أين المشكلة يا عرب؟

يسأل الاصلاحي المواطن العربي عن الشيء الذي يؤلمه: هل هو المجتمع؟ هل هو القانون؟ هل هو الدين؟
لا سبيل لحل المعضلة العربية الا بالغوض اعمق في اللاوعي الجمعي لدى العرب
ازمات العرب النفسية مركبة تحكمها قوانين فاشلة ومجحفة ونظام تربية عقيم
العرب لا يملكون الشجاعة للقيام بعمليات اصلاح حقيقية في بنية التفكير

من أبرز علماء التحليل النفسي-الاجتماعي في القرن العشرين هو عالم النفس السويدي كارل يونغ، الذي تحدث عن مستويات النفس لدى الانسان، وهي من الخارج الى الداخل: القناع والوعي واللاوعي الفردي واللاوعي الجمعي، ويرى أنه طالما أن الهوة واسعة بين هذه المستويات فإن الاماكن الداكنة والمظلمة في اللاوعي تزداد حتى تصبح معتمة ويفقد الانسان بوصلته في الحياة وتصيبه الأمراض النفسية المتنوعة ويصبح عاجزا عن وضع أهداف لنفسه ورؤية واضحة لخطة العمل وتحقيق تلك الأهداف ويصبح مجرد كائن يقوم بالعمليات الحيوية حتى يفنى.

يكمن الحل من وجهة نظر يونغ في المصالحة بين هذه المستويات بحيث يجري التعرف على المناطق المظلمة وحذف بعضها واستبقاء بعضها ودمج البعض القابل للدمج حتى تصبح النفس هادئة وتتضح الرؤية ويبني الانسان ثقته بنفسه ويصبح قادرا على شق طريقه. وإذا كانت المناطق المظلمة في اللاوعي الفردي والجمعي كثيرة وممنوع أن يقوم الفرد بتصحيحها، فإن المجتمع برمته ينهار ويصبح المجتمع لا هو بالحي ولا بالميت.

بكلمات أخرى، فإن التصحيح لا يكون خارجيا بل على الانسان أن يغوص في أعماقه ليعثر عليها، وهذه الأماكن المظلمة تتكون من عدة أشياء سلبية كسوء المعاملة والظلم وهضم الحقوق والمتناقضات والأشياء المفروضة على الانسان دون اقتناع والعقوبات القاسية المرافقة لها والقوانين المجحفة والأديان المربكة وفقدان الراعي المخلص والمؤتمن ونقص الحاجات الأساسية المادية والمعنوية وأية خبرات وتجارب مريرة يمر بها الانسان، فهي لا تزول وتبقى راسخة في اللاوعي الفردي والجمعي، وإذا ما أراد الطبيب النفسي مساعدة المريض، فإن عليه أن يغوص في أعماق هذا الانسان الذي جاء يطلب المساعدة، وغير ذلك لا يجدي نفعا.

من الأطباء النفسيين الخبراء في منهج يونغ طبيب كندي سحرني ببيانه وشرحه لمكنونات النفس وكيفية التعامل معها اسمه جوردان بترسون، وفي إحدى حلقاته على اليوتيوب قال أن المريض النفسي يأتي للطبيب النفسي ويجلس عنده بأجر مرتفع جدا على الساعة الواحدة، في حين أنه يحتاج الى سنة كاملة وهو يشرح الأشياء التي تؤلمه، وفي نهاية الساعة يكتب له الطبيب مضادا للاكتئاب، ويعلق بيترسون "إنه ليس مريضا بل ظروفه مؤلمة" ثم انفجر باكيا.

ماذا لو حاول بترسون الخوض في اللاوعي الجمعي لدى العرب، واللاوعي الفردي كذلك، فهما متصلان، لا بد وأن يشق الجيب، فمن أين له أن يبدأ؟ لا سبيل لحل المعضلة العربية، فالمشاكل أعمق مما يتصور، فهناك أفراد منافقون وكاذبون وناهبون يعيشون على أكتاف البقية، وهناك ظلم في الأسرة والواحدة وهناك قوانين مجحفة وهناك مسؤولون فاسدون وهناك نظام تعليمي فاشل وهناك قوانين اجتماعية خانقة وهناك متدينون لا هم لهم سوى السلطة وهم أبعد ما يكون عن التقوى والزهد في الحياة وهناك من يتستر بالدين لكي يقمع النساء وليس لإقامة العدل وهناك أمراض اجتماعية كالغيبة والنميمة والاستقواء على الضعيف والخداع.

لا أحد ينكر أن هناك مخلصين يحاولون الإصلاح ولكن كلا منهم يرى الإصلاح من زاويته ولا يستفيد من تجارب الآخرين، فتصبح عملية الإصلاح افعالا متخبطة ولا تسير على نهج موحد، أما الذين لا يشغلهم الشأن العام فيضحكون ملء أشداقهم وهناك من يستغل حالة الفوضى ليحقق أكبر قدر من المكاسب ويبرر لنفسه قائلا "الكل يسرق فلماذا أنا لا أسرق؟"

إن القرار الحاسم الذي يجب على الفرد اتخاذه هو العزم على حل المشكلة، ويبدأ بنفسه، وعليه تجاوز حاجز الخوف مهما كانت العواقب وخيمة، ويثابر وإذا غشيه الطوفان فعليه أن يجد لنفسه ملاذا آمنا ويكمل مسيرته، وهذا لا يفعله سوى قلة من الناس ممن هم على مستوى رفيع من الثقافة والصدق مع النفس.

إن الصدق مع النفس هو أول خطوة يجب القيام بها، وعلى الإصلاحي أن يعترف بالأماكن المظلمة في لاوعيه دون خوف، وعليه أن يجيب بصراحة عن الشيء الذي يؤلمه: هل هو المجتمع؟ هل هو القانون؟ هل هو الدين؟ ثم عليه أن يكون الطبيب النفسي لنفسه، فلن يعالجه طبيب نفسي ببعض العقاقير في حين أن المشكلة جاءت للمريض من الخارج وليس من داخل نفسه. فإذا فعل كل فرد هذا وهو صادق مع نفسه، لا بد للمجتمع أن يصلح.

لماذا لا يفعل العرب ذلك؟ لأنهم يخافون وجبناء ويريدون أن يبدؤوا من الصفر، وهذا غير معقول وفوق طاقة الانسان. ولو كان العرب شعبا قارئا، لما وقعوا في هذه الحالة من التخبط والضعف والتناحر، ولاستفادوا من تجارب الشعوب الأخرى.

تقول الحكاية أن ضابطا بريطانيا إبان الاستعمار البريطاني للهند كان يعبر شارعا في السيارة مع سائقه، فشاهد هنديا يضرب بقرة وصاحب البقرة يبكي لأن البقرة مقدسة لديه، فنزل الضابط ولكم الضارب على وجهه واسترضى الباكي ثم عاد الى السيارة، فقال له السائق "لم فعلت ذلك؟" فأجاب "طالما أنهم يتقاتلون من أجل البقر، فإن احتلال بريطانيا للهند سيدوم طويلا".