قبائل ليبيا تجدد تفويضها الجيش المصري لمواجهة أطماع تركيا وقطر

المجلس الأعلى للقبائل في ليبيا والبرلمان يعطيان الضوء الأخضر للجيش المصري ليضرب فورا إذا حرّكت ميليشيات الوفاق ساكنا في مدينة سرت.
القبائل الليبية تعتبر الدعم المصري السبيل الوحيد لإنهاء الحرب الأهلية
تمادي تركيا وقطر غرب ليبيا يدفع القاهرة للاستعداد للتدخل في أي لحظة
دعم القبائل يعطي لمصر امكانية نزع الشرعية عن الوجود التركي
اكتساب ثقة زعماء القبائل ودعمهم يمنح مصر بيدقًا آخر في اللعبة السياسية

القاهرة - فيما تعلن مصر استعدادها للتدخل العسكري في ليبيا يحظى الرئيس عبدالفتاح السيسي بتأييد متزايد من قبل زعماء القبائل الليبية القوية الداعمة للجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر في شرق البلاد التي أججت تركيا فيها الصراع بتدخلها العسكري دعما لحكومة طرابلس.

ويقع خط المعارك والمواجهات في ليبيا غرب ميناء سرت الاستراتيجي، وقد يثير أي تقدم أو تجاوز لحدود المدينة الاستراتيجية احتمال وقوع اشتباكات مباشرة بين القوتين الثقيلتين مصر وتركيا، إذ تدعم كل منهما أحد الطرفين المتناحرين في الدولة الشمال إفريقية الغنية بالنفط.

وزادت الزيارة التي قام بها وزيرا الدفاع القطري والتركي هذا الأسبوع إلى طرابلس لتثبيت قواعد عسكرية دائمة في غرب ليبيا بموافقة حكومة الوفاق، من تأجيج الصراع وتعزيز التدخل الخارجي في البلاد.

وتشهد ليبيا حالة من الفوضى منذ سقوط نظام معمر القذافي في 2011. ومنذ 2015 تتنازع سلطتان الحكم، حكومة الوفاق التي يرأسها فايز السرّاج ومقرها طرابلس (غرب) وحكومة موازية وبرلمان في طبرق شرق البلاد يدعمان الجيش بقيادة المشير حفتر.

وتساند تركيا حكومة السراج حيث تدخلت عسكريا في يناير الماضي لإبقائها في طرابلس وأرسلت لها المرتزقة من الفصائل السورية والسلاح للصمود، بينما تدعم مصر وروسيا ودول إقليمية أخرى الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير حفتر.

وتسيطر قوات حفتر على شرق ليبيا ومعظم ثروتها النفطية. وشنّت في نيسان/ابريل 2019 هجوما على قوات حكومة الوفاق بهدف السيطرة على طرابلس، لكن الدعم التركي لحكومة السراج دفعت قوات الجيش الوطني الليبي إلى التراجع إلى أن أصبحت سرت، التي تبعد 450 كلم شرق طرابلس، الآن آخر مدينة رئيسية تسيطر عليها قبل معقلها في الشرق.

وبعد السيطرة على مواقع غرب البلاد دفعت تركيا حكومة الوفاق للحشد بميليشياتها قرب سرت الغنية بالنفط لاقتحامها.

لكن القاهرة لوّحت بالتدخل العسكري المباشر في ليبيا إذا ما تم تجاوز خط سرت الجفرة الذي تسيطر عليه قوات الجيش الليبي معتبرة أن ذلك يمثل تهديدا لأمنها القومي.

وقال الرئيس السيسي في حزيران/يونيو أثناء تفقده وحدات الجيش الغربية "إذا كان يعتقد البعض أنه يستطيع أن يتجاوز خط سرت أو الجفرة فهذا بالنسبة لنا خط أحمر".

وفي تموز/يوليو، وافق البرلمان المصري على قيام الجيش بـ"مهام قتالية" في الخارج، في إشارة إلى ليبيا.

fd
القبائل الليبية ترفض التدخل التركي مهما كانت دوافعه

وبينما يتطلع زعماء القبائل الليبية إلى دعم عسكري من مصر، تسعى القاهرة إلى الاستفادة من نفوذ الشيوخ على الأرض.

وقال عبدالسلام بوحراقة الجراري وهو من أبناء عشيرتي الأشراف والمرابطون في ترهونة جنوب طرابلس، إن مصر تقدم "طوق النجاة" لزعماء القبائل الليبية.

وقال "نحن كقبائل فإننا نعطي الشرعية للقوات المصرية لحماية الأمن القومي الليبي، والذي بدوره يُعد تأمينا لمصالح مصر".

ويرى الجراري أن الدعم المصري هو السبيل الوحيد لإنهاء حرب أهلية طاحنة، ومحورها السيطرة على حقول النفط الثمينة.

وقال "نريد تدخلا عسكريا كاملا"، مضيفاً دون توضيح أن "الاستعدادات" قد بدأت على طول الحدود الليبية المصرية.

ومن منطقة البيضاء الشرقية، يقول عرفة الله دينوم الحرة من قبيلة البراعصة الليبية "لدينا رجال يأكلون الحجارة ويبصقونها... لكننا في معركة غير متكافئة ولهذا تراجعنا".

ويمنح اكتساب ثقة زعماء القبائل ودعمهم، مصر، بيدقًا آخر في اللعبة السياسية.

وفي غرب ليبيا، يُنظر إلى زعماء القبائل التقليديين على أنهم يتمتعون بنفوذ أكبر في المناطق الريفية الشرقية أكثر من المناطق الحضرية ذات الكثافة السكانية العالية في الغرب.

وخلال مؤتمر نُظم في أحد فنادق القاهرة الشهر الماضي، حضر شيوخ القبائل الليبيين بعباءاتهم البيضاء وقد اعتمروا عمامات وطواقي بيضاء أو حمراء للقاء السيسي، خلال فعاليات بثها التلفزيون الرسمي في القاهرة.

وقال رئيس المجلس الأعلى للقبائل في ليبيا صالح الفندي إن "الجيش المصري قد أُعطي الضوء الأخضر من جانبنا ومن البرلمان ليضرب فورا إذا حرّكت الميليشيات ساكنا في مدينة سرت".

وقال الفندي، وكان ضمن الحاضرين في اللقاء، "أخبرنا السيسي عندما التقيناه أن مصر ستقدم لنا الدعم (العسكري) الجوي والبري - إذا تجاوز الأتراك الخط الأحمر في سرت".

ويقول جليل حرشاوي الباحث في معهد "كلينغيندال" في لاهاي إن "ما تخطط له مصر حاليا يعكس رغبة من جانب القاهرة في إعادة تشكيل القيادة الليبية" في شرق البلاد.

وتأمل مصر، من وجهة نظر حرشاوي، أن يكون دعمها لزعماء القبائل في ليبيا بمثابة "صيد عصفورين بحجر واحد"، عن طريق قيامها بنزع الشرعية عن الوجود التركي أولا، ثم التمكن من إبعاد حفتر عن الصورة السياسية على المدى الطويل.

وأضاف حرشاوي أن "القاهرة لا تريد المخاطرة بالاعتماد المفرط على خليفة حفتر البالغ من العمر 77 عامًا، والذي يجده المصريون صعب المراس.... لذلك قد يرغب المصريون الآن في اختيار مجموعة من الشخصيات الليبية... أكثر مرونة واستقرارًا وأجدر بالثقة من منظور مصري".

ومع استمرار تدفق السلاح والمرتزقة إلى ليبيا، وخشية أن يؤدي هجوم حكومة الوفاق على سرت إلى اندلاع اشتباكات مباشرة بين تركيا ومصر، دعت القوى الغربية إلى استئناف جهود السلام.

ي
السراج يضع طرابلس تحت الحماية التركية والقطرية للبقاء في الكرسي

وعلى الرغم من تهديد مصر بالتدخل العسكري، أعلنت القاهرة أيضا تمسّكها بالحل السياسي، خصوصا وقد أبدت الولايات المتحدة انزعاجها "بشدة من الصراع المتصاعد"، ومؤكدة أنه لا يوجد "طرف رابح "في الحل العسكري.

وشدد وزير الخارجية المصري سامح شكري في بيان على "موقف القاهرة الحازم" المتمسك بالتسوية السلمية والمحادثات لحل الصراع في ليبيا.

لكن المبادرة الأميركية حول المنطقة منزوعة السلاح سرت – الجفرة وصل إلى طريق مسدود، حيث أبدت القاهرة تحفظات كبيرة عليها، بسبب غياب الآليات الواضحة التي تضمن ألا تساعد المبادرة حكومة الوفاق على إرسال مرتزقة إلى هناك في شكل قوات تأمين تابعة لوزارة الداخلية.

والثلاثاء، أوفدت القاهرة مدير المخابرات الحربية اللواء خالد مجاور، إلى قائد الجيش الوطني الليبي المشير حفتر، والذي التقاه في مقر القيادة العامة بالرجمة في شرقي البلاد وسلمه رسالة من الرئيس السيسي.

وتأتي الخطوة المصرية بعد زيارة أداها إلى طرابلس كل من وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، ونظيره القطري خالد العطية، حملت رسائل عديدة، أبرزها عدم استبعاد التحضير لتجاوز الخط الأحمر الذي حدده السيسي بخصوص سرت – الجفرة، ورفع التحشيد في صفوف المرتزقة والميليشيات.