أنقرة تؤجج الصراع الليبي لإفشال مبادرة القاهرة المدعومة دوليا وإقليميا
طرابلس - رحبت دول عربية وغربية بالمبادرة السياسية التي أعلن عنها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، السبت، بحضور قائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر ودعم جديدة لحل الصراع الدائر في ليبيا فيما سعت تركيا إلى تأجيج الحرب مجددا عبر التذكير بدورها في القتال مع حكومة الوفاق حول العاصمة طرابلس وتبجحها بالتدخل العسكري وإرسالها المرتزقة واعدة بالمزيد.
واعتبرت كل من الإمارات والسعودية والبحرين والأردن وروسيا وفرنسا المبادرة المصرية لتسوية الأزمة في ليبيا فرصة مهمة لوقف إطلاق النار والعودة إلى المسار السياسي لانهاء الأزمة في باللاد التي زاد التدخل العسكري التركي منذ أشهر تأزم الوضع فيها.
وكان الرئيس المصري أعلن في وقت سابق اليوم خلال مؤتمر صحفي بالقاهرة، في حضور المشير خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي، ورئيس مجلس النواب الليبي المستشار عقيلة صالح، مبادرة جديدة لإنهاء الأزمة الليبية تقوم بالأساس على "وقف إطلاق النار وإخراج المرتزقة وتفكيك الميليشيات والذهاب إلى عملية سياسية تحت رعاية الأمم المتحدة".
وأدى التدخل العسكري المباشر الذي قامت به تركيا في ليبيا منذ يناير الماضي إلى تأزم الوضع أكثر وتأجيج الصراع في البلاد، حيث سارعت لإرسال المرتزقة من الفصائل السورية التي تدعمها وإرهابيين من شمال سوريا نحو طرابلس للمشاركة في القتال إلى جانب ميليشيات حكومة الوفاق التي يسيطر عليها الغخوان فيما تواصلت شحنات الأسلحة والعتاد التركية تتدفق عبر المتوسط.
وأعلنت الإمارات تأييدها للجهود المصرية الداعية إلى وقف فوري لإطلاق النار في ليبيا حيث أكدت وزارة الخارجية والتعاون الدولي وقوف الإمارات مع كافة الجهود التي تسعى إلى الوقف الفوري للاقتتال في ليبيا، والعودة إلى المسار السياسي الذي تقوده الأمم المتحدة بما يضمن سيادة ليبيا بعيدا عن التدخلات الخارجية كافة.
ودعت الوزارة، في بيان، الجهات الليبية وعلى رأسها حكومة الوفاق والجيش الوطني الليبي إلى التجاوب الفوري مع هذه المبادرة حقنا للدماء، وتمهيدا لبناء دولة المؤسسات، وتفاديا لاستمرار الإقتتال بكل ما يحمله من أخطار تمدّ في عمر الصراع وتهدد الكيان الليبي العربي المستقل.
وأوضحت أن المسار السياسي هو الخيار الوحيد المقبول للوصول إلى الإستقرار والازدهار المنشوديْن، داعية الأشقاء الليبيين إلى تغليب المصلحة الوطنية المشتركة، والتجاوب مع المبادرة التي أطلقتها القاهرة.
وأكدت السعودية في بيان صحفي وزعته السفارة السعودية بالقاهرة، ترحيبها بكافة الجهود الدولية التي تدعو إلى وقف القتال في ليبيا، والعودة للمسار السياسي على قاعدة المبادرات، والقرارات الدولية ذات الصلة بما في ذلك ما تم التوافق عليه في مؤتمري برلين وجنيف.
وفي البحرين قال الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة مستشار الملك للشؤون الدبلوماسية في تغريدة على تويتر إن إعلان القاهرة خطوة مهمة تجمع جميع الأطراف في ليبيا للعمل على بدء حوار جاد تتظافر فيه الجهود الوطنية للتوصل إلى اتفاق تاريخي.
وأشار إلى أهمية “التوصل إلى اتفاق يضمن وقف التدخل الخارجي وإخراج المرتزقة والإرهابيين”، في إشارة للمرتزقة الذين أرسلتهم تركيا بعد تدخلها العسكري المباشر في ليبيا لدعم حكومة الوفاق في طرابلس.

من جهته أيد الأردن مبادرة السيسي وقال وزير الخارجية أيمن الصفدي عبر تويتر إن عمان تثمن جهود جمهورية مصر المبذولة والتي أثمرت عن “إعلان القاهرة"، واصفا إياه "بالإنجاز المهم والمبادرة المنسجمة مع كافة المبادرات الدولية".
وفي الغرب رحبت روسيا والولايات المتحدة وفرنسا بالمبادرة المصرية داعية إلى وقف إطلاق النار.
وقال المبعوث الخاص للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الشرق الأوسط ودول إفريقيا، نائب وزير الخارجية ميخائيل بوجدانوف "نرحب بهذه المبادرة، ونعتبرها أساسا جيدا لإطلاق عملية سياسية جدية"، حسب ما أفادت وسائل غعلام روسية.
وشد بوجدانوف على أن الجانب الروسي قدم بعض المقترحات لوقف إطلاق النار في ليبيا أيضا.
وقالت الخارجية الأميركية في بيان السبت "نرحب بالجهود المصرية لدعم وقف النار في ليبيا. ونطلب من الأطراف الليبية دعم وقف النار والعودة للتفاوض".
من جهتها رحبت باريس بالمبادرة المصرية وذلك خلال اتصال هاتفي بين وزير الشئون الخارجية الفرنسية جان إيف لودريان ونظيره المصري سامح شكري.
وقالت متحدثة باسم الخارجية الفرنسية في بيان إن الوزير الفرنسي هنأ شكري على الجهود التي بذلتها مصر في الملف الليبي، معربا عن ترحيبه بالنتائج التي تحققت والتي تهدف إلى الوقف الفوري للقتال لاستئناف العملية السياسية تحت إشراف الأمم المتحدة وفي إطار المعايير المتفق عليها في مؤتمر برلين.
ومن بين البنود التي وردت في المبادرة الشاملة والمشتركة التي أعلنت عنها القاهرة لإنهاء الصراع في ليبيا، التأكيد على وحدة وسلامة الأراضي الليبية واستقلالها واحترام كافة الجهود والمبادرات الدولية وقرارات مجلس الأمن والتزام كافة الأطراف بوقف إطلاق النار اعتبارا من 8 يونيو/حزيران الجاري.
وارتكزت المبادرة على مخرجات مؤتمر برلين والتي نتج عنها حلا سياسيا شاملا يتضمن خطوات تنفيذية واضحة (المسارات السياسية والأمنية والاقتصادية) واحترام حقوق الإنسان واستثمار ما انبثق عن المؤتمر من توافقات بين زعماء الدول المعنية بالأزمة الليبية.
بالإضافة إلى استكمال أعمال مسار اللجنة العسكرية (5+5) بجنيف برعاية الأمم المتحدة، وقيام الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بإلزام كل الجهات الأجنبية بإخراج المرتزقة الأجانب من كافة الأراضي الليبية وتفكيك الميليشيات وتسليم أسلحتها حتى تتمكن القوات المسلحة بالتعاون مع الأجهزة الأمنية من الاضطلاع بمسؤولياتها ومهامها العسكرية والأمنية في البلاد.
وبينما دعت أغلب الأطراف الإقليمية والدولية إلى العودة لطاولة المفاوضات على هذا الأساس وأجعت على ان الحل في ليبيا يجب ان يكون سياسيا، عادت تركيا للحديث عن "الانجازات" التي ساهمت بلاده في تحقيقها دعما لحكومة فائز السراج في طرابلس.
وهنأ ياسين أقطاي مستشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ميليشيات الوفاق على التطورات الميدانية الأخيرة الحاصلة، مؤكداً أن بلاده "وفت وأنجزت ما وعدت به حكومة الوفاق".
في الإثناء وبعد إعلان القاهرة بساعات شنت حكومة الوفاق المدعومة من تركيا والمرتزقة هجوما عسكريا لاقتحام مدينة سرت الساحلية (450 كلم شرق طرابلس) لكن قوات حفتر تصدت لها بقوة واعلنت اسقاطها طائرتين مسيرتين.
وقالت شعبة الإعلام الحربي التابعة للجيش الوطني الليبي إن "القوات المسلحة الليبية أفشلت محاولة مجموعات الحشد المليشياوي المدعوم تُركياً والمرتزقة السوريين والأتراك، للهجوم على مدينة سرت".
وأضافت أنها كبدتهم "خسائراً كبيرةً في العتاد والأرواح" وأن "المعارك إنتقلت إلى ما بعد الحدود الإدارية لمدينة سرت بتغطيةٍ جوية من قبل السلاح الجوي".
وكانت المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي أحمد المسماري قد كشف في وقت سابق أن انسحاب الجيش ومن بعد المحاور والمدن في غرب ليبيا يعود لتغيير في الاستراتيجية بعد التدخل التركي، الذي باتت تستخدم فيه مختلف أنواع الأسلحة.
ونقلت وكالة الاناضول التركية عن المنسق العام لوقف الأبحاث السياسية والاقتصادية والاجتماعية التركي (سيتا)، برهان الدين دوران قوله إن "الوضع الجديد يمكن أن يتيح لحكومة الوفاق السيطرة على كامل الأراضي الليبية".
وأضاف أن "قطر وإيطاليا تدعمان أيضاً حكومة الوفاق إلا أن الدعم الحقيقي تقدمه تركيا".
وتباهى دوران بالتدخل العسكري التركي في ليبيا قائلا إن "الطائرات المسيرة التركية والاستشارات العسكرية التي قدمها الضباط الأتراك، إضافة إلى الجهود الدبلوماسية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أدت إلى تغيير الوضع تمامًا في ليبيا".