رئيس مدى الحياة في بلاد كئيبة
عمر حسن البشير هو آخر الكوارث. الرئيس السوداني قرر أن يكون رئيسا مدى الحياة. الحزب الحاكم يحبه. حزبه يحبه.
لا أحد في إمكانه أن يمنع البشير من البقاء رئيسا مدى الحياة. غير أن الحزب الحاكم سيجري تغييرات في الدستور تتيح له ذلك.
ولأن البشير لن يغادر القصر الرئاسي إلا بقوة السلاح فإن اللجوء إلى الدستور يعتبر عملا فائضا عن حاجته.
لا يحتاج البشير إلى تغيير في الدستور ليفرض شرعيته.
فالرجل لا يرتكب خطأً قياسا للنظام السياسي العربي القديم وهو نظام يستمد قوته من فكرة شعبوية عن الزعامة الخالدة.
وكما يبدو فإن شعوبنا التي تهوى القادة ــ الرموز تود لو توقف الزعماء عن الشعور بالإحراج بسبب بقائهم في السلطة.
فما من حاجة الى احداث تغيير في الدستور. ذلك لن الدستور لم يكن ضروريا يوما ما لكي تستمر الحياة كما هي. كما عرفها أجدادنا وآباؤنا. كما عرفناها. لا أعتقد أن شعوبنا تعرف ما الدستور.
البشير هو صنم آخر يُضاف إلى الاصنام الأخرى التي يضمها متحف مدام توسو العربي. فهو لا يختلف عن سواه ممن سبقوه إلى الفكرة الماكرة التي تقود إلى خلود من نوع مختلف. خلود مَن لا يجد لحياته معنى خارج وظيفة عبثية، بسببها تتعطل ساعة الوطن.
وظيفة "رئيس مدى الحياة" لا زمن محدد لها. فذلك الزمن مرتبط بإمكانية الرئيس على أن يبقى حيا وهو ما لا يقع ضمن صلاحياته. لا مفر من الموت الذي لا تنص عليه صراحة فقرات الدستور ولكنها توحي به.
البشير الذي لم يمل من الرئاسة لم يتأمل جيدا مصائر مَن سبقوه من الخالدين.
فالقذافي مثلا صمد أكثر من سواه. عبر أكثر من أربعين سنة كان هو الأخ الأكبر الذي يراقب كل صغيرة وكبيرة في ليبيا وانتهى قتيلا بأيدي مَن زعم أنه وهبهم الحياة الكريمة.
في حين لم يصمد محمد أنور السادات سوى إحدى عشرة سنة قضاها في مطاردة الشيوعيين والانفتاح على الفاسدين وأخيرا احتمى بالإسلاميين الذين قتلوه في مشهد استعراضي يشك الكثيرون أنه من تدبير الجيش.
اما حافظ الأسد فإن أبده المعلن لم يزد عن ثلاثين سنة بالرغم من أنه حلم في أن يمارس الحكم من القبر وهو ما قاد سوريا إلى التهلكة على يد ابنه الذي بدأ حياته السياسية بتغيير فقرات في الدستور.
على جهة البعث الأخرى كان غريم الأسد الأب صدام حسين يمارس هوايته في ارتكاب الأخطاء نائبا للرئيس ورئيسا. غير أن فكرته عن الخلود سلمت العراق إلى كارثة، تبدو كما لو أنها حلت محله في ما تملك من مدى زمني. فهي قائمة ما دام الشعب العراقي حياً. كارثة مدى الحياة بدلا من رئيس مدى الحياة. وهو ما كان صدام حسين يشير إليه ويحذر منه.
وهكذا فإن صفة "رئيس مدى الحياة" تنطوي على الكثير من الشؤم لا على الشخص الذي يحملها حسب بل على الدولة التي يضعها ذلك الشخص تحت إبطه وعلى الشعب الذي تسلمه تلك الصفة إلى اليأس.
فمع "رئيس مدى الحياة" تتعطل معاني الحياة كلها.
لا أمل في التغيير ولا قيمة للأفكار الجديدة ولا ضرورة للعمل. فالرئيس الذاهب إلى الموت رئيسا هو الذي يغير وهو الذي يفكر وهو الذي يجيب على سؤال لينين الخالد "ما العمل؟"
وفي حالة السودان فإنها بلاد كئيبة لم تكن في حاجة إلى سبب مضاف يزيدها كآبة. وكما أرى فإن انغلاق الأفق السياسي برئيس مدى الحياة سيعيد تلك البلاد الكئيبة إلى زمن الحروب الأهلية التي أطفأت نارها مؤقتا على سبيل التجريب ليس إلا.