سلسلة بشرية مترابطة ترمز لوحدة المحتجين من جنوب لبنان لشماله

الاحتجاجات المناهضة للطبقة السياسية تدخل يومها الحادي عشر، في وقت أعلنت فيه جمعية مصارف لبنان أن البنوك ستظل مغلقة إلى حين تستقر الأوضاع.
هل ينهي الحراك الشعبي في لبنان عقودا من هيمنة النظام السياسي القائم على المحاصصة؟
المحتجون اللبنانيون يطالبون بإسقاط الطبقة السياسية بمختلف أجزائها
البابا فرنسيس يدعو الأطراف اللبنانية إلى الحوار 

بيروت - ينفذ عشرات آلاف اللبنانيين اليوم الأحد سلسلة بشرية تمتد من شمال البلاد إلى جنوبها في إطار الحراك الشعبي المناهض للطبقة السياسية والذي لم يتوقف منذ 11 يوماً، في خطوة ترمز إلى الوحدة الوطنية التي تكرست خلال التظاهرات العابرة للطوائف والمناطق.

ويواصل اللبنانيون في مختلف محافظات البلاد احتجاجاتهم المناهضة للطبقة السياسية، في وقت أعلنت جمعية مصارف لبنان أن البنوك ستظل مغلقة حتى تعود الأوضاع للاستقرار.

وأغلقت المصارف في لبنان أبوابها على مدى ثمانية أيام عمل مع خروج احتجاجات تطالب الحكومة بالاستقالة دون وجود حل للأزمة في الأفق.

وبدأ آلاف الأشخاص الانتشار على الطرق لهذه الغاية، وبدأوا الإمساك بأيدي بعضهم البعض، ويسعون إلى أن تغطي السلسة مسافة تمتد على 170 كيلومتراً من صور جنوباً إلى طرابلس شمالاً، مروراً بساحة الشهداء في وسط بيروت.

ويفترض أن تشمل السلسة البشرية كلّ الساحات التي شهدت تظاهرات منذ انطلاقة الحراك في 17 أكتوبر/تشرين الأول.

ويتسم الحراك بالسلمية، إلا أن الأيام الأخيرة شهدت توترات بين قوات الأمن والمتظاهرين الذين يقطعون طرقا رئيسية في العاصمة وخارجها، في محاولة منهم لتكثيف الضغط على السلطة لتنفيذ مطلبهم باستقالة الحكومة أولا. وباءت محاولات الجيش فتح الطرق بالفشل.

كما حصلت توترات بين متظاهرين ومجموعات من حزب الله ومن التيار الوطني الحر الذي يتزعمه رئيس الجمهورية ميشال عون. وأعلن الأمين العام لحزب الله الذي يمتلك مع عون وحلفائهما الأغلبية الحكومية، استقالة الحكومة والرئيس وإجراء انتخابات نيابية مبكرة. كما يطالب المحتجون متذرعا بخشيته من "الفوضى" و"الفراغ".

كذلك يرفض رئيس الحكومة سعد الحريري الذي كان خلال السنوات الماضية على خلاف مع حزب الله الاستقالة.

وأعلن الحريري ورقة إصلاحات اقتصادية قبل نحو أسبوع في محاولة لامتصاص غضب الشارع، ودعا عون إلى إعادة النظر بالواقع الحكومي، لكن المتظاهرين يعتبرون أن كل هذه الطروحات جاءت متأخرة ولا تلبي طموحاتهم. وهم مصرون على مواصلة ما يسمونه "ثورة".

وتجمع المشاركون في مبادرة السلسة البشرية على طول الطرق السريعة من الشمال إلى الجنوب، ووصلوا إليها سيراً على الأقدام وبعضهم على الدراجات النارية أو الهوائية.

وقالت جولي تيغو بو ناصيف (31 عاماً) وهي أحد منظمي المبادرة، "كل شيء بات جاهزاً لدينا متطوعون على الدراجات النارية يساعدوننا في ملأ الفراغات في السلسلة".

وأضافت "الفكرة خلف هذه السلسلة البشرية هي أن نظهر أن لبنان من شماله إلى جنوبه يرفض الطائفية".

وتميزت التظاهرات في لبنان بشمولها مختلف الأراضي اللبنانية ومختلف الطوائف في بلد صغير يقوم على المحاصصة الطائفية ويشهد انقسامات كبيرة بين سياسييه على خلفية الانتماءات الحزبية والدينية.

وتشكّل فئة شباب ولدوا ما بعد الحرب الأهلية الدامية (1975-1990) عصب التظاهرات اللبنانية التي ليست لها قيادة ولا توجها حزبيا.

وقالت بو ناصيف "نريد تعزيز شعور الوحدة الوطنية الذي بدأ يظهر في لبنان خلال الأيام العشرة الماضية".

المظاهرات اللبنانية تجمع مختلف الأطياف تحت سقف مطلبي واحد في بلد صغير يقوم على المحاصصة الطائفية ويشهد منذ عقود انقاسمات سياسية كبيرة

بدوره دعا البابا فرنسيس الأطراف اللبنانية إلى "الحوار" لإيجاد حلول في الأزمة السياسية والاجتماعية التي تمر بها البلاد.
وجاء ذلك في كلمة له عقب صلاة في ساحة القديس بطرس توجه بها إلى جميع الأطراف في لبنان من أجل البحث عن الحلول الصحيحة عبر الحوار.

وقال البابا "أفكاري مع الشعب اللبناني العزيز خصوصا الشباب الذين أسمعوا في الأيام الأخيرة صرختهم في وجه التحديات والمشاكل الاقتصادية والاجتماعية في البلاد".

وتوجه البابا فرنسيس بالدعاء أن "يستمر لبنان وبدعم من الجماعة الدولية، فسحة تعايش سلمي واحترام لكرامة وحرية كل شخص، لما فيه مصلحة منطقة الشرق الأوسط بكاملها والتي تعاني كثيرا".

وحاول الجيش اللبناني أمس السبت فتح عدد من الطرق المغلقة في مناطق مختلفة في البلاد، فيما لم تفتح المصارف والمدارس والجامعات أبوابها منذ أكثر من عشرة أيام.

وجرح السبت ستة أشخاص على الأقل في صدام بين الجيش ومتظاهرين كانوا يحاولون قطع طريق في منطقة البداوي قرب طرابلس في شمال لبنان.

وحصلت الجمعة الماضي مواجهة في ساحة رياض الصلح وسط بيروت إثر إقدام مجموعة مؤيدة لحزب الله على نصب خيمة في وسط الساحة وإطلاق هتافات مؤيدة لنصرالله اعتراضاً على تصنيف المتظاهرين الأمين العام للحزب كجزء من الطبقة السياسية الفاسدة.

وطالب المحتجون منذ بدء الحراك بإسقاط الطبقة السياسية بأكملها فهم يحملون عليها فسادها وعجزها عن حلّ الأزمات التي تمر بها البلاد، خصوصاً الاقتصادية.

وتتألف الطبقة الحاكمة في لبنان بمعظمها من زعماء كانوا جزءاً من الحرب الأهلية المدمرة التي شهدتها البلاد، ولا زال أغلبهم موجوداً في الحكم منذ نحو ثلاثة عقود. ويمثّل هؤلاء الزعماء عموماً طبقة طائفية أو منطقة معينة.

ويعبّر إيلي (40 عاماً) عن استيائه من ذلك وهو يسير في وسط بيروت رافعاً العلم اللبناني بالقول "ثلاثون عاماً والأشخاص نفسهم في الحكم".

وتضمنت الإصلاحات التي أعلنها الحريري خفضا بنسبة النصف لرواتب المسؤولين، وتقديمات ووعود بإصدار قانون لاستعادة الأموال المنهوبة. بالإضافة الى إقرار موازنة العام 2020 مع عجز نسبته 0.6 في المئة ومساهمة القطاع المصرفي والمصرف المركزي بخفض العجز بقيمة تتجاوز خمسة آلاف مليار ليرة (3.3 مليارات دولار) خلال العام 2020.

ودعم شركاء الحريري في الائتلاف الحكومي وكذلك رئيس الجمهورية تلك الإصلاحات، لكن الشارع ردّ بالرفض لعدم ثقته بقدرة الحكومة التي لطالما وعدت ولم تف على التنفيذ.

وصباح الأحد وكما في كل صباح منذ بدء التظاهرات، نزل متطوعون من شباب وعائلات لتنظيف مواقع التظاهر التي تبقى عامرة خلال الليل وتشهد احتفالات.