البشير وبشّار خطان يلتقيان

..يلتقي الخطّان عند تدمير ما بقي من السودان ومن سوريا.

يستأهل كلّ منهما الآخر. عمر حسن البشير يستأهل بشّار الأسد، وبشّار الأسد يستأهل عمر البشير. لن تقدّم زيارة الرئيس السوداني لدمشق او تأخّر في شيء، بغض النظر عمّن ارسله الى هناك، اكان الروسي او التركي او الايراني.

في النهاية ما الذي يستطيع رئيس لنظام مفلس تقديمه الى رئيس لنظام مفلس آخر، اللهمّ الّا اذا كان لدى الروسي، الذي وضع طائرة في تصرّف البشير سافر بها الي دمشق، ما يجعله يعتقد انّ في الإمكان البناء على وهم. انّه وهم اسمه نظام سوري لم يمتلك ايّ يوم شرعيّة من أي نوع كان نظرا الى انّه استمرار لانقلاب عسكري نفّذه ضباط من حزب البعث وضباط آخرون في الثامن من آذار – مارس من العام 1963 من اجل القضاء على ايّ امل بان تقوم لسوريا قيامة في يوم من الايّام.

تعطي العودة الى مرحلة وصول عمر حسن البشير الى الرئاسة فكرة عن الرجل الذي استطاع التحايل على حسن الترابي الذي جعل تنظيم الاخوان المسلمين يدعمه. استخدم البشير حسن الترابي الذي كان يعتبر من اكثر السياسيين السودانيين دهاء. كان الترابي في المقابل يعتقد ان البشير سيكون مجرّد خاتم في اصبعه. اكتشف متأخّرا انّه امام رجل يصلح لكلّ الاستخدامات وان لا شيء يقف في وجهه بعدما قرّر ان يكون عبدا للسلطة. لذلك، عندما كان على البشير الاختيار بين تقسيم السودان والسلطة، اختار التقسيم في حين كان في استطاعته إقامة نظام لا يفرّق بين سوداني وآخر ويحافظ على وحدة البلد بدل الدخول في لعبة لا يمكن الّا ان تكون لها ارتداداتها عليه عاجلا ام آجلا... حتّى لو احتمى أخيرا باتفاقات من تحت الطاولة مع إسرائيل.

لم يرحم البشير حسن الترابي الذي ساعده في الوصول الى السلطة في العام 1989. لعب علي عبدالله صالح دورا في الحؤول دون تنفيذ حكم الإعدام في الترابي الذي ظنّ في مرحلة معيّنة انّه سيكون قادرا على حكم السودان والذهاب الى ابعد من السودان... الى مصر تحديدا. ذهب الترابي ضحيّة استخفافه بالبشير وطموحاته الإقليمية التي لم يدرك في ايّ وقت انّها مجرد أحلام يقظة.

لا يمكن الاستهانة بعمر حسن البشير والادوار التي لعبها منذ حكم السودان قبل نحو ثلاثين عاما. لكنّ السؤال الذي يطرح نفسه في نهاية المطاف ما الذي حقّقه للسودان باستثناء انّه صار مطلوبا من المحكمة الجنائية الدولية وانّه ارتكب مجازر في دارفور واستطاع تحقيق انفصال الجنوب ذي الأكثرية المسيحية عن الشمال المسلم؟

جاء الرئيس السوداني الى دمشق لدعم رئيس النظام السوري الذي رضخ، من اجل البقاء في دمشق، لكلّ المطلوب منه إيرانيا وروسيا واسرائيليا. لا يتعلّق الموضوع بمزايدة في الوطنية واستخدام عبارات ممجوجة تتعلّق بإسرائيل وسياستها في المنطقة. الموضوع، بكل بساطة، هو سياسة اسرائيلية تقوم صراحة على حماية النظام الاقلّوي في سوريا لأسباب تعود الى قبوله المبطن بواقع اسمه الاحتلال الإسرائيلي للجولان. يتعلّق الامر في نهاية المطاف بنظامين استطاعا تدمير بلدين يجمع بينهما بلد ثالث هو روسيا.

تكمن مشكلة روسيا في انّه لم يكن لديها في ايّ يوم من الايّام دور بنّاء في الشرق الوسط. لم تقدّم الى الانظمة القمعية في المنطقة سوى أسلحة تستطيع استخدامها ضدّ شعوبها. هذه قصة روسيا مع الشرق الاوسط منذ كانت جزءا من الاتحاد السوفياتي السعيد الذكر. من لديه ادنى شكّ في ذلك يستطيع العودة الى الدور الروسي في مرحلة ما قبل حرب حزيران – يونيو 1967 التي لا زال العالم العربي يعاني من آثارها الى يومنا هذا.

كيف ورطت روسيا العرب، على رأسهم جمال عبدالناصر، في حرب خاسرة سلفا انتهت باحتلال إسرائيلي للضفّة الغربية والقدس الشرقية والجولان وغزّة؟ هناك لغز لم يوجد تفسير له الى اليوم. لماذا لم يحذر الاتحاد السوفياتي جمال عبدالناصر من نتائج حرب مع إسرائيل، علما انه كان على علم تام بموازين القوى السائدة في المنطقة في تلك المرحلة؟ هل ترك مصر تغرق في تلك الحرب كي يزداد النفوذ السوفياتي في القاهرة وفي المنطقة؟ كيف منعت موسكو أي مفاوضات تستهدف استرجاع سوريا للجولان فيما استطاع أنور السادات استعادة كلّ سيناء، مع آبار النفط والغاز، بعدما طرد الخبراء السوفيات من مصر وخاض حرب 1973؟

كان في استطاعة الاتحاد السوفياتي المساعدة في تسوية في الشرق الاوسط في وقت كانت الظروف مهيّأة لذلك. لكنّه تمترس دائما خلف لعبة اللاحرب واللاسلم التي صبّت في مصلحة إسرائيل. طرح ليونيد بريجنيف مبادرة سلام في احدى المرات مع علمه التام انّها غير قابلة للتحقيق. كان على الاتحاد السوفياتي بيع العرب الاوهام بين حين وآخر. سيكشف التاريخ انّه لم يكن يوما صديقا للعرب، بل كان دائما مع الانظمة المستبدة التي خربت بلدانها وشعوبها. لا حاجة طبعا الى استعادة الدور السلبي الذي لعبه الاتحاد السوفياتي في اليمن الجنوبي في اطار بحثه عن موطئ قدم في شبه الجزيرة العربية... او بسبب دعمه لديكتاتور مثل منغيستو هايلي مريم في اثيوبيا.

جاء الرئيس السوداني الى دمشق في طائرة روسية. تبيّن ان هناك خطين يلتقيان. الخط الذي يسير فيه البشير والخط الذي يسير فيه بشّار. يلتقي الخطّان عند تدمير ما بقي من السودان ومن سوريا.

ليس مفهوما الى الآن ما الذي تريده روسيا من وراء دعم بشّار الأسد. هل تعتقد انّه ورقة يمكن استخدامها في مرحلة معيّنة؟ الثابت الى الآن، ان ليس هناك من يريد شراء الورقة السورية التي لدى روسيا. لا يتوقف المسؤولون الاميركيون عن ترديد ان لا استعداد لدى الولايات المتحدة لتمويل إعادة بناء سوريا. يتبيّن اكثر فأكثر مع مرور الايّام ان ايران استخدمت روسيا في سوريا وليس العكس ابتداء من خريف العام 2015 عندما وصلت طائرات "سوخوي" الى قاعدة حميميم قرب اللاذقية.

لن يعوّم البشير بشّار ولن يعوّم بشّار البشير. كلّ ما في الامر ان روسيا عاجزة عن لعب دور إيجابي في الشرق الاوسط. تستفيد ايران الباحثة عن تخريب المنطقة من تلك النزعة الروسية الى استعادة دور القوة العظمى في العالم. ليست تلك النزعة التي أتت بالبشير الى دمشق سوى تعبير عن هروب مستمرّ الى امام تمارسه موسكو لا اكثر. من يريد بالفعل إعادة الحياة الى سوريا لا يتردد في الاعتراف بانه لا يمكن البناء على نظام على رأسه بشّار الأسد يؤمن بالأوهام وبان ايران قوة إقليمية تستطيع لعب دور الدولة المهيمنة على المنطقة وان عمر حسن البشير صار يمثّل فكر العروبة!