العراق دولة وهمية على الورق

أقيم العراق الجديد على أساس غياب الدولة وسيبقى كذلك.

الدولة أو وهمها. لا فرق. المهم أن تكون هناك دولة على الورق. ليس مهما ما تقوم به تلك الدولة من خلال مؤسساتها وأجهزتها. المهم أن يتم الاعلان عن وجودها مثلما يتم تسجيل الشركات في دائرة الضرائب.

لا أحد يبحث عن شركة تدفع الضرائب.

بعد اسقاط الدولة العراقية عام 2003 صار واضحا أن المسعى كله يمكن تلخيصه في قيام دولة شبحية. دولة مسجلة في لوائح الدول المعترق بها عالميا. فهي عضوة في الجمعية العامة للأمم المتحدة وما يتفرع عنها من منظمات دولية وفي الجامعة العربية ولديها سفارات في مختلف انحاء العالم. غير أنها في حقيقة ما تقوم به ليست موجودة. فهي على الأقل لا ترعى مصالح الشعب الذي يتحقق وجودها من خلال تصريفها لشؤونه.

سيُقال إن الدولة شيء والحكومة شيء آخر. كلام صحيح. غير أنه لا ينطبق على العراق الجديد. فبعد أن تم اسقاط النظام السياسي الذي كان قائما حتى عام 2003 لم يتم الحفاظ على بنية الدولة. لقد انهارت الدولة العراقية التي تأسست في عشرينات القرن الماضي مع انهيار النظام السياسي الذي كان صدام حسين يقوده.

اختفى النظام السياسي واختفت الدولة العراقية معه.

لم يحدث ذلك بالصدفة بل هو جزء من مخطط قد وضع سلفا.

الدليل على ذلك أن سلطة الإحتلال قفزت على تلك المسألة المصيرية وطرحت صيغة النظام السياسي الذي سيكون بمثابة قاعدة لنشوء الحكومات التي تتداول السلطة في سياق ما سمي بالعملية السياسية التيهي عبارة عن عملية لتقاسم المغانم بين من اعتبروا أنفسهم منتصرين بعد أن تواطئوا مع المحتل.

ولو عدنا إلى تفاصيل الخطة الأميركية لأكتشفنا بيسر أن الدولة لم تكن موجودة في التفكير الأميركي. كان هناك عراق يقوم على أساس مكوناته الطائفية والعرقية التي يمكن أن تتفق ويمكن أيضا أن تختلف من غير أن يجمع بينها في الاتفاق والاختلاف شيء مشترك. ليس هناك من وطن وليست هناك من دولة. يمكن للفرقاء أن يذهب كل واحد منهم إلى حال سبيله في اللحظة الحرجة.

ذلك هو العراق الذي قُدر له أن لا يستعيد ملامحه، يابسة كانت أم نضرة، ولا شخصيته، قوية كانت أم ضعيفة. ولأن التفكير في إقامة دولة جديدة على ركام الدولة القديمة هو أمر مستبعد فقد تم اختصاره بالنظام السياسي.

ذلك نظام عجيب وغريب من نوعه. أهم ما فيه أن تداول السلطة فيه ينحصر بين أحزابه التي تخرج دائما من الانتخابات التي تُجرى وفق القواعد الديمقراطية فائزة جميعها.

يتقدم بعض تلك الأحزاب على البعض الآخر في النقاط غير أن ذلك لا يؤثر في شيء على بنية النظام القائم على أساس عملية فساد كبرى دفعت بالجزء الأكبر من الشعب العراقي إلى هاوية الفقر وزادت من مديونية العراق بالرغم من ثرائه.

لذلك لم تكن هناك أية بارقة أمل لقيام دولة حقيقية، تقوم مؤسساتها بحماية مصالح الشعب والحفاظ على ثرواته واعادة العمل في البنية التحية المدمرة التي تقدم له الخدمات الأساسية وتنقذه من الفقر والحرمان والجهل والمرض والبطالة وتنهي التمييز القائم على المحسوبية بين أفراده.

ولأن قيام دولة حقيقية من شأنه أن يحرم الأحزاب من الاستمرار في إدارة ماكنة فسادها فقد وقفت تلك الأحزاب بكل ثقلها ضد مطلب العراقيين باعادة الاعتبار للدولة.

لقد أقيم العراق الجديد على أساس غياب الدولة وسيبقى كذلك.

تلك هي الفكرة التي تدافع عنها الأحزاب وهي مستعدة للقتال إلى آخر نفس من أجل أن يظل العراق رهينة نظامها الفاسد الذي سيمحى يوم تعلن الولايات المتحدة عن كذبتها التي صنعت دولة على الورق.