيعة الامور على أغلب المستخدمين.
ثم لجئت مايكروسوفت إلى سلسلة من الاساليب التي يصعب مقاومتها لاجبار صناع أجهزة الكومبيوتر على استبدال تثبيت برنامج اكسبلورر بدلا من برنامج نتسكيب كلما أمكن ذلك.
وأثبتت هذه الاساليب، التي قرر قاض فدرالي فيما بعد أنها غير قانونية، فعاليتها. ففي غضون سنوات معدودات تراجعت نتسكيب من الشركة الاكثر نجاحا في تاريخ بورصة وول ستريت إلى كيان منهار اقتصاديا أضطر إلى أن يقبل عرضا من إيه. أو.إل بشرائه.
وبموجب التسوية التي أبرمتها مايكروسوفت مع وزارة العدل، لن يمكن لنتسكيب أن تسترد ما فقدته. فإذا كان صحيحا أن صانعي الكومبيوتر بمقدورهم الان أن يضمنوا نظام التشغيل ويندوز برنامج نتسكيب نافيغينتور بدلا من منافسه الذي أنتجته مايكروسوفت، إلا أنهم على الارجح لن يقوموا بذلك. فليس هناك ما يشجعهم على ذلك. أما مايكروسوفت فبمقدورها أن تغرق المستهلك بدعايات تغريه بالاستعانة بها في الاتصال بالانترنت دون التعامل مع أي منتج آخر.
ويقول روبرت بورك قاضي الاستئناف السابق الذي ألف كتابا شهيرا عن قوانين حظر الاحتكار في أواخر السبعينيات "إن مايكروسوفت الان حرة في أن تفعل ما سبق أن اعتبرته المحكمة غير قانوني".
كما أن التسوية تتيح لمايكروسوفت أن تمد نطاق هيمنتها من عالم الكومبيوتر إلى آفاق أكثر رحابة هي عالم التكنولوجيا الرقمية الذي يتصل فيه المستخدم بالانترنت بواسطة أجهزة الاستخدام اليومي مثل الهاتف المحمول والتلفزيون. فمايكروسوفت الان عازمة على الربط بين كل هذه الاجهزة من خلال بطاقة هوية تمنحها للمستخدم وتمكنه بها من الاتصال بالانترنت عبر أي من هذه الاجهزة وفي أي مكان وزمان.
وفي نظر منافسي مايكروسوفت فإن التسوية التي لم تفرض أي قيود على سياسة الشركة فيما يخص نظام التشغيل ويندوز تزيد من خطر هيمنة الشركة على عالم الانترنت بأسره.
ويقول سكوت مكنيلي المدير التنفيذي لشركة صن، واحدة من أقسى منتقدي مايكروسوفت "أعتقد أنها مزحة. هذه التسوية ليست علاجا للامر، إنها مكافأة لمايكروسوفت."
وإذا كان هذا الرأي ممزوجا بمرارة يمكن فهمها بل وتوقعها، فماذا عن رأي خبراء الاستثمار المحايدين ممن يرون أيضا ان الاتفاق الاخير لا يصل حتى لمستوى صفعة خفيفة على يد العملاق مايكروسوفت.