علي عبدالفتاح يقدم تجارب قصصية في ميدان العلم والتدريس
القاهرة ـ من حازم خالد
كتاب "يوميات مدير مدرسة" قصص قصيرة لمؤلفة علي عبدالفتاح يطرح حياة الكاتب نفسه من خلال تجاربه في ميدان العلم وعالم المدرسة والتدريس، فهو يصف لك كل ما يحدث داخل المدرسة من مواقف غريبة ومواقف تثير البكاء ومواقف تثير السخرية.
الكتاب عبارة عن مجموعة من القصص القصيرة جدا 260 أقصوصة، كتبت بطريقة مكثفة ذات رمز فني وملمح إنساني وتربوي، تعبر عن قضايا ثقافية وتربوية وتعليمية، حيث تركز على قضية واحدة، وهي مشاكل الدراسة وهموم المعلم ومعاناة الطلاب مع المناهج العقيمة والامتحانات.
القصص كتبت بتلقائية بسيطة، وأحيانا بأسلوب شاعري، ليصف لك أحوال العلم والتعليم وعلاقة الطالب بالمعلم ويطرح أمامنا قضية ما ثم يتركها لنفكر فيها والقضايا التي عرضها أمامنا في أسلوبه القصصي تدور حول موقف المعلم مع المنهج وظاهرة الدروس الخصوصية وكيف أنها تشكل عاملا مؤثرا في حياة المعلم والطالب.
ويكشف لنا أيضا الكاتب علي عبدالفتاح، وقد أمضى حياته في مجال التدريس حتى أصبح مديرا لإحدى المدارس، فكانت أمامه فرصة طيبة لينسج من حوادث المدارس وقضايا التدريس قصصا قصيرة تصوغ وجدان ومعاناة المعلم وطلاب العلم، واهتم الكاتب بالقضايا الأخلاقية في قصصه حيث يرغم مدرسا على تقديم استقالته لأنه لا يحترم الطالب ويسبه بأقذع الكلمات. وكذلك يؤكد الكاتب في القصص على سمات الاحترام والكرامة والشغف بالعلم وتوظيف أحدث أدوات التكنولوجيا وتوجيه الطلاب للبحث العلمي وإدراك أهمية المكتبة المدرسية والقراءة والاطلاع.
في الكتاب - الذي أصدرته وكالة الصحافة العربية .. ناشرون - إطلالة على أعلام الأدب والشعر والفنون في العالم الغربي وفي مصر وقد ذهل الكاتب في إعداد بحث عن نجيب محفوظ تقدم به طالب بمفرده ولم يشترك من الطلاب سواه وكانوا يعتذرون بأنهم لا يعرفون من هو نجيب محفوظ. وكذلك النقد كان له دور كبير عبر عنه الكاتب حين بدأ الطلاب يسخرون من المناهج العقيمة حتى أن أحد الطلاب أكد أن جده قد درس نفس المناهج منذ خمسين عاما.
معاناة المعلم
وحين حاولت الوزارة الأخذ بالتكنولوجيا الحديثة وتوظيف السبورة الذكية أو التابلت كان أحد المدرسين يقسم أنه في حياته ما استعمل كمبيوتر أو اقتناه في بيته فكيف يواكب التجربة التكنولوجية الجديدة؟
الكاتب على أهمية الفنون مثل المسرح المدرسي والخطابة والصحافة وإلقاء الشعر والحوارات باللغات الأجنبية وإطلاع الطلاب على الفن التشكيلي وأعلامه والأدب العربي ورواده والشعراء المصريين والأجانب حتى يتذوق الطالب ثقافة تثري ذهنه بالمعلومات ويصبح واثق النفس قادرا على النقد والتعبير بحرية
لقد حرص الكاتب أن يكشف لك مشاكل يعاني منها أولياء الأمور والطلاب الصغار مثل حقيبة المدرسة، حين تأتي له طفلة في الصف الأول الابتدائي، وتقول له: “لا أستطيع حمل الحقيبة.. ساعدني!” وهنا يجتمع المدير مع هيئة التدريس للبحث عن حل للمشكلة ويكتشف أنها ترتبط بمجموعة الكتب التي يحضرها معه الطالب ليحشو المعلم رأسه بالمعلومات من أجل الامتحان.
وتثار قضايا كثيرة منها: قضية الاتباع أم الإبداع! أي أن نظل تابعين أم نحاول أن نكون مبدعين.. ويكشف أن المعلم لا يهتم بتلك القضية لأنه مهموم بالدرس الخصوصي وفرض رهبة على الطلاب من الامتحانات، فالمدرسة ليست إلا دارا للتلقين والحفظ دون فهم أو ابتكار أو إبداع، والمدرسة مثل المعتقل الكبير يكرهها جميع الطلاب، حتى المدرسون، والمدرسة لا تقدم أنشطة ثقافية أو علمية أو ترفيهية وإنما نوعا من القهر يسود الحياة المدرسية، وولي الأمر مسكين ضائع بين المدرسة ونظامها التعليمي العتيق والمدرس الخصوصى الذي فُرض عليه لأن المدارس لا تعلم ولا تقدم رسالة علمية أو فكرية تدعم بها شخصية الطالب.
ومن المواقف الساخرة أن يضحك الطلاب ويغنون لأن مدرس العربي أو الدراسات غائب، وتجد أيضا المعلم في بداية الأسبوع مكفهر الوجه مكتئب لأنه بداية أول يوم في الأسبوع الدراسي، أما يوم الخميس تجد وجوه الطلاب والمعلمين تعكس فرحة وتفاؤلا وبهجة غريبة، وفي مساء اليوم التالي للدراسة ينام الجميع في هم وحزن لأن غدا الدراسة.
ويتساءل مدير المدرسة: لماذا يكرهون المدارس؟ لماذا تبدو مدارسنا أقرب إلى السجون وإصلاحية تهذيب الأطفال؟ وهنا يؤكد مدير المدرسة ويقول: عرفت الآن من أين ينبع الإرهاب! ويقصد أن الإرهاب ناتج عن مدارس بلا ثقافة معاصرة ودون مدرس مثقف ومبدع ليس همه سوى إهانة الطالب وتحطيم كرامته بحجة التأديب والتهذيب والإصلاح، وكأنه حقا يعمل في أحد السجون.
ومن جهة أخرى يوضح الكاتب مدى التناقض الذي يحدث في مدارسنا فنحن ندعو الطلاب للبحث عن المعلومة على الإنترنت والمدرسة لا يتوفر فيها شبكة إنترنت، وندعو إلى نبذ العنف والقسوة ويقوم أحد المدرسين بلطم طالب على وجهه حتى تنزف الدماء من فمه وأنفه بل ما هو أفظع حين يشهر المدرس عصاه في الهواء ويلهب جسم الطفل الصغير بالضرب حتى فارق الطفل الحياة.
وهنا يصرخ مدير المدرسة: لا بد من تربية المعلم قبل الطالب، ويقصد من ذلك أنه ليس كل من تخرج من كليات جامعية يصلح معلما لا بد من إعداد المعلم ثقافيا وعلميا وتربويا حتى يكون المثل الأعلى أمام طلابه.
ويؤكد الكاتب على أهمية الفنون مثل المسرح المدرسي والخطابة والصحافة وإلقاء الشعر والحوارات باللغات الأجنبية وإطلاع الطلاب على الفن التشكيلي وأعلامه والأدب العربي ورواده والشعراء المصريين والأجانب حتى يتذوق الطالب ثقافة تثري ذهنه بالمعلومات ويصبح واثق النفس قادرا على النقد والتعبير بحرية فنحن لا نريد جيلا يرتعش خوفا إذا حاول التعبير عن ذاته، ولذلك حين جاءت توجيهات من الوزارة تدعو لإلغاء حصص الرسم والموسيقى والمكتبة وتحويل الحصص إلى مواد من أجل الامتحان يصمم مدير المدرسة أن تظل حصص الفنون والمكتبة والموسيقى والتربية الفنية مستمرة حتى آخر يوم في الدراسة، لأن الطالب إذا لم يستمتع في المدرسة فلن يتعلم.
لا نستطيع الإحاطة بكافة الأفكار التي وردت في يوميات مدير مدرسة، لكنه كتاب طريف وجاد يحمل هموما تربوية، ولعل أحلام مؤلفه في القصص تتحول إلى حقيقة. (وكالة الصحافة العربية)